وزير العدل محمد علي الستري اجتمع الأسبوع الماضي بالقوى السياسية بشأن إجراءات العملية الانتخابية، وقال بعد الاجتماع إن «الحكومة ليست منزعجة من مشاركة المعارضة في العملية الانتخابية»، وهذا التصريح عبّر عن سعة في الأفق؛ لأن الواثق من بنفسه لايخشى من المساءلة أو المشاركة في صنع القرار. وكرر وزير الأشغال والإسكان الأمر ذاته عندم صرح بأن الحكومة على استعداد للتعاون مع المعارضة من أجل خدمة المواطنين.
المعارضون الذين دخلوا البرلمان أمامهم فرصة ذهبية لاستحداث سياقات عمل تواصلية مع الجميع، من رموز الدولة، والفعاليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد، ومن خلال ذلك يمكنهم ان يغيروا الصورة النمطية المرسومة لدى جهات عدة.
فالمعارضون يمكنهم ان يثبتوا أنهم معنيون بأمن البلد، تماماً كما ان الدولة معنية بالأمن والاستقرار... ويمكن للمعارضة ان تثبت انها تفهم وتقدر التنمية الاقتصادية للبلد وتشارك فيها، بل وتسهم في جذب الاستثمارات التي تنشط الاقتصاد وتنمي ثروات الوطن، تماماً كما هي الدولة. وفي المقابل، فان المعارضين يمكنهم ان يوجهوا أنشطتهم للدفاع عن القضايا المبدئية المتعلقة بالحريات العامة والحقوق والدستور ومنع الممارسات الخاطئة من خلال المحاسبة الرصينة والشفافية.
المعارضون، ولكي ينجحوا في مثل هذه المهمة، فان عليهم ان يحددوا أجندتهم بوضوح، ويقاوموا الانسياق نحو التصعيد العاطفي والشعارات والتصريحات التي قد تؤدي الى اساءة الفهم وقد تخلط الاوراق وتعقد القضايا بدلاً من حلها.
«الحكومة ليست منزعجة» أمر حسن جداً، والمعارضة سيتوجب عليها ألا تمتهن الازعاج من اجل الازعاج، بل ان عليها ان تطمأن الآخرين إلى انها تعرف المدى الذي تعمل فيه، وتقيس بصورة عقلانية خطواته، وانها ان اضطرت لازعاج الحكومة فان ذلك سيكون ضمن اطار القوانين والاجراءات المسموح بها حتى لو كانت محل اعتراض لديها. فالقوانين والاجراءات يمكن ان تتغير، ولكن قبل ذلك ينبغي علينا ان نغير اساليبنا بحيث تكون أكثر تفاعلية مع الواقع، بهدف الاصلاح والانتقال الى واقع أفضل. وهذا الاصلاح يتطلب خلق أجواء من الثقة المتبادلة والتعاطي مع قضايا الوطن من باب الحرص على حماية حقوق الناس من جانب، ولكن من دون الاخلال بالأمن او الاضرار بالاقتصاد. فتحسين الاقتصاد انما ينعكس مباشرة على المواطنين، وكل مانحتاج إليه هو ضمان العدالة الاجتماعية التي بدورها تعزز أمن المجتمع من العوز والحاجة وتحفظ كرامة المواطن، وهذا بدوره يمثل الطريق الأمثل لتعزيز أمن واستقرار الدولة.
المعارضة ربما تجد نفسها محتاجة إلى أساليب ووسائل لم تعتد عليها، وذلك لغيابها (أو تغييبها) عن العملية السياسية خلق بيئة معقدة وستحتاج الى صبر وارادة مستمرين في الطريق الى تحسين الأوضاع بما يخدم الهدف الاستراتيجي للمعارضة، ألا وهو الدفاع عن حقوق المواطنين ومساواتهم أمام القانون، والحفاظ على ثروات الوطن، وتحسين موقع البحرين إقليمياً وعالمياً?
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1544 - الإثنين 27 نوفمبر 2006م الموافق 06 ذي القعدة 1427هـ