العدد 1542 - السبت 25 نوفمبر 2006م الموافق 04 ذي القعدة 1427هـ

دعُوهُ ينتخب... دعُوهُ يعيش!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مساء الخميس، كنت في جولةٍ في مدينة حمد، لأكثر من أربعين دقيقة قطعتها ذهاباً وإياباً بين الدوّار الأول والثاني والعشرين، شاهدت توزيع المترشحين على الطبيعة، من خلال الصور والإعلانات والخيام.

في عصر الجمعة، زرت جزيرة المحرق، مبتدئاً بسوق القيصرية الشعبي الجميل، إلى الحالة وعراد والحد، ثم على الطرف الآخر من الجزيرة: قلالي وسماهيج والدير والبسيتين. جولةٌ سريعةٌ تكشف لك توزيع خريطة المترشحين والأطياف السياسية الموجودة في البلاد.

أما عصر أمس (السبت)، فقد زرت مركزاً انتخابياً بالعاصمة في جزيرة البحرين، ثم تحولت إلى جزيرة سترة، ثم عدت إلى مدينة عيسى. وأنا أتطلّع في وجوه الناس وصفوفهم الممتدة هنا وهناك، شعرت بحبٍ جارفٍ لهذا الشعب الطيب الكريم. فعلى رغم كل المعاناة والآلام، وكل الإحباطات والأداء القاصر للبرلمان السابق، ذهب بأعدادٍ كبيرةٍ إلى صناديق الاقتراع ليختار من يمثّلونه ويعبّرون عن همومه ويعِدُونه بحل مشكلاته.

من المشاهد المؤثرة أمس، صور كبار السن، وهم يصرّون على ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم النيابيين والبلديين. بعضهم كان يتوكأ على عكازه أو على يد مرافقه، وبعضهم جاء على كرسي متنقل.

صورةٌ أخرى هزّتني كثيراً، وهي تلك الأعداد الكبيرة من النساء، اللائي جئن للإدلاء بأصواتهن، شاباتٌ في مقتبل العمر، وأمهاتٌ يحملن أطفالهن على صدورهن، وعجائزُ جئن بصحبة بناتهن أو حفيداتهن. هؤلاء يستحققن من يمثّلهن بطريقةٍ أكثر عدلاً وصدقاً واحتراماً للمرأة البحرينية وتاريخها وقدراتها وكفاءتها التي نشك فيها، لا عن طريق المحاضرات المعلّبة أو «كورسات» التدريب السريعة لمترشحاتٍ طارئاتٍ على العمل العام -مع احترامنا لجميع المترشحات الفاضلات- ودفعهن للساحة يتخبّطن في الخيام والصالونات باسم «تمكين المرأة».

لم يكن الوقت يتسع لزيارة كل المناطق، ولكن هذه الجولات السريعة تضعك في الأجواء، لتزداد حباً وتقديراً لهذا الشعب الكريم. فأينما ذهبت تلقى الوجوه السمحة نفسها، الملامح الطيبة نفسها، السحنة السمراء الحبيبة نفسها، في سوق القيصرية أو سوق جدحفص. ترى في كل مكانٍ شعباً يريد أن ينهض من الكبوات ويتجاوز حواجز التفرقة بين أبنائه.

شعبٌ يريد أن ينسى مرحلة «أمن الدولة»، بأغلالها ومظالمها ومعاناتها التي أصابت الآلاف من أبنائه، حين كان «الأمن» غولاً ينقضّ على كل صوتٍ أو رأي «آخر»، يخالف الرأي الرسمي، أو يستشكل على جزئيةٍ من السياسة التي تُدار بها البلاد.

شعبٌ يريد أن يتخفّف من أثقال الماضي، فساعدوه على النسيان، وأعطوه الفرصة للوقوف على رجليه والنهوض، وأمسكوا عنه الأصوات الناشزة الخارجة عن الإجماع الوطني، والتي لا تجيد غير لغة التحريض وتوزيع الشتائم والاتهامات. أصواتٌ لا ترى في الوطن إلاّ مزرعةً خاصةً للجماعة أو «الجمعية»، ولا ترى في المواطن الآخر إلاّ «مشركاً» يجب وضع الخطط السرية لإقصائه وتهميشه ومحاربته في رزقه والقضاء عليه.

شعبٌ يريد أن يصلح ما أفسده الدهر والسياسة طوال عقود، ويتدارك ما يمكن تداركه، فلعله يتدارك ما بقي من ثروته العامة التي استباحتها الحيتان، أو يحفظ ما بقي من الأراضي والسواحل والخلجان.

شعبٌ عاشقٌ لوطنه حتى درجة الجنون، ومع ذلك مازال بعض المنافقين من مصّاصي الدماء، المعتاشين على السحت والرشا و«الكوبونات»، يتهمونه في ولائه لأرضه، ويشككون في حبّه لوطنه!

شعبٌ يستحق أن يحصل على حقوقه السياسية الكاملة، كما تعيش بقية شعوب الأرض، بعيداً عن نظرية «التوازن» التي تؤسّس لمظالم واختلالات سياسية جديدة في حقبة الإصلاح، حين تختلف قيمة صوت المواطن تبعاً لمنطقته أو طائفته أو قبيلته، وهو توازنٌ كان قائماً فعلاً منذ قرون.

شعبٌ كريم، يتحمّل معاناة الحياة وصعوبات المعيشة في صمت القدّيسين، يجب ألاّ يعاقب بإحلال أعراقٍ أخرى مكانه، وتركه نهباً للفاقة الطاحنة والبطالة والضياع. دعوه ينتخب، دعوه يختار، ليسهم في صنع قراره وحياته... ليعيش مثل بقية الشعوب. هل هذا كثير؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1542 - السبت 25 نوفمبر 2006م الموافق 04 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً