مع مطلع شمس هذا اليوم المبارك، ستتوقف الدعاية الانتخابية رسمياً، وستختفي إعلانات المترشّحين من الصحف، بحسب القانون، ولكن ستظل صورهم شاخصةً، مبتسمةً، في الدوارات والشوارع العامة والزرانيق! بعضهم يشير بيده ليوحي لكم بأنه خبير، وبعضهم يحمل قلماً ليعلمكم أنه مفكّر، وبعضهم يبتسم لكم ليقول «إنني أحبكم موت»!
من صبيحة هذا اليوم، المفترض أن تتوقف المقالات والمقابلات التي أعدت أسئلتها لتبرز بعض المترشحين، والاهتمام الخاص بأخبارهم حتى تشعر بأن بعض الصحف بدّلت جلودها «القومية» حتى قصّرت ثيابها وأطالت لحاها فجأةً من دون مقدمات، وأصبحت «داعيةً إسلاميةً» بعد ما كانت تعمل راقصةً في «الكباريهات»! ومع غروب شمس اليوم، ستتسارع ضربات قلوب المترشّحين، ويتجاوز الضغط حاجز الـ 180! فالكل مترقبٌ لما تسفر عنه صناديق الاقتراع بعد كل هذه المعارك الطاحنة، التي لم يوفر فيها بعضهم الوسائل الكيدية وغير الكيدية ضد المنافسين، لم يمنعهم «حرصٌ على الدين» و«ولاءٌ للوطن» من استخدام آخر التقنيات، لإرسال «مسجات» تتهم الناس في أخلاقهم وشرفهم وعرضهم، وتشكّك في وطنيتهم، من أجل كرسيٍّ زائلٍ لن يدوم.
ستتوقف اليوم الدعاية المباشرة، ولكن سيستغل بعض «الخطباء» الفرصة الأخيرة لشتم المنافسين من المنطقة نفسها، أو من الطائفة الأخرى، لضمان عددٍ إضافي من الأصوات، فالخطب الحامية خلال الأسابيع الماضية قد لا تكفي... فلابد من استغلال «الخطبة الأخيرة».
هذه الليلة أيضاً، ستشهد العشاء الأخير، و«البوفيه» الأخير، و«السمبوسة» الأخيرة، بحسب الخدمة المجانية التي كان يقدّمها المترشّحون طوال الأسابيع الأخيرة، كلٌ بحسب طاقته، وكلٌ بحسب جيبه، وكلٌ بحسب الجهات الداعمة المموّلة التي وقفت إلى جانبه في معركة المصير!
هذه الليلة أشبه بليلة المباراة الأخيرة على الكأس، إذ ستسيطر على أصحاب الخيام الانتخابية مشاعر الخوف والرجفة، عما ستسفر عنه نتيجة المباراة في فجر الأحد، وحتى ذلك الحين، هناك عيونٌ كثيرةٌ طوّحها الأرق والسهاد لن تنام. والخيام التي كانت مزدانةً بالمصابيح والبوفيهات والندوات والتجمعات، ستبدو هذه الليلة مهجورةً، مسكونةً بالخوف حتى يكتمل فرز الأصوات وإعلان النتائج، حينها ستعود الروح لبعض الخيام «الفائزات»، أما بعضها الآخر فستُنكس فيها الرايات وتترك نهباً للرياح السافيات، وسيعود أصحابها مبكراً إلى بيوتهم ليغلقوا عليهم أبوابها ويلعقوا الجراح.
الصور ستبقى معلقةً على الجدران، بعضهم حينما يرى صورته صباح الأحد سيشعر بالغبطة والانتصار، وبعضهم سيتمنى لو يجلس صباحاً وقد هبّت ريحٌ هوجاء فاقتلعت كل الصور والجدران والخيام!
عمّال البلدية سيكون عليهم شغلٌ إضافيٌ للتنظيف وإزالة المخلفات، وعندما يدخلون الخيام صباح الأحد، سيشاهدون كراسي مبعثرة، وطاولاتٍ عليها بقايا طعام، وعلبُ عصيرٍ فارغة، وصوراً ملقاةً على الأرض لم يعد يهتم بها أحد، وكتيباتٌ كتب على أغلفتها: «برنامجنا الانتخابي من أجل الوطن والمواطن»، و«البحرين وبس»، و«إذا أردت عروساً أو بيتاً جديداً أو قرضاً من المصرف فاعطني صوتك»! عمال متعهدي الخيام سينشغلون بتفكيك الخيام وإزالة الأعمدة والمصابيح والتوصيلات الكهربائية، لنقلها إلى المخازن، بانتظار موسم التخييم في البر. خيامٌ مهجورة، وقلوبٌ واجفة هذه الليلة، أما «الشلل» المتنقلة، من أصحاب نظرية «كل خيرهم وصوّت لغرهم»، فسيتبادلون «المسج الأخير» لاغتنام فرصة العشاء الانتخابي الأخير في الهواء الطلق، فهذه الفرصة لن تعود إلاّ بعد أربع سنين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1540 - الخميس 23 نوفمبر 2006م الموافق 02 ذي القعدة 1427هـ