منذ عام، صُعقَ الكثير من الناس حول العالم بأنباء التفجيرات التي حصلت في الأردن والتي تُعتَبر واحة الهدوء والاستقرار في جزءٍ متقلّب من العالم. ولقد تأذّينا نحن الأردنيين خصوصا وغضبنا جرّاء تلك التفجيرات التي قتلت أفراد العائلات والأصدقاء والمعارف. وعلى رغم أنَّنا شاهدنا بقية أنحاء المنطقة والعالم يتعرّض لأعمال إرهابية كثيرة، فإنّنا لم نتصوَّر أنها ستستهدفنا يومًا ما أو على الأقل أمِلنا بعدم حصول ذلك.
ولكنَّ ردّ الفعل الضعيف الذي أظهرناه نحن العرب والمسلمين فيما يتعلَّق بالمنطقة والعالم يمكن أن يكون قد ساعد في خلق بيئة تحتمل الإرهاب.
وإذا سلّمنا بأنّ الإرهابيين يثيرون الذعر والإرهاب إيمانًا بأنَّ في ذلك دعمًا لأعمالهم (على الأقل من بعض الأشخاص وعلى مستوى ما)، فهذا يعني أنَّ كلّ لحظة صمتٍ صدرت عنّا كانت في الواقع بمثابة تشجيع للإرهابيين. فكلّ مرة قتلوا فيها باسم الإسلام وتكلّموا نيابةً عن المسلمين وبقينا نحن صامتين نتفرَّج على أعمال القتل الوحشية، كنّا بمثابة مؤيّدين غير مباشرين لأعمالهم الإرهابية (وسمحنا لهم باستغلال نضالات المقاومة الشرعية في العراق وفلسطين والشيشان بما يخدم غاياتهم الخاصّة).
وكلّ مرّة وقفنا صامتين في وجه قتلهم للأبرياء وتفجيرهم للمواقع المدنيّة كنّا نعزّز قوّتهم ونزوّدهم برصاصات عدوانهم اللاحق. إنَّ صمتنا هو ذخيرتهم الحربية!
عندما قام مقاتلون شيشانيون باقتحام مدرسة منذ ما يزيد على عاميْن واحتجزوا المئات من الأولاد الروسيين رهائن، بقي كثيرٌ من الناس في العالَم العربي والمسلم صامتين بشكلٍ مزعج. فللشيشانيين تظلمات سياسية مشروعة ضدَّ روسيا، ولكن هل يجعل ذلك مجزرة بيسلان قابلة للاغتفار؟
وكمثلٍ آخر، قامت القوّات المُعادية للاحتلال في بغداد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول العام 2004 بقتل أطفال عراقيين عندما كانوا يأخذون الحلوى من جنودٍ أميركيين. لقد قُتِلَ خمسة وثلاثون شخصًا في ذلك اليوم وعلِمَ القليل منّا بذلك الحادث، إذ إنّ البعض لم يلحظ حدوثه نظرًا إلى الفوضى التي أصبحت تعمّ العراق. وبعد مرور عامٍ وفي ظلّ ظروف مطابقة، قُتِل سبعة وعشرون شخصًا كانت غالبيتهم من الأطفال أيضًا. ولم يتمّ التعبير عن أيّ نوعٍ من الغضب!
هذه ليست سوى أمثلة قليلة على درجة اللاّمبالاة التي وصلنا إليها نحن العرب والمسلمين. إنّها اللاّمبالاة وليس الضعف الديني أو الحضاري والوحشية كما يدَّعي البعض في الولايات المتحدة وأوروبا. فقد أدّت عشرات الأعوام من الخضوع المؤسساتي السياسي والاجتماعي وعلاقتنا مع الغرب إلى لامبالاة حقيقية ناتجة عن الاعتقاد بأنَّ أصواتنا بكل بساطة لا تُسمَع ولا تُقدَّر.
وما زاد من درجة اللاّمبالاة هو الأنباء اليومية عن مقتل الفلسطينيين والعراقيين بالإضافة إلى القصف الذي تعرَّض له اللبنانيون في الصيف. وكما يُقال، هناك آلية للتكيُّف بحيث يصبح الجسم مخدَّرًا عندما يعاني من ألمٍ شديد؛ وما نمرّ به اليوم عقليًّا وجسديًّا هو بمثابة هذا التخدير الجسدي. فمَن بإمكانه أن يتحمَّل ويطيق مشاهدة عمليات القتل اليومية التي يتعرَّض لها العرب المسلمون والمسيحيون من قِبَل الإسرائيليين والأميركيين وحتّى من قِبَل بعضهم بعضاً كما هي الحال في العراق؟
وكلّ يوم، تعرض محطّات التلفزة ووسائل الإعلام المطبوعة صورًا وأنباءً عن الموت والدَّمار المحيطين بنا. ففيما يتعلَّق بفلسطين، نحن نشهد أعمال القتل والظلم والاضطهاد والسَّلب منذ عقودٍ؛ أمَّا من الحدود الشرقية فيقع مئات الضحايا العراقيين كلّ يوم.
غير أنَّ شعور الفرد بأنَّه ضحيّة يضاعف درجة عدم الاكتراث واللاّمبالاة. ونحن، كما الأفراد المضطهدون في كل مكان، أصبحنا نقيِّم أنفسنا وفقًا للوقائع السياسية وضمن سياقها ووفقًا لمعاملة الغرب لنا وأفعالهم الموجَّهة إلينا. ولكنَّ القِيَم مقدَّسة ويجب أن تبقى ثابتة بغضّ النظر عن الحالة. إنَّ قتل الأبرياء عملٌ خاطئٌ وغير مقبول، نقطة على السطر. وبصرف النظر عن الظلم الذي نتعرَّض له، يجب أن أن نتمسَّك بقيَمنا وتعاليمنا الإسلامية التي تدعو إلى الصبر وإلى عدم ممارسة العنف ضدَّ المدنيين. والأهم من كلّ ذلك، يجب ألا نسمح لأنفسنا بأن نكون غير مبالين بخرقٍ لقِيَمنا.
وبشكلٍ أو بآخر، قد تكون التفجيرات التي حصلت في عمّان أدَّت إلى تغيير بسيط في الدَّعم غير المقصود لعدم الاكتراث بالإرهاب. وهذه هي بداية نهاية الافتقار إلى هذا الوعي، على الأقلّ في الأردن.
ويتمثَّل الواقع المأسوي بأنَّ البشر بطبيعتهم لا يحرّكون ساكنًا إلاّ عندما يصبحون هم أو مَن يخصُّهم هدفًاً. ولكن يجب أن ندرك أنَّ سكوتنا في وجه الإثم والاعتداء يجعل الهدف أسهل في كلّ مرّة إلى أن ينال منه، وإلى أن ينال منّا أيضًا في النهاية.
علياء طوقان
مستشارة إعلامية وصحافية?
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1543 - الأحد 26 نوفمبر 2006م الموافق 05 ذي القعدة 1427هـ