بالأمس عاشت الديمقراطية البحرينية محكها الحقيقي... يوم السبت انقشع وخلف معه عاصفتين بارزتين/ عاصفة جوية لم تشهدها البحرين منذ فترة ليست بالقصيرة وأخرى سياسية. والعاصفة الثانية - أو الزلزال الثاني إن شئتم - هي الأهم، لأن الكتل البشرية الهائلة التي زحفت إلى صناديق الاقتراع على وقع زخات المطر، أعادت رسم ليس الخارطة السياسية فحسب وإنما الخارطة الاجتماعية البحرينية بتكويناتها المتنوعة وتمايزاتها المتقاطعة. إن دوي الانتصار الذي حققته المعارضة وعلى رأسها «الوفاق» قوي جداً ومؤثر إلى درجة إن من شأنه إعادة هيكلة الواقع السياسي في البحرين بعد حالة شاذة هي السنوات الأربع التي غاب عنها فصيل رئيسي عن الحياة السياسية من داخل المؤسسات الدستورية، بحيث أدت إلى تواضع نتاج التجربة البرلمانية الأولى بعد عهد الإصلاح. من حق «الوفاقيين» أن يفرحوا، لأن انتصارهم هو انتصار على رغم الجراحات الكبيرة التي مني بها أبناء هذا التيار الذي ناضل طويلاً مع شركائه في الوصول إلى هذا اليوم التاريخي. وانتصار الوفاق هو انتصار للوطن في الأساس، اأستكمل عقد القوى السياسية المتجهة نحو المشاركة في بناء عملية التحول الديمقراطي، وهي عملية صعبة ومعقدة وتحتاج إلى حنكة عالية وصدر رحب ونفس طويل وتأن في تحقيق النتائج، لأن الشارع الوفاقي وهو يشعر بلذة النصر تنتظره في المستقبل القريب أسئلة وتحديات يجب على ممثليه الـ 16 في المجلس أن يواجهوه بحقيقة مهمة، وهي أن النواب الجدد- وكما القدامى- سيصطدمون بواقع برلماني شائك يحد - بسبب ضعف آلياته - من قدرة التحرك بالوتيرة التي ينتظرها الناس.
في المقابل، يجب اللحاظ إلى مسألة مهمة جداً، وهي «فيد باك» السبت، إذ إن الوفاق وهي تعيش جو الانتصار مطلوب منها اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن تمارس قدراً ممكناً من ضبط النفس، ولتشعر الآخرين الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز أن النجاح وعملية البناء تتطلب مشاركة واسعة من الجميع، حتى الذين لم يوفقوا لدخولها بسبب حجمهم العددي أو قلة تأثيرهم في اتجاهات الشارع، وبالدرجة الأولى تنوعات البيت الشيعي المختلفة.
قائمة الوفاق وصلت ورافق عملية وصولها أخطاء يجب الاعتراف بها، ومن بينها الحماس المبالغ في التحشيد للقائمة، ويجب ألا نخجل من عملية النقد ونقاشات متعددة في هذا الشأن قد فتحت ولو على نطاق ضيق، وفي الجانب الآخر من الصورة فان نتيجة السبت برهنت على أن الأطراف الأخرى يجب أن تستوعب الصدمة، وتأخذها من الزاوية الايجابية، لتكون ردة الفعل من «التيار الرسالي (الشيرازي)، ممثلاً في أعضاء جمعية «أمل»، أو تيار المرحوم الشيخ سليمان المدني (وريث الواقع السياسي الخاص في التسعينات)، إعادة تسويق الذات بصورة جديدة وأداء مختلف، ويجب أن يتجاوز التياران عقدة الانزواء عن المحيط الاجتماعي، ويجب عليهما أن يفكرا أن هذه النتيجة يجب أن تفرز شكلاً جديداً للتيارين... هذا التغيير يجب أن يطال نمطية التفكير وتصحيح جملة من الاعتقادات والقراءات الخاطئة للواقع وعدم الركون إلى حقب تاريخية قد لا تعني ابن اليوم الشيء الكثير، وهذا الصوت التجديدي الصادق انطلق من داخل جسم التيارين منذ فترة، ولكن هذه الأصوات جوبهت بقوة وتعرضت للرفض الداخلي أحياناً، قبل أن تظهر للعيان وللرأي العام، ولكن ليكن اليوم محطة التصحيح الشاملة، وليس عيباً أن يقدم التياران رؤية مغايرة، ويتناغما مع الواقع المختلف والمتحرك على الأرض الآن، وحينها سيكون أتباع التيارين أكثر قدرة على التأثير من ذي قبل?
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1543 - الأحد 26 نوفمبر 2006م الموافق 05 ذي القعدة 1427هـ