اتهم كثيرون في لبنان سورية بأنها تقف وراء اغتيال السياسي اللبناني بييار الجميل، ولكن دمشق تنفي أي دور لها في الهجوم الذي وقع يوم الثلثاء الماضي والذي تقول إنه أضر بمصالحها. وتتوقع سورية أن يستغل أعداؤها هذه الجريمة لتشويه صورتها ودحض آمالها في حدوث تحسن في علاقاتها مع الغرب.
ويقول ساسة لبنانيون كثيرون إن «قتل شخصية أخرى معادية لدمشق في لبنان محاولة سورية لعرقلة تشكيل محكمة تدعمها الأمم المتحدة لمحاكمة الأشخاص الذين يشتبه في أنهم قتلوا رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري».
وعلى رغم أن سورية غير سعيدة بشكل واضح بالمحكمة والحكومة اللبنانية التي يدعمها الغرب، فإنها تقول إن قتل الجميل يخدم مصالح خصومها من اللبنانيين ويضر بفرص إجراء حوار مع أوروبا والولايات المتحدة.
وقالت السفارة السورية في واشنطن في بيان إن «سورية غاضبة من هذا العمل الرهيب. ووقوع مثل هذا العمل في وقت يدافع فيه المجتمع الدولي عن مزيد من الارتباط مع سورية لا يؤدي إلا إلى تقويض تلك المبادرات».
وأدت دعوات متنامية إلى أن يجري الرئيس الأميركي جورج بوش محادثات مع سورية وإيران بدلاً من معاقبتهما والسعي إلى الحصول على مساعدتهما على إشاعة الاستقرار في العراق إلى تشجيع سورية.
ووقع اغتيال الجميل بعد ساعات فقط من قيام سورية بخطوة رمزية رئيسية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع العراق من دون الإصرار على وضع جدول زمني مسبق لانسحاب القوات الأميركية من العراق.
ورحب رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير بهذه الخطوة. وقال إن «الشيء نفسه الذي نسعى إليه هو ضمان أن تصبح سورية مساعدةً للعراق... بدلاً من أن تكون عقبة».
وتفادى بلير الذي خفف عزلة سورية في وقت سابق من الشهر الجاري بإرسال مبعوث رفيع لإجراء محادثات مع الرئيس بشار الأسد بشأن العراق والصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولبنان، الإنحاء باللائمة على سورية مباشرة في قتل الجميل.
ولم يصل بوش أيضاً إلى حد اتهام دمشق بقتل وزير الصناعة اللبناني ولكنه أعرب عن تأييده جهود الشعب اللبناني لـ «الدفاع عن ديمقراطيته في مواجهة محاولات سورية وإيران وحلفائهما إثارة عدم الاستقرار والعنف».
ومن ثم تجد سورية نفسها من جديد في خضم سحب الشك التي تلاحقها منذ اغتيال الحريري العام الماضي وقتل خمسة معارضين آخرين لنفوذها في لبنان. وقال المحلل السياسي أيمن عبدالنور: «إن التأثير سيئ؛ لأن كتلة 14 آذار اللبنانية ستستغله لتوجيه الأصابع إلى سورية». وأضاف أنه «تم استغلاله فعلاً للحصول على إجماع في مجلس الأمن بشأن المحكمة».
ووافق مجلس الأمن بسرعة على خطط محكمة الحريري بعد اغتيال الجميل الذي طلب رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة، إضافته إلى قائمة الاغتيالات السياسية التي يجرى التحقيق فيها فعلاً.
ومازال من المتعين الحصول على الموافقة النهائية للبنان على المحكمة من مجلس الوزراء والرئيس المؤيد لسورية والبرلمان.
وتحتاج بشدة حكومة السنيورة التي أضعفتها بشدة استقالة أعضائها من الشيعة واغتيال الجميل، إلى الحصول على الموافقة على تشكيل المحكمة في الوقت الذي مازال فيه بإمكانها مقاومة مطالب من حزب الله وحلفائه بتشكيل حكومة وحدة وطنية. ويقول حزب الله إن حملته - التي أوقفها مؤقتاً على الأقل الحداد الوطني مدة ثلاثة أيام على الجميل - لا تهدف إلى نسف المحكمة ولكن لتشكيل مجلس وزراء موسع يبعد لبنان عن فلك واشنطن وينهي الضغوط الرامية إلى نزع سلاح مقاتليه بعد الحرب الشرسة التي نشبت مع «إسرائيل» هذا العام.
وقالت صحيفة «البعث» الحكومية السورية إن «الجميل قتل لمنع حزب الله وحلفائه من بدء احتجاجات مزمعة في الشوارع لإسقاط حكومة السنيورة». وأضافت أن «القتلة أرادوا إعاقة العمل الشعبي الذي دعا إليه حزب الله وتأخير السقوط الحتمي للحكومة»، مشيرةً إلى أن عملاء لـ «إسرائيل» أو قوة أخرى ربما قتلوا الجميل.
وأدى انسحاب سورية من لبنان في أبريل/ نيسان العام 2005 عقب مقتل الحريري إلى فراغ أمني في بلد كانت تسيطر عليه من قبل القوات ووكالات المخابرات السورية وحلفاؤها المحليون. ويقول زعماء لبنانيون إن «المخابرات السورية مازالت لديها شبكات تعمل في لبنان». وقبل اغتيال الجميل كانت سورية في موقف واثق نسبيا بعد أن عززتها المبادرات الغربية والأداء العسكري القوي لحزب الله ضد «إسرائيل» الذي اعتبرته هزيمة للمتشددين الأميركيين الساعين إلى إعادة رسم المنطقة.
وقال المحلل السوري سمير التقي: «إن حرب لبنان كانت آخر أمل للمحافظين الجدد». وأضاف أن «دمشق شعرت بأنها خرجت أقوى - إن لم تكن آمنةً - من اختبار القوة. وشكل اغتيال الجميل التحدي التالي»
العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ