في اليومين الأخيرين، ومع الإعلان عن أسماء المترشّحين الفائزين، بدأت ترتسم ملامح تشكيلة البرلمان المقبل. الصحف المحلية أجمعت تقريباً على عنوانٍ واحد: «سيطرة الإسلاميين على البرلمان».
في البرلمان الجديد، اختفى شيءٌ اسمه «المستقلون»، فإذا حضر الماء بطل التيمّم، كما انتفت الحاجة إلى مسمّى «الكتلة الإسلامية» لتمييزها عن غيرها، مادام جميع الفائزين «إسلاميين». و«الإسلاميون» هنا كلمةٌ عامةٌ مثل الثوب الفضفاض، يتسع لـ «الموالاة» و«المعارضة» معاً.
طبعاً ليس هناك من يراهن كثيراً على «الموالاة»، فليس من المتوقّع أن تأتي بجديد، فهي في ذروة ساعات الحماسة الانتخابية، لم تتمكّن من تذكير الناس بإنجازاتها إلاّ بالتلميح إلى سمكة «البونس» اليتيمة، أو الوعد بسمكةٍ أخرى أصغر للمتقاعدين هذه المرة، لوّح بها الشيخ عادل المعاودة، أحد أقطاب «الموالاة»، قبل يومين فقط من الانتخابات لغرضٍ في نفس يعقوب، وكلّ ذلك في سياق شعارٍ عام: «انتخبونا لنواصل المشوار»... هكذا بكل بساطة!
الرهان إذاً على المعارضة، والمعارضة هنا لا تعني «الوفاق» قصراً، وإنما التحالف الرباعي وما يمثله من قطاعاتٍ شعبيةٍ واسعةٍ في هذا المفصل التاريخي من الحركة الوطنية. ومع إن المأمول كان دخول المعارضة كتحالفٍ وليس فرادى، على أمل النجاح في أداءٍ أقوى وتحقيق مكاسب أكبر للشعب، إلاّ أن الأمر لا يجري كما تشتهي العقول، فالسياسة لا تجري دائماً حسب المنطق والقواعد العقلية، وإنما وفق حسابات معقدة من المصالح ومراكز القوى ونسبة تمثيل كل قوة على الأرض. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام العنوان المذكور أعلاه: «سيطرة الإسلاميين على البرلمان».
لن نناقش «الموالاة» في أجندتها، ولن نردّ على المعاودة الذي حاول أن «يخبص» الأوراق بترويج واحدةٍ من أغرب الأفكار في عالم السياسة، حين قال ان «كل من يدخل البرلمان فهو معارضة»! فالمعارضة ليست عجينةً بيضاء، والموالاة ستبقى موالاة! لكن نقاشنا سيظل مع المعارضة، خصوصاً في هذا الفاصل الزمني الحاسم، فبعد أربعة أيامٍ سيتم حسم الثقل النهائي للمعارضة والموالاة، بما يعطي للمولود الجديد وجهه الحقيقي.
لا جدال إن انتصار «الوفاق» بهذه الصورة لم يكن مريحاً للحكم، فهو يتمنّى لو يتوزّع النفوذ على كتلٍ صغيرةٍ متفرقةٍ لا تكاد تتفق على رأي، حتى لو من باب المناكفة لكي لا يحسب أي إنجازٍ لصالح كتلةٍ بعينها كما حصل في البرلمان السابق، ولكن يبقى انتصار الوفاق بهذه الصورة أفضل للحكومة وأقل وطأةً عليها من دخول معارضةٍ ذات تشكيلةٍ وطنيةٍ متنوعة، خصوصاً انه سيتيح لها التفرّد بالوفاق. ومن المتوقّع أن تشهد الأيام الأربعة المقبلة شراسةً كبيرةً لتغليب مترشّحي الموالاة العالقين في الشبكة، على حساب مترشّحي «وعد»، وما جرى لمنيرة فخرو سيناريو قابل للتكرار.
المطلوب من الوفاق، من أجل الوفاق، ومن أجل القوى الشعبية التي تمثلها، وحفاظاً على الدرجة الدنيا من أهداف التحالف الوطني، أن تفكر بمسئوليتها التاريخية في وصول «الرفاق» إلى البرلمان. فستأتي أيامٌ على الوفاق ستجد نفسها في صحراء قاحلة، ليس فيها ظلٌ ولا ماء، ولن تجد أحداً من إخوانها «الإسلاميين» المتفاخرين بالموالاة، من هو مستعدٌ لإغاثتها بجرعةٍ من الماء، غير هؤلاء «الرفاق» الذين مازالوا يحملون الهمّ العام بصلابة و«إيمان».
قد يغفر التاريخ للوفاق عدم التضحية بمقعدين أو ثلاثةٍ لتكون مضمونة من نصيب النعيمي أو شريف أو أبل في دوائرها المغلقة، بحجةٍ حزبيةٍ «نصف مقبولة»... ولكنه لن يغفر لها بعد اليوم التخلّي عنهم أو التهاون والتقصير في «مناصرتهم» هذه الأيام?
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1544 - الإثنين 27 نوفمبر 2006م الموافق 06 ذي القعدة 1427هـ