لا ينفرد الشعب الفلسطيني بالأسماء المفعمة بمعاني النضال والفداء والثورة والكرامة، فالعرب في كل مكان يوجد بينهم من يحمل اسم «كفاح» أو «نضال» أو «جهاد»، ولكنك إذا وجدت نسبة طاغية وغير عادية ممن تسألهم عن أسمائهم فيجيبونك قائلين : «ثائر - سائد - ثورة - نضال - كفاح - مجاهد»، وتجد كثيراً من مواليد العامين الأخيرين من الأطفال يحملون أسماء : «عرفات - ياسين - رنتيسي - حماس»، فمن الصعب أن تكون في أي مكان غير فلسطين!
يجمع علماء الاجتماع والمتخصصون في دراسة أسماء البشر واتجاهاتها على أنها تعكس عدة دلالات، بعضها شخصي، وبعضها متعلق بقيم جماعية. وأسماء الفلسطينيين، مع كون كثير منها مشتركاً مع باقي الأسماء العربية في ربوع الوطن العربي الكبير، لتوحد الثقافة واللغة والتاريخ، يبقى لها تميزها بسبب ما تحمله من دلالة مباشرة على تجليات الكفاح الفلسطيني الطويل من أجل الحرية.
وحتى قبل عصر الرسائل القصيرة التي عرفها إنسان العصر الحديث عن طريق الهاتف المحمول، كثيراً ما كان الفلسطيني ولايزال يطلق على أولاده أسماء معينة كأنه يرسل من خلالها رسالة مزدوجة إلى الصديق والعدو على السواء، يقول للصديق لا تظن أنني نسيت القضية، ويقول للعدو إذا لم أتمكن من رؤية بلدي حراً فها هو ابني سيجعله اسمه يتذكر أنه ابن القضية التي لا تموت!
مع اندلاع كل انتفاضة فلسطينية، الأولى التي اندلعت العام 1987، والثانية التي عرفت بانتفاضة النفق احتجاجاً على حفر نفق تحت المسجد الأقصى المبارك وتوسع الاستيطان في جبل أبوغنيم العام 1996، ثم الثالثة التي اشتعلت عقب الزيارة المشئومة لأرئيل شارون إلى المسجد الأقصى في 28 سبتمبر/ أيلول 2000، كانت سجلات المواليد في فلسطين تسجل اسماً جديداً من أسماء الإناث هو»انتفاضة»، وهي الكلمة التي دخلت قاموس أوكسفورد ثم باقي معاجم اللغة في العالم كله بعد ذلك، وبقيت فيها حتى اليوم.
ولا تقتصر الدلالات في أسماء الفلسطينيين على الأسماء المعبرة بصورة مباشرة عن الكفاح والنضال والثورة، إذ توجد أسماء ليس لها أية علاقة ظاهرية بذلك، ومع ذلك تعكس بعداً فلسطينياً خالصاً. ويظهر ذلك في حرص الفلسطينيين، بما في ذلك عرب الشمال أو الداخل «وهو التعبير المفضل لدى جميع الفلسطينيين خلافاً للتعبير الآخر (عرب إسرائيل) أو حتى (عرب 1948 )» وحتى في المهجر أو الشتات،على الاحتفاظ بأسماء وألقاب العائلات التي كثيراً ما تشير إلى أسماء قرى ومدن فلسطينية، حتى يحافظوا للأجيال الجديدة على تمسكهم بأصولهم الفلسطينية.
فالفلسطينيون كثيراً ما يتخذون من أسماء مدنهم وقراهم أسماء فردية لهم، أو أسماء كنية لهم، فالشخص لا ينتسب فقط لعائلته، بل كذلك إلى مدينته أو قريته. ويكون هذا الاسم الذي يعرف به بين أقرانه أو جواز سفره، سواء كان مقيماً داخل مدينته أو قريته أو بعيداً عنها حتى آلاف الكيلومترات. فكثيراً ما نجد أسماء عائلات التلحمي نسبة إلى بيت لحم والمقدسي نسبة للقدس والناصري نسبة للناصرة والنابلسي نسبة إلى نابلس والحيفاوي والغزاوي والعسقلاني، واليافاوي وهكذا.
ويدل هذا على أن الجغرافيا عاشت في داخل الإنسان الفلسطيني كما عاش هو في فلسطين لآلاف السنين من دون انقطاع.
وهذا طبعاً بالإضافة إلى أسماء عائلات لا تخلو من دلالة حتى لو كانت تعود لتاريخ أقدم من القضية والصراع، فأحد الشهداء الذين سقطوا في رام الله قبل أشهر معدودة في مواجهة مع قوات الاحتلال ينتهي اسمه إلى لقب عائلته، وهذا اللقب ليس سوى «جبارين»، ما يذكرنا على الفور بما اعتاد أن يقوله الزعيم الفلسطيني الراحل عن الشعب الفلسطيني إنه «شعب الجبارين».
والفلسطينيون يسمون أبناءهم على أسماء قادة وزعماء وثائرين مشهورين، فهناك إعلامية فلسطينية شهيرة تحمل اسم «جيفارا». وعندما استشهد قبل نحو أسبوعين أحد قادة الفصائل في غزة، حملت الأنباء اسمه فإذا هو «نهرو مسعود « وإذا هو شقيق شهيد آخر هو «تيتو مسعود»! تقول لي زميلة إعلامية فلسطينية: لا تنس أن الفلسطينيين بعد توقيع اتفاقات أوسلو انتشرت بين مواليدهم الجدد اسم «سلام»، وهو ما يشير إلى أن الشعب الفلسطيني على رغم كل المعاناة التي عاشها لا يتردد في مد يده بالسلام إذا كان الطرف الآخر صادقاً في إرادة السلام.
وعندما أردت أن أتعرف إلى زميل فلسطيني يعمل في وكالة أنباء فلسطينية مصورة وسألته عن اسمه إذا به يقول لي «إيثار»... أليست هذه إذاً رسالة أخرى بما يتحمله الشعب الفلسطيني من أعباء القضية؟
العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ