على رغم مرور 15 عاماً على انفصال دول البلطيق عن الاتحاد السوفياتي السابق ومرور عامين على انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، فإن العلاقات الطيبة التي تربطها بموسكو مازالت محيرةً.
وقال الرئيس الليتواني فالداس ادامكوس في حديث خاص إلى وكالة الأنباء الألمانية: «إذا استمر الروس على قواعدهم القديمة في استخدام (الطاقة) أداة لفرض ايديولوجيتهم المختلفة، فإن الجانبين (ليتوانيا وروسيا) سيواجهان المشكلات».
وكانت القوات السوفياتية احتلت استونيا ولاتفيا وليتوانيا العام 1940 بعد أشهر من الغزو النازي لبولندا. وأعلن ستالين أن الدول الثلاث اختارت الانضمام إلى الاتحاد السوفياتي وهو زعم نفته تلك الدول. وفي العام 1991 أعلنت الدول الثلاث استقلالها من جديد عن الحكم السوفياتي. وانسحبت آخر القوات المحتلة من أراضيها العام 1994 ولكن التوترات استمرت مع موسكو.
وقال رئيس معهد السياسة الخارجية الاستوني إنه «بعد الانسحاب بدأت حرب دعائية». وأعلنت لاتفيا واستونيا أنه حيث إن الاحتلال كان غير شرعي، فإن المهاجرين الذين هاجروا خلال فترة الحكم السوفياتي يجوز لهم العيش هناك ولكن ليس لهم الحق في الحصول على الجنسية تلقائياً. ويعيش في لاتفيا واستونيا أكثر من 500 ألف من «المقيمين غير المواطنين».
ويمثل الروس العرقيون غالبية هذا العدد. وتتهم روسيا التي تنفي أن الاحتلال كان غير شرعي، دول البلطيق بانتهاك حقوق الإنسان بالنسبة إلى هؤلاء المقيمين.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة لاتفيا نيلز مويزنيكس، الذي يقوم بوضع كتاب جديد عن العلاقات بين روسيا ولاتفيا إن «روسيا لم تتوانَ عن إثارة قضايا الأقليات البلطيقية في المنظمات الدولية مثل: منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة حتى حلف الأطلسي».
من ناحية أخرى، تسببت وجهات النظر التاريخية المتباينة لدى هذه الدول المتجاورة في إرباك المفاوضات الحدودية. ففي الحقبة السوفياتية، تخلت استونيا ولاتفيا عن بعض أجزاء من أراضيهما لروسيا في خطوة وصفتها موسكو بأنها «طوعية».
ولكن الدولتين تؤسسان قوانينهما الحالية على الدساتير التي كان معمولاً بها قبل الحقبة السوفياتية. وبالتالي تعتبران تلك المناطق التي جرى التنازل عنها تابعة إليهما. ولم تنجح المفاوضات بعد في حل هذه المسألة.
وقال مويزنيكس: «لا أحد في لاتفيا يرغب في أن ينظر إليه على أنه تخلى عن أرضه بينما لا تقبل روسيا بإثارة أي مزاعم سيادة محتملة ضدها... ومازالت الدولتان تجريان محادثات بشأن إبرام اتفاقات حدودية جديدة منذ العام 1997 ولكن دائماً تظهر مشكلات».
في البداية رفضت روسيا التوقيع على أي اتفاقات جديدة، آملة في أن تؤدي المشكلة إلى أن يرفض الناتو ضم دول البلطيق إلى عضويته. وعندما خاب هذا الأمل أعربت روسيا عن استعدادها للتوقيع.
ولكن قبيل أن توقع لاتفيا على اتفاقها وبعد أن وقعت استونيا اتفاقها، أضافت الدولتان وثائق تشير إلى الدستور الأصلي في كل منهما. وعلى الفور اتهمتهما روسيا بإخفاء مزاعم إقليمية وانسحبت من المفاوضات.
وأدى استعداد روسيا لاستخدام مصادر الطاقة التي تمتلكها لأغراض سياسية، إلى إثارة خوف دول البلطيق لفترة طويلة.
وخلال السنوات الأخيرة، امتنعت روسيا عن تصدير النفط إلى ليتوانيا ولاتفيا في خطوات وصفها الكثير من المحللين بأنها ذات مغزى سياسي. وأدت الطفرة الضخمة في روسيا التي كان أحد أهم أسبابها ارتفاع أسعار النفط العالمية، إلى احتراس قادة الدول الغربية من استفزاز روسيا.
وعلى صعيد آخر، أذهلت قمة غير رسمية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي المحللين، إذ أظهر زعماء الاتحاد الأوروبي إصراراً غير متوقع في التعامل مع روسيا. ويرى بعض الخبراء أن مثل هذا الاتجاه سيستمر.
وقال الرئيس الاستوني توماس هندريك لوكالة الأنباء الألمانية إنه «سيتم تطوير سياسة طاقة عامة، ذلك ببساطة لأن هناك حاجة إليها. ومادامت الدول تعرف أنه لا يمكن لأية دولة أن تمضي قدماً وحدها بشأن سياسة طاقة، فإن هذه الدول ستبدأ في إدراك مميزات وضع سياسة عامة للطاقة»
العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ