تفاجأ القوم بجواب الإمام علي بن أبي طالب (ع) حين دخلوا عليه يعودونه في مرض ألمَّ به، إذ بادروه بسؤاله عن حاله قائلين: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين، فقال: أصبحت بشر. فقالوا سبحان الله هذا كلام مثلك، فقال: يقول الله تعالى: «وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ» (الأنبياء:35)، فالخير: الصحة والغنى، والشر: المرض والفقر ابتلاءً واختباراً. ومن أقواله أيضاً: «ألا وإنّ من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإنّ من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن».
وفي هذه العبارات، وضع الإمام (ع) الإصبع على الجرح من ناحية أهمية حاجات الجسد، فقد جعل الصحة والغنى مقابل المرض والفقر، كمقابلة الخير بالشر، ويأتي كل ذلك منسجماً مع برامج التنمية الحديثة. وحين نطالب المعارضة إلى جانب تركيزها على الإصلاح السياسي كأساس وإطار لإصلاح مختلف الجوانب، بأن تولي عنايةً واهتماماً بحاجات الناس المادية بالتوظيف الأمثل لدور المجالس البلدية، لكون العمل السياسي في شطر كبير منه يسعى في النهاية إلى تلبية هذه الحاجات، فالإنسان قبضة من الطين ونفخة من الروح، ولا يستقيم أحدهما من دون الآخر.
ونجد القرآن الكريم في حثّه على الأعمال الإنسانية كالترغيب في عمل الخير وإيثار الآخرين وإعانتهم، ينطلق من خلال دوافع الأنا وحب الذات المتمثلة في تلبية حاجاتها المادية، إذ بشرّ بالثواب المستقبلي لمن يتنازل عن جزء من حب الذات لسدّ حاجات الآخرين، بوعدهم جنات فيها كل أنواع المتع المادية، لهذا فإن تكرار الطلب من المعارضة، العناية بالبلديات بصورة أفضل يعود إلى ما يمثله هذا الجانب من أهمية في حياة البشر.
و «الوفاق» كأكبر الجمعيات السياسية المعارضة، ومحل ثقة الشرائح المحرومة من المجتمع التي عانت التمييز، فإنها معنية بهذا الخطاب أكثر من غيرها، ففي الدورة السابقة حازت 22 مقعداً بلدياً، وترأست 3 مجالس بلدية. وقدّم الكثير من بلديي «الوفاق» خدمات كبيرة وجليلة، إلاّ أن البعض الآخر قصّر بشكل كبير في أداء واجباته تجاه الجمهور، ولعل من أسباب ذلك عدم تفعيل المراقبة والمحاسبة من قِبل الجمعية على بلدييها، ويشهد بعض البلديين أنفسهم من أعضاء «الوفاق» بهذه الحقيقة.
صحيح أن قانون البلديات والتضييق من السلطة التنفيذية على البلديين أسهما في تعطيل الكثير من المشروعات كما قال بعض البلديين، غير أن هذا الطرح يصطدم بأكثر من سؤال، فمثلاً، استطاع الكثير من بلديي «الوفاق» تقديم إنجازات في مناطقهم كإقامة حدائق وتنظيم الشوارع وأمور كثيرة أخرى، كما استطاع بعضهم بمشاركة فعّالة من «الوفاق» إيقاف التخريب الذي كاد يلغي خليج توبلي.
في إحدى القرى كانت الطرقات مرصوفةً بالطوب، فتساءل البعض: لماذا قام النائب البلدي بهذا العمل لهذه القرية، ولم يعمل ذلك للقرى الأخرى في دائرته نفسها؟ فقيل لهم: عفواً، هذا العمل كان نتيجة جهود صندوق القرية وليس للنائب البلدي دور في ذلك. حتى لو تعلل النائب البلدي بقانون البلديات والآليات التي حالت دون تقديم شيء إلى الأهالي، فهل الآليات كانت السبب الذي منعه من ترتيب لقاءات مع الأهالي وزيارتهم في قراهم بشكل دوري حتى يضعهم في الصورة ويتشاور معهم بشأن مطالبهم وأسباب تعطلها وكيف يمكنهم المساهمة في مساعدته؟
مع الأسف... إن بعض بلديي «الوفاق» الذين لم ينجزوا شيئاً يذكر، لم يقموا حتى بزيارة القرى الواقعة في دائرتهم سوى مرةٍ واحدةٍ، وذلك قبل الانتخابات للتصويت له فقط
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ