العدد 1539 - الأربعاء 22 نوفمبر 2006م الموافق 01 ذي القعدة 1427هـ

إقامة العلاقات الصينية الإسرائيلية... القصة من الداخل

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في هذا المقال سأركز على إقامة العلاقات بين الصين و»إسرائيل»، إذ سعى الطرفان إلى تكريس إقامة هذه العلاقات في سرية تامة، وكنت في أغسطس/ آب 1989، بعد أن حططت الرحال في بكين كأول سفير للبحرين في عاصمة ماو تسي تونغ الحمراء، وبعد أن تلمست موقع قدمي خوفاً من الزلل والوقوع فيما لا يحمد عقباه، وما كنت أنشد بالخير والنجاح فيها وتخففت قليلاً من محيطي العربي ورؤساء بعثاتهم على وجه التحقيق، منفتحاً كثيراً على مجالس السفراء الغربيين وأميركا عموما. وكان السفير الأميركي آنذاك هو جيمس ليلي الذي يتقن اللغة الصينية نطقا وكتابة. وزاد اهتمامي أكثر مطلع العام 1990، أي بعد شهور قليلة من قدومي، وزرت سفير كندا في مقر سفارته ودعاني إلى لقاء مساء كل يوم جمعة في إحدى سفارات الدول الأوروبية وأميركا. وكانت لقاءات أسبوعية دورية، لمدة ساعتين، في ركن صغير إذ يقدّم فيها المشروبات الخفيفة كالشاي والقهوة. ميزة هذه اللقاءات الأسبوعية حضور عدد كبير من المراسلين والصحافيين الغربيين والأميركيين، إذ يتسقط الجميع الأخبار ويتبادلون الآراء. ووجدت القليل جداً من الدبلوماسيين العرب الذين يحضرون هذه اللقاءات التي لا تخلو من فائدة، فقد حصلت على بعض قصاصات الصحف الأميركية، ومنه ما ذكرته صحيفة الواشنطن بوست عن قرب إقامة علاقات دبلوماسية بين الصين و»إسرائيل»، وفي حينها حادثت مدير الإدارة السياسية لغرب آسيا وشمال إفريقيا بالخارجية الصينية يانغ فوشنغ، ثم سلمته هذه القصاصات. وهو أيضاً يجيد اللغة العربية بطلاقة ويكتبها بفصاحة وإبانة، فهو متخرج من قسم اللغة العربية بآداب جامعة القاهرة في بداية الستينات، وهو الشخص الذي بحثت معه إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البحرين والصين، وذلك عند زيارتي الأولى لبكين 1987 ضمن أعضاء لجنة المساعي الحميدة المعنية بالحرب العراقية الإيرانية، والتي رأسها آنذاك وزير خارجية الأردن طاهر المصري.

عندما اطلع السفير يانغ فوشنغ على تلك المعلومات المهمة بشأن قرب فتح سفارة لـ «إسرائيل» في بكين، وأخرى صينية في «إسرائيل»، نفى علمه بذلك، مع أن كل الدلائل تشير إلى ذلك. وأنا أتجول في فندق جانغوا الجميل والصغير معاً في بكين، اكتشفت مثل غيري من الدبلوماسيين المهتمين بالنزاع العربي الإسرائيلي وجود مكتب تجاري وعلمي إسرائيلي في هذا الفندق، ويرأسه دبلوماسي إسرائيلي بدرجة سفير تحت ستار التجارة والبحث العلمي. ويقابل هذا المكتب مكتب صيني يحمل صفات وسمات هذا المكتب الإسرائيلي، وقد فتح فعلا في تل أبيب ويرأسه أيضاً دبلوماسي صيني رفيع.

هذه كانت البداية في إقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية الإسرائيلية، وأصبحت اليوم مجرد وثائق تاريخية باردة للمؤرخين المهتمين بهذا الشأن. وبادرت حينذاك بسرعة بإخبار سفير فلسطين يوسف رجب بهذه الواقعة الماثلة للعيان، فانفعل الرجل وغضب غضباً شديداً، وأقسم بأغلظ الإيمان أنه من المستحيل أن تقيم الصين علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل»، لأن الصينيين وعدوا الجانب الفلسطيني وعلى أعلى مستوى أن هناك ثوابت صينية فيما يتعلق بهذا الصراع لا يمكن الإخلال بها أو مسها. وقلت له أن الصين دولة كبرى ذات سيادة كاملة غير منقوصة ولها مصالحها الخاصة واستراتيجيتها السياسية الثابتة، وهي تتحرك ضمن هذه المنظومة، وكانت صدمة قاسية لسفير فلسطين عندما أصبحت لـ «إسرائيل» سفارة في بكين في العام 1991 يرفرف عليها علم «إسرائيل» بنجمة داوود. وأنا على يقين أن ياسر عرفات المطلع على خفايا الأمور، كان يعرف ذلك أكثر من سفير فلسطين في بكين، وحتى سفراء دول الصمود والتصدي العرب المعتمدين في بكين لم يتوقعوا ذلك.

وفي ندوة بكين للعلاقات العربية الصينية التي عقدت في بكين في ديسمبر/كانون الاول 2005 وحضرتها بناء على مبادرة ودعوة كريمة من وزارة الخارجية الصينية، والتي حملتها إلي سفارة الصين في البحرين، كانت المفاجأة في هذه الندوة المهمة التي استمتعت فيها، وكذلك المشاركون العرب من الباحثين والصحافيين، بل والسفراء بالضيافة الصينية الكريمة وبالفائدة المرجوة العائدة بالخير على مجمل العلاقات الصينية العربية. في هذه الندوة التي شارك معنا فيها نائب وزير خارجية الصين السابق يانغ فوشنغ، كشف المستور والسرية عن اتصالاته في العام 89 مع شخصيات إسرائيلية فاعلة مهدت السبيل لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع «إسرائيل»، وهو الذي نفى نفياً كاملاً في حينه أي اتصالات له مع جهات إسرائيلية، وهذا أمر طبيعي تقتضيه طبيعة العمل وسريته.

وأذكر أنه في العام 1992 كان أول عمل قامت به السفارة الإسرائيلية في بكين بعد افتتاحها، إصدار مجلة شهرية مصورة باللغة الصينية تعرض فيها زيارات المسئولين في كلا البلدين، وما كان يكتنفها من تعاون في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية. وفي اجتماعات السفراء العرب في بكين ظللنا نبحث إصدار مجلة مشابهة للمجلة الإسرائيلية التي تخاطب المواطن الصيني وتوزع مجاناً وتنير الرأي العام الصيني، وقتلنا هذا الأمر بحثاً وتمحيصاً ولكن من دون نتائج ملموسة. وحتى مغادرتي بكين في أغسطس1997، بعد انتهاء مهمتي الدبلوماسية، لم تصدر هذه المجلة باسم الدول العربية. وأعتقد ان «إسرائيل» دولة واحدة لها سياسة وتوجهات واحدة في مختلف الشئون، بينما مجلس السفراء العرب في بكين يمثل اثنتين وعشرين دولة عربية، لكل منها سياسة متباينة عن الدولة الأخرى، وحتى في مثل هذا العمل العربي المشترك. إلى هنا، أنا متأكد أن الكاتب السعودي محمد الهرفي سوف يدرك لماذا ينجح سفراء «إسرائيل» ولو في هذه الأمور البسيطة، بينما يخفق سفراء الدول العربية في هذا المجال. وكان السفير الاسرائيلي آنذاك موسى ابن يعقوب من أب سوري وأم إيرانية، يتكلم العربية والفارسية والانجليزية... وكان يصول ويجول في الصين بكل همة ونشاط

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1539 - الأربعاء 22 نوفمبر 2006م الموافق 01 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً