اتجاهات الريح تتحول ببطء فيما بات يعرف بـ «الشرق الأوسط الجديد» من جديد ولكن هذه المرة لغير صالح واشنطن!
والتغير قد يتحول إلى ما يشبه الانتفاضة أو الثورة بحسب بعض التقديرات!
فالملف النووي الإيراني الذي أثير وضخم على مدى السنوات الثلاث الماضية ليصبح هو الخبر وهو المشكلة وهو الصاعق الذي قد يفجر المنطقة كلها وهو «الخطر» الذي ينبغي استئصاله ليبدأ عهد «شرق أوسطي جديد»! آخذا بالتراجع شيئاً فشيئاً لصالح ما يشاع عن «تسوية ما» أو حتى «صفقة» أو بالحد الأدنى «تعايش « مع القدرة النووية الإيرانية الصاعدة!
والقضية الفلسطينية التي كان تروج في الإعلام الدولي بان كل الجهود كانت منصبة كلها بما يخدم أمن «إسرائيل» وصناعة «دويلة» فلسطينية تسبح في فلكها خالية من المتطرفين والإرهابيين وبتعبير آخر من أية مقاومة! تراجعت هي الأخرى كل الآمال حولها وتركت لرياح التغيير الذاتية تتخبط فيها كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية سعياً عن «تعايش» بين الجميع إلى حين استقرار معادلة جديدة لا يبدو أن واشنطن سيكون لها حظ كثير فيها!
والقضية العراقية التي كان يروج بان العام 2006م سيكون العام النموذجي لدولة عراق المستقبل النموذجية والمثال لدول المنطقة من فلسطين إلى لبنان إلى سورية إلى إيران والى كل انحاء «الشرق الأوسط الكبير» تتراجع هي الأخرى لتجعل من بغداد والعراق عموماً «نموذجاً» للتخبط الأميركي والغربي والدولي في دماء العراقيين الأبرياء وانعدام الآفاق بشأن المصالحة الوطنية المنشودة وتلبد الغيوم في سماء العراق وترك مستقبله في مهب
رياح حرب أهلية ملعونة سواء قرر رئيس الولايات المتحدة الأميركية المنهزم حزبه زيادة عدد القوات أو تقليلها وفي الحالين مقدمة للانسحاب الكبير من بلد بات «نموذجه تهديداً طائفياً وعرقياً ودينياً وديمقراطياً» يقلق منه كل دول الجوار من دون استثناء! ويتوسل إليهم صاحب «النموذج» المصدر من وراء البحار لتقديم المساعدات اللازمة للخروج من المستنقع أو «الورطة» التي بدا انه غرق فيه أو فيها حتى قمة رأسه!
ولبنان الذي بشر بثورة ارز تبدأ في تحقيق السيادة والاستقلال والحرية! للبنانيين أولاً في إطار «مقدمة» قال عنها الرئيس بوش تبدأ من بيروت ليصل صداها وفعلها وتأثيرها إلى دمشق وطهران من أجل صناعة «شرق أوسط جديد» بات هو الآخر اليوم يتخبط في مواجهات سياسية بدأت تتجه شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه أجواء انتفاضة جديدة على «انتفاضة الارز» واقرب ما يكون إلى أجواء ثورة الشعبية التي حصلت في العام 1958م ضد ما عرف وقتها «بحلف بغداد» الثورة التي أخرجت في حينها الأسطول السادس الأميركي وهو ما يبشر به اللبنانيون اليوم بانهم سيسقطون ما يسمونه بحكم القناصل والسفارات أو «حكم فيلتمان» أي حكم السفير الأميركي لدى لبنان!
لاشيء في المنطقة يشبه ما كان يعد به الأميركيون قبل نحو ثلاث سنوات، ورياح التغيير تتجه لغير صالح اتجاه بوصلتهم، والانباء التي ترد من واشنطن تفيد بان الإدارة الأميركية مقبلة على «قبول» هذه التغييرات وان على مضض وعلى مراحل لان ميزان القوى الداخلي والخارجي لم يعد يسمح بغير «الإذعان» للحقيقة المرة التي بدأت تطفو على السطح الا وهي فشل مشروع تصدير الحريات والديمقراطيات بوسائل حربية استباقية تقوم في أساسها على الخداع والتضليل والمعلومات المضللة والخاطئة على اقل تقدير!
لقد ثبت خلال السنوات الثلاث الماضية بان القادم من وراء البحار بعيد لا يعرف نسيج المنطقة ويجهل آليات التغيير فيها فضلاً عن انه لا يفقه لا في تشخيص الداء ولا في تدوين «نسخة» العلاج!
واما المنبهرون به من أهل بلدتنا فانه آن الاوان ليخلصوا إلى النتائج المرجوة قبل فوات الاوان وهي في حدها الأدنى بان التغيير والإصلاح غير ميسر ان لم يكن شبه مستحيل من خلال الاستقواء بالخارج أياً تكن النوايا صالحة أو مصلحة أو نبيلة!
وكما قال المصلح الكبير المهاتما غاندي يوماً فانك عندما تقابل رياح التغيير فان عليك أن تفتح شبابيك دارك لها «بقدر» حتى تتمكن من السيطرة عليها بالقدر المطلوب والمناسب، فلا تفلقها لتختنق ولا تفتحها كلياً لتطيح بكل ما تملك من مقومات فتقعد ملوماً مهزوما!
ان الانباء المتواترة التي تتحدث عن اجتماعات تفصيلية مطولة قام بها أعضاء لجنة بيكر - هاملتون الأميركية مع إطراف عدة من بينها رسميون إيرانيون وسوريون كبار من أجل تسهيل الخروج «المشرف» لأميركا ما بات يسميه كوفي انان بـ «فتح» العراق والتحركات الإقليمية المكثفة هذه الأيام لإنقاذ العراق من احتمالات «حرب اهلية» أكثر اشتعالاً مما عليه الآن، وكذلك التحولات الكبرى التي تنتظر لبنان على حساب نفوذ واشنطن وحليفاتها من العواصم الغربية تؤكد جميعاً أن الرياح بدأت تجري في بلادنا على غير ما تشتهي سفن اميركا!
طال الوقت ام قصر في عملية التغيير هذه فان القدر المتيقن منه هو انه واقع لا محالة وان المنطقة امام اصطفافات جديدة تكون فيها طهران لاعبا أساسيا ويكون لدمشق حظ وإفريقيا وهو ما لم تكن تتمناه واشنطن لهما بل كانت تخطط لإخراجهما تماماً من اللعبة
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ