ساد إحساس عام بالرضا في العاصمة الموريتانية (نواكشوط) بعد أن أعلنت السلطات نتائج أول انتخابات ديمقراطية كاملة في البلاد الواقعة في شمال غرب إفريقيا منذ الاستقلال عن فرنسا العام 1960.
وقالت مريم مينت سيدي (34 عاما) من سكان نواكشوط إن الأمل ولد من جديد وهذه الانتخابات يمكن أن تحقق التطور وتحسن حياتنا. ولكن النتائج لم تبين أن المستقبل يبدو هينا إذ كشفت الانتخابات انقساما في المشهد السياسي مع فوز 11 حزبا بـ33 مقعدا في حين فاز المستقلون بـ10 مقاعد في البرلمان الذي يتألف من 95 مقعدا. أما فيما يتعلق بالمقاعد الـ52 المتبقية فلم يحصل أي مرشح على الغالبية المطلقة وسيضطر المتنافسون إلى خوض جولة الإعادة في 3 ديسمبر/كانون الأول المقبل. ويمكن أن يعقب ذلك محادثات شاقة لتشكيل حكومة ائتلافية قبل أن يسلم المجلس العسكري الحاكم السلطة للمدنيين بعد استكمال مجموعة من الانتخابات آخرها الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار المقبل بحسب ما يرى المحللون.
أما السمة الأكثر أهمية للانتخابات فهي الشفافية وهو ما كان يتوقع أن يسمح بتداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع للمرة الأولى في هذا البلد الإسلامي الذي يبلغ عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة. وخرجت الأحزاب المعارضة لنظام الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع منتصرة في الجولة الأولى. كما أبلى المرشحون المستقلون أيضا بلاء حسنا ثم جاء بعد ذلك حزب ولد الطايع السابق. ولم يسمح المجلس العسكري الحاكم الذي يرأسه أعلي ولد محمد فال الذي أطاح بنظام ولد الطايع في انقلاب أبيض في أغسطس/آب عام 2005 بعد 21عاما من الحكم السلطوي لأي من أعضائه بالمشاركة في الانتخابات.
وأشرف على الانتخابات 200 مراقب دولي وشهدوا جميعا لها بالنزاهة. وفي بلد اعتاد الفساد واسع النطاق والرقابة على الصحف والقمع السياسي تبدو هذه الانتخابات أقرب إلى المعجزة. ويرى أحد المحللين مبتهجا أن «هذا أرسى سابقة لن تستطيع الحكومات المقبلة التراجع عنها». وأضاف أنه بموجب الدستور الجديد الذي يحظر تولي أي شخص منصب الرئاسة لأكثر من فترتين مدة كل منهما خمس سنوات «ستكون موريتانيا نموذجا إقليميا للديمقراطية». أما الفائز الأكبر في الانتخابات فهو تكتل القوى الديمقراطية الذي يقوده المعارض السياسي المخضرم والاقتصادي أحمد ولد داده ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان في موقف يسمح له بتشكيل الحكومة. وأبلى المرشحون المستقلون بلاء حسنا في المناطق الريفية إذ يمثلون مصالح العشائر المحلية. وبحسب ما يرى أحد المحللين فإن «الأحزاب السياسية في موريتانيا ظاهرة حضرية». ولم يسمح النظام للإسلاميين بتشكيل حزبهم الخاص مما أرغمهم على خوض الانتخابات بصفتهم مرشحين مستقلين أو أعضاء في أحزاب أخرى.وعلى رغم ذلك لم تؤيد نتائج الانتخابات المخاوف المتعلقة بتزايد تأثير الإسلاميين إذ لم يحصلوا إلا على مقعدين فقط.
وأنهى المجلس العسكري القمع السياسي وبدأ في إقامة المدارس والمنازل والمراكز الصحية. ويتساءل العديد من الموريتانيين عما إذا كانت السلطات المنتخبة مستقبلا ستحكم بنفس القدر من الحكمة. ومعظم سكان موريتانيا التي تغطي الصحراء معظم مساحتها من الفقراء الذين يكسبون عيشهم من تربية الدواجن والتنقيب عن الحديد والصيد. ولكن الجمهورية الإسلامية واحدة من الدول الواعدة في إفريقيا في مجال إنتاج النفط ويتشكك العديد من الموريتانيين في أن السلطات الجديدة ستكون قادرة على تجنب سوء الإدارة والفساد الذين ابتلت بهما الدول الإفريقية الأخرى المنتجة للنفط. أما التحديات السياسية الأخرى فتتضمن وضع المعارضين من العبيد المعروفين باسم الحراطين الذين يشعرون بأنهم يعاملون معاملة تمييزية من قبل العرب البربر ذوي البشرة الأقل سوادا إلى جانب القضاء على آخر آثار العبودية. وقال رجل يدعى حمزة ولد ديمبا يوم الانتخابات في أحد مراكز الاقتراع بنواكشوط إنه حتى لو كانت الانتخابات ديمقراطية فهو لا يتوقع أن تتغير الأمور لأن العديد من المرشحين هم أنفسهم الذي كانوا موجودين خلال العقدين الماضيين
العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ