مع الحديث عن منع استغلال المنابر الدينية تحقيقاً لمآرب «دينوسياسية» مرفقاً معها مرامي مصلحية فئوية وطائفية، سرعان ما نرى أنباء موثوقة تتوارد عن التهافت الفج على إصدار وتوزيع بيانات تحريضية ضد المترشحين المحسوبين «علمانيين» و«شيوعيين» و«كفرة» و«فساق»، من معاقل ومراكز دينية يفترض أن تكون محايدة بناءً على توجيهات الجهة المعنية التي تتولى الرقابة والإشراف على هذه المؤسسات الدينية. وللتعرف على حالات أخرى واقعية لاستغلال الدين كأداة للإضرار والمساس بالآخر المختلف سياسياً وفكرياً هناك ما يقوم به بعض المترشحين في مقارهم الانتخابية، فيما يشبه الاستنجاد والاستقواء بدعاة ومشايخ من الخارج، عسى أن يفلحوا في تزكيتهم لأهالي الدائرة، فيقبضوا «المقسوم» ويرحلوا إلى بلادهم على أمل الالتقاء في لقاء نيابي آخر.
أحد المترشحين من«خطباء المساجد» وأصحاب الفضيلة الانتخابية، خلال اجتماعه مع ناخبيه وجههم إلى عدم التصويت إلى منافسه لكونه ناصرياً، فلما سألوه عن معنى أن يكون الفرد «ناصرياً»، فأجاب صاحب الفضيلة الانتخابية بأن «الناصري» هو ذاته النصراني! ومترشح آخر من أصحاب الفضيلة الانتخابية ربما لا يجد غضاضة في أن يكون «عروبياً وإسلامياً»بحسب طريقته، ليس من خلال تبني مبادئ وقيم أصيلة، بل عبر الاستقواء بـ«فزعة» وفزاعة الجانب الاثني، وتوصية ناخبيه باعتماد التقسيمات الأقوامية (عربي هولي، عربي قبلي، عجمي بلوشي وغيرها) قبل التقسيمات الطائفية التي تأتي بعدها التقسيمات الدينية بين مؤمن وكافر كأدلة استرشادية لتشريح وترشيح شخص محدد للنيابي دون غيره المنتسب لاثنية وطائفة ودين وعالم آخر حائر بين تضاعف الجنة والنار!
في الجانب الآخر، من العالم الأسفل الذي تبتذل فيه جميع المبادئ والقيم والأخلاقيات، نجد مرشحاً «إسلامياً موالياً» حالياً، وماضٍ «شيوعي تحرري» تم التنكر له، يخاطب حشود الناخبين محيياً فيهم التظاهر السابق ضد برنامج «الأخ الأكبر»، اذ ساهم هذا التظاهر في زيادة أسعار النفط عالمياً (حسب رواية صاحب الفضيلة الانتخابية)!
جموع كبيرة تستنكر الاستفزاز الذي تسبب به صوت أحد رجال الدين عبر الإذاعة حينما قام بتأثيم من ينتخب«علمانياً» و«يسارياً» للبرلمان، وكأنما الفرق بين الجنة والنار مرهون في وريقة انتخابية، والطريق إلى المراكز الانتخابية، وخصوصا المراكز العامة هو بمثابة «الصراط المستقيم». ومن يدري فقد كان بإمكان هذا الصوت «الصادح» أن يتواصل لو فتحت أمامه جميع السبل، ربما ليعلن بأن من ينتخب «علمانياً» أو «يسارياً» أو «وطنياً» سيبعث مع من انتخبه يوم القيامة، سواء في «مرسيدس» و«بي إم دبليو»، ويحشر معه في جهنم ليذوق الحميم ويمزق وجهه بأظافر من نحاس جزاءً على خياره الانتخابي الحر وممارسة حقه الدستوري الذي لا يتناسب مع معايير الإيمان لدى أصحاب الفضيلة الانتخابية!
وأمام سائر أشكال الانحطاط والجهل المركب، وقبلها الاستذباح المنحط لأجل عيون «البيزة»، والمستعر في أوساط بعض الرموز «الدينوسياسية»، تظل المعارضة اليسارية والليبرالية ذات الاتجاه الوطني الحرّ في صدارة ضحايا هذه الحملات البربرية، ومعها المرأة الأسيرة في عالم ذكوري برجولة متفسخة وأبوية مهترئة، فما بالك إذاً بحال المرأة المعارضة الوطنية ووضعها ضمن خط الاستهداف الساخن في العرض والشرف والسمعة (وهو أغلى ما تمتلكه المرأة) قبل استهداف الرأي والفكر والروح السياسية والأيديولوجية لمجرد الاختلاف في الرؤية، نخص بالذكر هنا المناضلتين الوطنيتين منيرة فخرو ومريم الرويعي، الشجرتان الصامدتان أمام مختلف أشكال الإساءة الحقيقية، وطوفان النظرات القاطعة والحادة في الصميم!
حينما يكون طرح المطالب حول القانون ضد التمييز وتعديل الدستور وتعديل الدوائر الانتخابية الجائرة والعدالة الاجتماعية متمحوراً حول الحرية والإباحية الجنسية والفضائحية بحسب أصحاب الفزعات «الدينوسياسية» و«لوردات» جماعات «الإسلام - سياسية» في سياقنا المحلي! وفي مواجهة موجات التحشيد والتحريض الملتبس بعباءة النصح والتقوى والتي تستهدف بشكل غير مسبوق المرأة البحرينية المناضلة خصوصاً المنتمية إلى المعارضة الوطنية الحرة، يحق لنا أن نتساءل عن موقع تلك التحشيدات والتحريضات من تراثنا العربي والإسلامي الأصيل، والموقف الذي سيتخذه السفهاء من مديري وموجهي تلك الحملات من هذا التراث العظيم، فأين هؤلاء الجهلة من مقولة الفاروق (رض) المأثورة حينما قال «أخطأ عمر وأصابت امرأة»؟ وأين هم من مقولته «الحمد لله الذي أوجد من يقوم اعوجاج عمر بحدِّ سيفه»، القابلة لأن تفهم بأكثر من شكل في إطار محاسبة المواطنين لسلطاتهم المختلفة فيما يخص المصلحة الوطنية العامة؟
في رأيي الشخصي والمتواضع إن ما يحدث في الوقت الراهن لا يعدو أن يكون في جزئه الغالب والأعم لعبة سياسية، تديرها أطراف نافذة عدة، تمارس بأدوات دنيئة تحسب على أنها «دينية» ربما من فرط تشابه الحروف المسطرة لا المضامين المضمرة! فهل استمعت أو قرأت تلك القوى «الإسلام - سياسية» التي تدعو ذاتها بقوى «الموالاة» المقولة الرائعة لجلالة الملك المفدى والتي وصف فيها مشاركة القوى المعارضة الإصلاحية في الانتخابات بأنها أجمل الأيام؟ ما موقفها من هذه المقولة وكيف تنظر إليها؟
وبمناسبة الحديث عن الحروب التي تشنها هذه القوى ضد المرأة، من الضرورة الإشارة إلى وجود التناقض والانفصام الجوهري في صلب التوجهات السياسية، والتي تصب في منحى ذي اتجاهين أحدهما تقدمي نحو دعم المرأة وتمكينها اجتماعياً وسياسياً من جهة، وآخر يتجلى في إغداق الدعم بكل أنواعه لقوى رجعية ضد الكوادر النسائية المترشحة في الجهة الأخرى، وخصوصا الكوادر المعارضة ذات النهج الإصلاحي المتزن، وهنا يجب أن يحدد الموقف النهائي من ذلك. كما يجب أن يحدد الموقف النهائي من «عرض» و«شرف» و«سمعة» و«كرامة» المعارضة بكوادرها القيادية الرجالية والنسائية، هل هو أمر ثابت تحميه الشرائع الأساسية المنظمة والحاكمة، أم أنه أمر جدلي ومختلف عليه وتنظر إليه الدولة بحسب قوانين العرض والطلب السياسي، وبالتالي لا يمكن الحديث عنه في ساحة المعارك الانتخابية ؟ هل يهم الدولة بجهاتها وأجهزتها المعنية الدفاع عن عرض وشرف وكرامة مواطنيها بغض النظر عن اختلافاتهم الفكرية والسياسية لكونهم سواسية دستورياً؟
إن كان الجواب بالإيجاب، فلتبادر فعلياً بتحمل مسئولياتها، عما يحدث من استغلال للدين، وابتذال للقيم، وتزييف للوعي، وتعدٍ وتحريض على المرشحين النيابيين أكانوا معارضة أم موالاة، ولتوقف استغلال المنابر الدينية، لكيلا يصنف موقفها بالموقف السياسي الانتهازي، بدلاً من أن يكون موقفها قانونياً منظماً ومقيداً وناجزاً لأجل الصالح العام!
ما طرحته المناضلة الوطنية منيرة فخرو في ندوة برنامج (6/6)، التي بثتها الفضائية الكويتية، بضرورة قيام الجهة المعنية بمحاسبة من يستغل المنابر الدينية وقت الانتخابات لأهداف سياسية، فيحرض على مرشحين آخرين مختلفين معه فكرياً وسياسياً، هو دور الدولة التي نرى أنها أهملته في الفترة الحالية (بقصد أم من دونه)، ولم تكترث بما تنشره الصحافة المحلية وشكاوى المترشحين من حملات الإساءة المتدثرة بعباءات وأردية «الدين» . ومهما فعلنا، ستظل حاضنتنا الدولة، فهي الجهة الأعلم منا بكيفية مواجهة موجات الاستغلال البشعة لعواطف الناس وتحريفها وتزييفها باسم الدين ولأجل متاع الدنيا من فوق المنابر الدينية
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1539 - الأربعاء 22 نوفمبر 2006م الموافق 01 ذي القعدة 1427هـ