تحدثنا أمس عن ازدهار تجارة الرقيق الأبيض في العراق، وأشرنا إلى أن السبب الرئيسي وراء انتعاشها هو انعدام الأمن الذي ساد العراق منذ الإطاحة بنظام صدام. لكن يبدو أن هذه السوق تشهد نمواً عالمياً.
أوروبا
ففي أوروبا كلفت المفوضية الأوروبية لجنة أمنية خاصة لبحث وسائل مكافحة تجارة الرقيق الأبيض وسد المنافذ التي تستخدمها عصابات التهريب المنظمة لنقل النساء من دول أوروبا الشرقية إلى دول أوروبا الغربية.
وجاء في تقرير مشترك صادر عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وعن المنظمة الدولية لمساعدة الطفولة (اليونيسف) وعن المفوضية الدولية لحقوق الإنسان، أن تجارة الرقيق الأبيض ازدهرت في الآونة الأخيرة عبر نشاط المافيا لنقل النساء والفتيات من دول أوروبا الشرقية إلى غربها، وان معظم الضحايا من النساء والفتيات يتحدرن من روسيا وأوكرانيا ومولدوفيا ورومانيا وبلغاريا. وتضمن التقرير المشترك معلومات حول بعض الطرق السرية التي تسلكها عصابات المافيا، كما تضمن معلومات حول أسعار بيع النساء بقيم مختلفة يصعب تقديرها لكن الحد الأدنى هو خمسة آلاف يورو للمرأة الواحدة وثمانية آلاف يورو للفتاة الصغيرة العذراء. واعتبر تقرير «اليونيسف» أن تجارة الرقيق الأبيض أصبحت في أوروبا «الدجاجة السحرية» التي تبيض ذهباً، مما يتهدد مصير العائلات ووحدة الأبناء ويؤثر بطريقة سلبية على الطفولة في العالم.
وتعتبر العاصمة اليوغوسلافية (بلغراد) ومنطقة زاندزاك المتاخمة لحدود كوسوفو والجبل الأسود هي الأماكن المركزية التي تستخدمها المافيا الدولية لتجميع النساء تمهيداً «لشحنهن» إلى أوروبا الغربية، أما الطريق الرئيسية المعتمدة من قبل مافيا التهريب فتبدأ من البوسنة عبر مقدونيا وكوسوفو باتجاه أوروبا الغربية، حيث يجري إخفاء النساء والفتيات في المرابع الليلية وبيوت الدعارة السرية، أو في منازل خاصة تديرها المافيا ذاتها.
وأشار التقرير إلى أن عدد النساء والفتيات اللواتي تنقلهن العصابات من شرقي أوروبا إلى غربها يقدر بين النصف مليون والسبعمئة ألف امرأة سنوياً ويرجح بأن يكون هذا هو الرقم الأدنى نظراً إلى سلوك عصابات التهريب طرقاً لاتزال خفية حتى الآن. وبحسب التقرير فإن 35 في المئة فقط من عمليات التهريب يتم إفشالها بينما تنجح العصابات حتى الآن بتمرير صفقاتها وهذا ما يستدعي التدخل السريع من دول الاتحاد الأوروبي.
ويفيد مدير مكتب الأمن والتعاون الأوروبي ستيفانو زانينو، أن عدد النساء موضوع التجارة هو أكثر بكثير من الرقم الذي يعتمده التقرير ويشير إلى أن الرقم الحقيقي هو أعلى بكثير.
وتحمل رئيسة منظمة «يونيسف» ماري بلاك مسئولية ازدهار تجارة الرقيق إلى حكومة بلغراد وتطالبها بتشديد العقوبات المتعلقة بهذا النوع من الجرائم، بينما أعلن مدير مكتب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن استعداد المنظمة لفتح وتمويل دورات تدريب لفريق من رجال الشرطة والمدعين العامين في أوروبا بهدف دراسة الوسائل الكفيلة بضرب هذا النوع من التجارة الخطيرة.
الرقيق «الأصفر والأسود»...
وليس الرقيق الأوروبي الأبيض وحده الذي يجتاح أوروبا الغربية، فقد كشفت السنوات الخمس الماضية حضوراً نسائياً آسيوياً وإفريقياً، حضر لممارسة الدعارة السرية في أوروبا الغربية بطرق ملتوية وغير شرعية. ويشير تقرير دائرة مكافحة الجريمة في ألمانيا إلى ازدهار تجارة الرقيق «الأصفر والأسود»، أي النساء الوافدات من دول شرق آسيا وإفريقيا إلى أوروبا، ويتم هذا النوع من التجارة عبر استغلال الشباب الأوروبي العاطل عن العمل عبر عقود زواج وهمية لقاء مبالغ مالية، غالباً ما تكون ضئيلة، تسمح بانتقال النساء إلى أوروبا للإقامة والعمل في مجال الدعارة السرية. وتغص المرابع الليلية الأوروبية والملاهي وحتى أماكن ألعاب الميسر بالنساء الآسيويات اللواتي يعرضن أجسادهن للبيع من أجل إعالة العائلة الكبيرة في بلدانهم.
أما النساء الإفريقيات فيقصدن أوروبا عن طريق مافيات التهريب التي تعتمد وسائل النقل بواسطة حشر الناس في المستوعبات التي تحملها سفن الشحن، وغالباً ما يؤدي هذا النوع من التهريب إلى موت الناس اختناقاً داخل المستوعب.
وفي هذا السياق يعتبر المغرب محطة رئيسية للمهربين الذين يستفيدون من مضيق جبل طارق لنقل الناس بالقوارب إلى الشواطئ الإسبانية ومنها إلى الداخل الأوروبي، كما باتت مطارات روسيا وأوكرانيا وتشيكيا، معبراً مهماً للنساء الإفريقيات اللواتي تنقلهن عصابات التهريب عبر الحدود البرية إلى الداخل الأوروبي.
وتقدر دائرة مكافحة الجريمة في ألمانيا عدد النساء اللواتي يدخلن أوروبا الغربية بثلاثمئة ألف امرأة سنوياً، ما يعني بأن أوروبا الغربية تستقبل سنوياً - في حال إضافة عدد النساء من أوروبا الشرقية - نحو مليون امرأة يفدن من أقطار العالم للعمل في مجالات الدعارة السرية.
ويشار هنا إلى مخاطر استقدام فتيات صغيرات العمر، لا يتجاوزن العاشرة من عمرهن لبيع أجسادهن إلى بعض المهووسين من الرجال الأثرياء في أوروبا، وهذا النوع من التجارة هو الأخطر نظراً إلى استغلال براءة الطفولة.
وليست الانعكاسات الاجتماعية السلبية هي وحدها التي تدعو إلى مكافحة هذا النوع الرخيص من التجارة بل الانعكاسات الاقتصادية أيضاً، فهذا العدد الكبير من النسوة يقيم معظمه بطريقة غير شرعية ولا وجود له في مصلحة الضرائب، وعليه، فان الترخيص الرسمي الذي منحته ألمانيا في مطلع العام الماضي لممارسة الدعارة أدى إلى نشوء نقابة للمومسات الشرعيات اللواتي يتضررن من المضاربة غير الشرعية التي تفد إليهن من أقطار العالم وتنافسهن على أسعار السوق. وفي هذا المجال تسعى نقابة المومسات الألمانيات إلى مكافحة المضاربة غير الشرعية، وذلك عبر تقديم أخبار للشرطة حول وجود أي مومس غير شرعية في الملاهي أو الطرقات العامة، إلا أن مكافحة هذا النوع من «الدعارة السوداء» صعب جداً كونها تتم في المنازل الخاصة وعبر الهاتف والدعاية السرية.
وفي اليونان يذكر أن ستين في المئة تقريباً من بائعات الهوى وفتيات الليل في اليونان من الأجنبيات. وغالبية هؤلاء السيدات والفتيات اللاتي يبلغ عددهن 20،000 سيدة من المهاجرات غير الشرعيات بما في ذلك نحو ألف طفلة تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عاماً. كما أن الدعارة قانونية في البلاد.
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع والجريمة بجامعة بانتيون بأثينا، جريجوريس لازوس أن غالبية السيدات والفتيات الأجنبيات واللواتي يتحولن إلى «عبيد جنس» يتم إرغامهن، عن طريق العنف في أحيان كثيرة، على امتهان البغاء.
ويواصل لازوس قائلاً «إن السيدات اللاتي يسقطن في شراك عصابات الاتجار في أعراض البشر يكن في غالبية الأحيان من الأجنبيات العاطلات عن العمل وتتراوح أعمارهن بين 20 إلى 25 عاماً».
ويضيف «أن هؤلاء النسوة يتم تجنيدهن خارج بلادهن عادة عن طريق الخداع والاحتيال، على رغم شيوع حالات الاختطاف بل والبيع بواسطة الأصدقاء والأقارب. وتعتبر الوظيفة الشريفة التي تدر ربحاً جيداً أو الزواج المفضل هي أكثر الشراك شيوعاً».
ويقول أيضا «إن هؤلاء النسوة يتمكن من دخول اليونان بعد تزويدهن بوثائق مسروقة أو مزورة. ويتسللن إلى البلاد خلسة إما سيراً على الأقدام عبر نقاط تفتيش من دون حراسة على امتداد الحدود الشمالية أو يتم حشرهن بعيداً عن الأنظار في مخابئ أعدت خصيصاً لهذا الغرض على متن شاحنات أو حافلات ركاب».
وتكافح السلطات اليونانية الموجة تلو الأخرى من فتيات الهوى المهاجرات منذ بداية التسعينات من القرن الماضي وتعرضت لانتقادات لعدم قيامها ببذل ما فيه الكفاية لمكافحة تهريب «عبيد الجنس».
وتعتبر اليونان واحدة من بين 19 دولة، من بينها أفغانستان وتركيا، ورد ذكرها في تقرير وزارة الخارجية الأميركية للعام 2001 لعدم قيامها بجهود كافية لوقف عمليات تهريب البشر.
وتؤكد دينا فارداراماتور التي تعمل منسقة برامج مساعدة في منظمة «توقف الآن» غير الحكومية المعنية بالبحث في مجال تهريب البشر، هذه الحقيقة قائلة، إنه «لا يوجد في اليونان حالياً قانون يمنع تهريب البشر. ولا تقدم الحكومة ملاجئ أو خدمات لضحايا عمليات التهريب».
ويفيد تقرير لليونيسيف أن تجارة الرقيق العالمية تحقق 9 مليارات دولار سنوياً وأن دول العالم الغنية تشهد موجة متصاعدة من الاتجار بالبشر معظمهم من النساء والفتيات اللاتي يجبرن على ممارسة الدعارة. وبقدر ما يبدو أن الدول الغنية مسئولة عن ترك الأمور تجري كما تشاء عصابات الاتجار بالبشر فإن المأساة الإنسانية عند أولئك الضحايا تكبر أكثر ويكفي الذكر أن ازدهار تجارة الرق في أوروبا أن بلدانها تستقبل سنوياً ما لا يقل عن مليون أنثى يقدمن من أقطار العالم للعمل في مجالات الدعارة السرية ومن ضمن ما يتم الإيقاع بهن وهن في عمر لا يتجاوز بعد الـ (10) سنوات.
الولايات المتحدة
أما في الولايات المتحدة، فقد أعلنت وزيرة العمل الأميركية ايلين تشاو، واشنطن، 8 ديسمبر/ كانون الأول، 2004 أن المتاجرة بالبشر عبر الحدود الدولية ربما تطال 800 ألف إنسان سنوياً.
وقالت في مؤتمر عقد حينها في واشنطن عن تجارة الرقيق الأبيض في أميركا الشمالية: «إنه إذا احتسبت أرقام النخاسة ضمن حدود البلدان فان المجموع قد يصل إلى ما بين مليونين و4 ملايين إنسان». وقالت الوزيرة: إن الولايات المتحدة أنفقت ما يربو على 125 مليون دولار على الجهود الدولية لمكافحة هذه التجارة.
وكان المؤتمر جزءاً من نشاطات مشتركة لمكافحة هذه التجارة تضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والأطراف الموقعة على اتفاق أميركا الشمالية للتعاون العمّالي.
ووصف كولين باول وزير الخارجية الأميركي السابق «أن قضية الاتجار في البشر بأنها هجوم مروع على كرامة الرجال والنساء والأطفال في مختلف أنحاء العالم» ولاحظ أن 50 ألف شخص يدخلون الولايات المتحدة سنوياً عن عمليات الاتجار هذه».
وتقول مصادر وزارة الخارجية الأميركية بهذا الصدد: «ربما يصل عدد الرجال والنساء والأطفال من جرى بيعهم وشراؤهم ونقلهم على الضد من إرادتهم في مختلف أنحاء العالم خلال سنة 2001م لوحدها زهاء 4 ملايين فتى وفتاة، إن أفغانستان والسودان يتصدران قائمة أسوأ الدول التي تعتبر مصدراً للأشخاص الذين يسعون إلى حياة أفضل في دول أخرى والذين ينتهي بهم المطاف إلى العمل كعبيد في تجارة الجنس أو البغاء أو التسول أو عمال بأجور متدنية.
«إسرائيل»
أشار تقرير نشر أخيراً أن حجم ظاهرة المتاجرة بالنساء في الكيان الصهيوني، والمسماة «الرق الحديث»، أدت إلى احتلال هذا الكيان مكانًا متقدماً جداً في القائمة السوداء للدول التي تتعاطى تجارة النساء فقد اعترف وزير القضاء الصهيوني المقال، يوسف لبيد، أن لدى الوزارة معلومات تؤكد أن تجّار النساء في الكيان الصهيوني يعملون على تصدير فتيات إلى الخارج لتشغيلهن عاهرات.
وقال لبيد في بيان أصدره بمناسبة اليوم السنوي لمكافحة الاتجار بالبشر: إن المعطيات المتوافرة لدى الوزارة تشير إلى وجود 2000 إلى 3000 امرأة، يعملن في البغاء في الكيان الصهيوني، تم تهريب غالبيتهن من دول رابطة الشعوب (الاتحاد السوفياتي سابقًا).
وحسب المعطيات المتوافرة لدى الوزارة الصهيونية، يسعى تجار النساء إلى تصدير العاهرات إلى الخارج، مستخدمين الحيَّل والخدع على أشكالها لإقناع الفتيات بالسفر، مثل وعدهن بمدخولات مالية كبيرة، تأمين سفرهن ذهاباً وإياباً والقيام بكل الإجراءات لضمان انتقالهن من بلد إلى آخر.
وقال لبيد: إن غالبية النساء اللواتي يقعن فريسة لظاهرة الاتجار بالنساء لأغراض الزنى يصلن إلى الكيان الصهيوني من أوزبكستان وأوكرانيا وروسيا ومولدوفيا وكازاخستان.
وبحسب المعطيات التي نشرت في هذا السياق فإن السن المتوسطة للمرأة العاملة في البغاء هو 22 سنة، ولكن تم الكشف أيضاً عن حالات عمل فتيات، هن في الواقع أطفال، في الـ 14 والـ 15 من أعمارهن.
سعر كل امرأة يتراوح بين 4000 و10000 دولار، يتعلق الأمر بجمالها وبسنها. وغني عن الذكر ظاهرة أخرى هي «توارث» المرأة أو نقلها من «مالك» إلى آخر بناء على دين مستحق عليه في العالم السفلي.
البلاد العربية
البلاد الوحيدة التي نفتقد معلومات دقيقة حول مدى انتشار تجارة الرقيق الأبيض فيها هي الدول العربية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ