يتوقع أن تكون نسبة الإقبال على التصويت متباينة بين منطقة وأخرى في مختلف الدوائر الانتخابية، ففي حين ستشهد بعض الدوائر المحسوبة على الجمعيات الإسلامية، إقبالاً كبيراً، سينحسر إقبال الناخبين في الدوائر المفتوحة، ويعتقد بصورة عامة أن نسبة التصويت لن تتجاوز حاجز الـ 65 في المئة. وفي معظم الدوائر التي يتوقع أن ترتفع نسبة التصويت فيها لا تعطي المؤشرات أية دلائل إلى أن نسبة الإقبال ستتجاوز حاجز 75 في المئة.
ويتوقع أن تحظى الدوائر التي يتنافس فيها رموز المعارضة، وقادة الجمعيات السياسية التي قاطعت انتخابات 2002 بأعلى نسبة للناخبين، فمن جهتها ستعمد هذه الجمعيات إلى التحشيد الحزبي الكبير بهدف حسم السباق منذ الجولة الأولى، في حين أن المنافسين لها سيعدون أفضل ما لديهم من ردود ومفاجآت.
وعلى الجانب الآخر ستكون الأصوات القريبة من الحكومة على أهبة الاستعداد لنجدة البعض وإقصاء البعض الآخر، فيما يمكن اعتباره قوات تدخل سريع لإنقاذ من تخشى بعض الأطراف الحكومية إخفاقهم في الانتخابات، وبالتالي تخلخل الموقف الموالي للحكومة داخل المجلس النيابي، كما أن هذه القوات (الأصوات) يمكن استخدامها لإضعاف من لا تريد هذه الأطراف فوزهم، وفي أقل الأحوال لا ترغب في تحقيقهم لفوز كاسح. ويبدو المشهد الانتخابي متوتراً بعض الشيء قبل أيام معدودة من موعد الاقتراع، لكن هذا المشهد مرشح لارتفاع في حرارة المنافسة بين الجياد التي تدخل السباق لأول مرة وتلك التي تمتلك الخبرة والدراية في مثل هذه السباقات، والتي نعوّل على خبرتها لاستمالة أصوات الناخبين.
ولا ريب أن هناك الكثير من الجياد التي ستنسحب من السباق في ساعاته الأولى، لتفسح المجال لخيول السبق القوية القادرة على التلاحم وتقديم أفضل ما لديها من مناورات ومفاجآت، وإذا كان بعض المتسابقين سينهي السباق بفارق زمني كبير منذ الجولة الأولى، فإن كثيراً من المتسابقين سيدخلون جولات الإعادة لتحديد المركز الأول بين المتسابقين.
إننا اليوم أمام جولة من المبارزة سترسم ملامح الخريطة السياسية للسنوات الأربع الماضية، ومن دون شك فإن هناك من سيكون مشغولاً بمعالجة الكثير من الملفات السياسية والتشريعية تحت قبة البرلمان في تجربته الأولى في العمل النيابي، ما يعني أن كثيراً من سلوكه السياسي وعلاقاته وانفعالاته ستتغير لمواكبة هذه التجربة، وهنا نعني خصوصاً كتلة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ومن يحالفه الحظ من حلفائها في الوصول إلى البرلمان.
على الجانب الآخر، فإن القوى التي ستتعرض للإخفاق في امتحان الانتخابات النيابية قد تتعرض لانتكاسة تتناسب وحجم الإخفاق الذي سيلحق بها، إذ إن هناك جمعيات سياسية لعبت دوراً كبيراً في الدورة البرلمانية الأولى وخصوصاً جمعيتي المنبر الإسلامي والأصالة، اللتان تدخلان حلبة السباق بالوجوه ذاتها التي خاضت التجربة السابقة في الكثير من الدوائر، مع القليل من التعديل والتوسع، كما هو الحال مع جمعية المنبر الإسلامي تحديداً. إن هذه الجمعيات والتيارات وعلى رغم امتلاكها رصيداً جماهيرياً كبيراً، إلا أنها ستعاني من صدمة الإخفاق أكثر من غيرها، فهي تدعي احتكار التمثيل في الجانب السني، وهي تدعي أنها قدمت الكثير من الإنجازات للوطن، وقد آن أوان التأكد من وزنها وثقة الناس بها بعد أربع سنوات من العمل النيابي، في حين أن هناك تيارات ليبرالية معارضة وأخرى قريبة من الحكومة ستعاني هي الأخرى من فداحة الخسائر، في حال كان الإخفاق الذي ستعانيه كبيراً.
فالجمعيات المعارضة التي سيصيبها الإخفاق ستعاني من جراء الخسائر المادية الكبيرة التي منيت بها نتيجة ارتفاع كلفة الحملات الانتخابية من جهة، كما ستعاني من ردات فعل واسعة بين صفوف كوادرها التي وضعت ثقلها الكامل خلف قياداتها التي لم تستطع تجاوز عتبة البرلمان، على رغم الكثير من الحديث عن أهمية الفرصة التي وفرتها الانتخابات النيابية للنزول إلى الشارع بصورة مباشرة ومخاطبته بشأن برامج هذه الجمعيات وكفاءة كوادرها، وامتلاكها لكثير من الحلول للمشكلات المتراكمة نتيجة سنوات من البيروقراطية والتفرد في الحكم بحسب تعبيرات المعارضة ذاتها.
أما الجمعيات الموالية أو القريبة من الحكومة، فإنها ستنكشف أمام جماهيرها وأمام الأطراف الحكومية التي تدعمها، وستكون أمام امتحان قاسٍ يلي الاستحقاق الانتخابي، ذلك أن الحكومة وأمام وجود معارضة قوية بحاجة إلى تيارات موالية قوية قادرة على مجاراة المعارضة ومسايرة برامجها التي ستلاقي صدى طيباً في الشارع، وهنا فإن هذه الجمعيات ستجد نفسها تتعرض للتوبيخ، وربما إجراء تغييرات جوهرية على آلياتها ورأسها القيادي.
لقد سيطرت بعض الجمعيات القريبة من الحكومة على مجلس الشورى السابق، كنوع من المكافأة لها على مواقف سابقة وكنوع من التعويض لاستحقاقات مضت، لذلك فإن إخفاق هذه الجمعيات في الوصول إلى قبة البرلمان سيحفز الحكومة على التفكير في تخفيف حصة هذه الجمعيات حتى في المجلس المعين، وهنا فإن من المتوقع أن تعمد الحكومة إلى تعيين بعض من التكنوقراط، وتشكيلة متنوعة من الشخصيات المستقلة، وممثلي عدد من جمعيات المجتمع المدني في مسعى واضح لمجاراة النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع.
إذاً... أياً كانت النتائج التي ستتمخض عنها صناديق الاقتراع صبيحة يوم الأحد الموافق 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، فإن انعكاساتها لن تتوقف على تحديد ملامح المجلس النيابي المقبل، بل إن تداعياتها ستؤثر على مجمل الحياة السياسية في البحرين، وليس مستبعداً أن نشهد اندماجاً لعدد من التنظيمات السياسية، أو تفككاً لعدد آخر من هذه التنظيمات، كما أن تأسيس تنظيمات سياسية جديدة ليس بالأمر المستبعد.
البحرين ستنتخب يوم السبت 25 نوفمبر 2006، ويتوقع أن تحدد نتائج الجولة الأولى ما لا يقل عن نصف عدد النواب، فيما يتوقع أن تجرى انتخابات الإعادة في النصف الآخر من مقاعد مجلس النواب بعد أسبوع آخر من الموعد الأول، فيما سيعتبر جولة أخرى لتحسين مواقع التيارات السياسية داخل المجلس، إذ سيبقى الحبل مشدوداً بين أطراف اللعبة السياسية الموزعة بين المعارضة والموالاة وعدد من المستقلين، الذين يدخلون جميعاً في سباق إخراج المغلوب.
سباق تنتظر كل التيارات السياسية نتائجه بفارغ الصبر، من أجل أن تحدّد أجنداتها للسنوات الأربع المقبلة، ومن دون شك فإن الكثير من المواطنين ينتظرون النتائج أيضاً حتى يتلمسوا صدق الكثير من الوعود والبرامج التي أخذت حيزاً كبيراً من عناوين الصحف والأخبار، ويختبرون مدى صدقية الكثير من المترشحين الذين شنفوا آذان الجميع بخطب رنانة وحماس مبالغ فيه، لم يكن يتفق في كثير من الأحيان مع الأدوار التي كان يؤديها المترشحون في المجتمعات التي عاشوا فيها طوال السنوات الماضية. إنه وقت الامتحان، ومن دون شك فإن كثيراً من الوجوه ستنكشف، وكثيراً من الوعود ستكون على المحك، وصدق من قال: «عند الامتحان يكرم المرء أو يهان»
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ