بدأت المرأة الكويتية تجربتها الانتخابية الأولى بقوة، مصحوبة بزخم إعلامي «عالمي» كبير، توافق بشكل مطرد مع المطالبة الطويلة و«المريرة» بالحقوق السياسية للمرأة الكويتية. غير أن هذا الزخم الإعلامي للتجربة، لم ينتهِ بنتيجة سارة، إذ لم تتمكن أية من النساء الكويتيات الثماني والعشرين اللاتي ترشحن للانتخابات في يوليو/ تموز الماضي من عبور هذا الجسر الصعب الذي يفصلهن عن الفوز بمقعد في مجلس الأمة، فلم تحقق أية منهن نسبة من الأصوات تمكنها من النجاح في الانتخابات.
ماذا حصل في تلك الفترة؟ وهل يمكن أن نربط ما حصل بما يحصل أو سيحصل للمرأة البحرينية التي تخوض الانتخابات في الخامس والعشرين من الشهر الجاري؟ كيف كان خطاب المرأة هناك، وهل هو خطاب متشابه مع خطاب المترشحات النساء هنا في البحرين. كيف كانت الحملات الانتخابية، فرق العمل، والإمكانات المادية لكل منها؟ كلها أسئلة نحاول في الحلقة الثانية من هذا التقرير الإجابة عليها.
خطاب غير سياسي... «غناء خارج السرب»
كان من أكثر الملاحظات التي ذكرها المراقبون السياسيون للانتخابات التي جرت في الكويت خلو خطاب المترشحات الكويتيات من السياسة، وهو الأمر الذي أدى بهن إلى الفشل بحسب أطروحات البعض، وخصوصاً أن البلد كانت تمر بأزمة سياسية كبيرة في تلك الفترة، وكان الدفع بكامله باتجاه إيصال المعارضة وحركة ما اصطلح عليه «بالبرتقالي» المتمثلة في 29 شخصاً مرة أخرى للبرلمان.
ذكر البعض أن البرامج الانتخابية للمترشحات النساء خلت من أي مضمون سياسي، ففي تلك الفترة السياسية الحرجة من تاريخ الكويت ركزت المترشحات على شعارات التنمية والبناء في وقت كان جميع المترشحين يتحدثون فيه عن الفساد التشريعي والسياسي ويحملون شعارات سياسية مباشرة، لم تتمكن أية من المترشحات النساء من تشكيل أي تحالفات أو تكتلات سياسية، ما أثر على وضعهن وجعلهن بحسب كثير من المحللين يخسرن معركتهن الأولى في الانتخابات، لأنهن كن «يغنين خارج السرب».
أطروحات «غريبة»
المراقب لأطروحات المترشحات الكويتيات في الانتخابات الماضية يجد عدداً من المفارقات الغريبة التي لا تضمن بشكل كبير الفوز للمترشحة. فمثلاً المترشحة طيبة الإبراهيم تركت كل قضايا الفساد التشريعي والرقابي والأزمة السياسية القائمة في الدولة وركزت على «فصل الدين عن الدولة» باعتباره هدفاً رئيساً في برنامجها الانتخابي «لبناء الدولة الحديثة وتطور الكويت».
في تصريح سابق لها لـ «الوسط» من الكويت قالت الإبراهيم «أعرف أن البعض يرى أن شعار فصل الدين عن الدولة غير ذي جدوى في حملتي الانتخابية، لكن يجب أن نعرف أننا لسنا كفرة عندما ندعو إلى هذا الأمر ويجب على الناس ألا يلتفتوا إلى ما تقوله الأصولية المتشددة التي تريد منا النظر إلى الخلف، فيجب أن ننظر إلى الإمام حتى نتمكن من خدمة بلدنا...
يجب أن يسمع الجميع صوت المرأة لأنها تحمل أفكاراً تطويرية، ولا تعني عبادة الله الكسل» مهاجمة بذلك الأفكار التي وصفتها «بالأصولية القديمة».
مترشحات البحرين وخطاب «شبه سياسي»
لم تحمل أية من مترشحاتنا في البحرين، حتى التوجه الليبرالي ذاته منهن، هذا الأفكار ولا ضمنتها في برنامجها الانتخابي، بل كان من الواضح تماماً تركيز غالبيتهن على ذكر «منطلقات الشريعة الإسلامية» في أطروحاتهن الانتخابية، وخصوصاً في الموضوعات ذات الحساسية بهذا الشأن وعلى رأسها « قانون أحكام الأسرة».
غير أن خطاب المترشحات في البحرين بقي أيضاًَ غير سياسي، ويمكن استقاءه من شعارات الحملة الانتخابية لكل منهن ويذكر منها «تستحقون حياة أفضل... بالعلم والولد نبني البلد... المرأة أهل للثقة... الأسرة مرآة المجتمع... معاً لأجل أبنائنا» وغيرها من الشعارات.
غير أن اللافت في البرامج الانتخابية للمترشحات في البحرين وجود خطاب «شبه سياسي» غلف عدداً من القضايا التي ذكرتها بعض المترشحات في برامجهن الانتخابية وركزن عليها، لم يكن القضاء على الفساد غائباً إجمالاً، وكان تعزيز «الوحدة الوطنية» حاضراً تقريباً في كل البرامج الانتخابية للمترشحات، وتفاوتت البرامج الانتخابية «النسائية» قرباً وبعداً من المعالجة السياسية، لكنها اقتربت بشكل واضح من القضايا التي تهم الشأن العام كالإسكان والبطالة والتعليم، فيما ركزت بعض المترشحات على الجوانب الاقتصادية، والبعض الآخر على الصحية ومحاربة التلوث، أو بعض المشكلات الاجتماعية. فيما تميزت بعض هذا البرامج الانتخابية بالنضج الكافي لتقديم حلول حقيقية، وتحويل القضايا الاجتماعية التي تمس الأسرة إلى «مشروعات بقوانين» يمكن أن تعالج هذه القضايا «كوضع قانون لتجريم العنف ضد المرأة، وتعديل قانون الجنسية البحريني ليمنح الجنسية لأبناء الأم المتزوجة من أجنبي. واشتملت بعض هذه البرامج على محاور سياسية متخصصة عالجت قضايا أغفلها في أحيان كثيرة عدد من المترشحين الرجال.
لمحات من البرامج الانتخابية «للكويتيات»
في مناظرة أقامها الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية نشرت في صحيفة «القبس» الكويتية بتاريخ 14/06/2006 اتفقت عشر مترشحات عن دوائر انتخابية متفرقة على «أن قضايا المرأة الكويتية المنسية ستكون لها الأولوية في برامجهن الانتخابية لرفع الظلم عنها ولمنح المرأة جميع حقوقها المدنية المسلوبة».
هذه النتيجة تختصر المعنى العام الذي سعت المترشحات الكويتيات إليه إجمالاً في تجربتهن الانتخابية الأولى، إذ كانت قضايا المرأة شغلهن الشاغل الذي دفع ببرامجهن لتبني قضايا تقترب منها أو تبتعد قليلاً جداً.
مترشحة الدائرة العاشرة رولا دشتي ركزت في برنامجها على أهداف اقتصادية حملت نفحة سياسية، فدعت إلى تقليص فوائد القروض الاستهلاكية والإسكانية للأسر الكويتية، وضرورة محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
مطالبة بزيادة توفير فرص العمل المناسبة للكويتيين، والحاجة إلى تأسيس صندوق إسكاني للنساء الكويتيات غير المتزوجات والمطلقات والأرامل. وركزت دشتي أيضاًَ على تقديم حلول لمشكلات الإسكان، وناقشت قضايا الصحة والتعليم وتكافؤ الفرص. وفي المناظرة قالت «نعم أتبنى قضايا النساء لست لأنني منهن ولكن لأن قضايا المرأة هي من قضايا المجتمع».
مترشحة الدائرة التاسعة عائشة العميري ركزت على مشكلات البطالة، وهموم الأسرة الكويتية التي يتكون منها المجتمع، لأن «صحة المجتمع تنبثق من صحة الأسرة» كما رأت.
أما مترشحة الدائرة التاسعة غنيمة الحيدر فركزت على ضرورة تبني القضايا الصحية لرفع مستوى الخدمات العلاجية والصحية، مشيرة إلى أهمية تطوير المناهج العلمية والاعتناء بمستوى هيئة التدريس وبحقوق الإنسان وبفوائد القروض التي التهمت موارد الأسرة.
وأعلنت مترشحة الدائرة الـ 19 علية العنزي أنها لن تتخلى عن دعم وحماية المرأة الكويتية المنسية لنيل حقها الإنساني والمدني في الرعاية السكنية وفي تجنيس أبنائها وإعطائهم الحق في التعليم والرعاية الصحية، مؤكدة أهمية إشراك المرأة في صنع القرار وفي القيام بتعديل قانون الأحوال الشخصية لرفع الظلم عن المرأة ومنحها كل الحقوق التي حرمت منها.
أما المترشحة عن الدائرة الـ 12 هند الدعيج فركز برنامجها الانتخابي على السعي إلى إيصال معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والشباب والأطفال لإيجاد القوانين والتشريعات التي تقوم بمساندتهم من خلال الدعمين المادي والمعنوي، في الوقت الذي ركز فيه البرنامج الانتخابي للمترشحة في الدائرة التاسعة نوال المقيحيط، على إسقاط الديون وتوفير الخدمات العلاجية والسكن المناسب وحماية البيئة البحرية والجوية والعمل على إصلاح البنية التحتية.
وفي الإطار نفسه ركزت المترشحة في الدائرة العاشرة نوال البدر في برنامجها الانتخابي على تعديل أحوال المواطن الكويتي عن طريق المطالبة بزيادة الرواتب وإسقاط الديون، إلى جانب إعداد برنامج اجتماعي يتعلق بتعديل نمط السلوك الاستهلاكي للأسرة، إلى جانب تبنيها لقضايا التعليم والعمل على تطوير المعلم والمناهج التعليمية.
قمة الهرم الجليدي...
في حديث سابق لها مع «الوسط» وصفت المترشحة الكويتية السابقة فاطمة العبدلي تأييد الرجل للمرأة في الانتخابات التي جرت في الكويت «بالكذب والنفاق الرجالي»، إذ قام بعض المترشحين بطرح قضايا « ذات هم نسائي» في برنامجهم الانتخابي ليس لمعالجتها بشكل عميق، وإنما فقط لاجتذاب الأصوات النسائية، واصفة ذلك «بمن نظر فقط إلى قمة الجبل الجليدي، ولم يفكر في النظر إلى قاعدة الجبل»، فقد ركز بعض المترشحين الرجال بحسب قولها في برامجهم الانتخابية على قوانين التقاعد للمرأة والحضانة وإجازة الأمومة، وقضايا منح الجنسية لأبناء المتزوجة من غير كويتي، بينما أهملوا قضايا أهم وأكثر تعقيداً تمس واقع المرأة في المجتمع.
هل يحصل مثل هذا الأمر في البحرين مع تزايد الحملات الانتخابية سخونة وسعيها إلى استقطاب النساء في لقاءات نسائية خاصة تضمها الخيم الانتخابية لغالبية المترشحين، الإسلاميون منهم والليبراليون؟ لا يمكننا الحكم على النوايا بطبيعة الحال، ولا يمكننا القول بدقة إن كان هذا المترشح مؤمناً بتلك القضية النسائية التي ضمنها برنامجه الانتخابي، أم أن ذكرها جاء لرفع العتب واستقطاب الأصوات النسائية.
غير أن من الواجب ذكره في هذا الشأن أن القضايا النسائية لم تكن ذات أولوية في البرامج الانتخابية في البحرين سواء للمستقلين أو للقوائم الانتخابية للكتل السياسية، إذ كانت شأناً أو محوراً فرعياً ضمن قضاياً أكثر تعقيداً.
بذخ... إعلانات... تشويه صور متعمد
كان الانطباع الأبرز لدى كل من زار الكويت في فترة الانتخابات هو مظاهر البذخ الكبير والصرف اللامحدود من قبل المترشحين، جنباً إلى جنب مع ما تردد من شراء الأصوات والفساد الانتخابي. تردد مثلاً عن أن بعض الخيام الانتخابية تراوحت قيمة تأجيرها بين 20 و30 ألف دينار كويتي، فيما كانت الخدمات المقدمة في كل مكان «خمس نجوم»، فسيارات ملاعب الغولف موجودة لنقل الناخبين إلى مقر الانتخاب، ويتم توفير سيارات أجرة لمن لا يجد مواصلات للحضور والتصويت. وتمت الاستعانة بمكاتب متخصصة لترتيب الحملات الانتخابية لديها فرق مدربة ومتخصصة في مثل هذه المناسبات.
أما في البحرين فتفاوتت المبالغ التي دفعتها المترشحات على حملاتهن الانتخابية حتى الآن، إذ تراوحت بين 20 و35 ألف دينار بحريني، فيما تراوح مستوى الخيام الانتخابية اطراداً بين المترشحات، لكنه لا يقارن بطبيعة الحال بمظاهر البذخ الكبيرة التي قدمت في الحملات الانتخابية للمترشحات الكويتيات نتيجة الفارق في المستوى المادي. جاء ذلك على رغم الدعم القانوني الذي يقدمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبر المجلس الأعلى للمرأة بتخصيصه مبلغ 3 آلاف دينار تدفع لكل المترشحات دعماً فنياً لما يصرفنه على حملتهن الانتخابية من إعلانات وما شابه، وتميزت هذه الإعلانات والبروشورات بجودتها إجمالاً، إذ غزت صور المترشحات الشوارع جنباً إلى جنب مع المترشحين الرجال، تعرض بعضها للتكسير والتخريب بفعل عشوائي، وشهدت واحدة من المترشحات فقط حادث تشويه لصورتها في الإعلان الانتخابي في الشارع بتركيب «لحية وشارب» لها، غير أن هذا الحادث «اليتيم» لا يقارن بما تعرضت له صور المترشحات الكويتيات من تشويه مبالغ فيه، حتى أن عدداً من المترشحات عزفن عن تعليق صورهن في الشوارع واكتفين بوضعها على نشرات تحوي برامجهن الانتخابية
العدد 1537 - الإثنين 20 نوفمبر 2006م الموافق 28 شوال 1427هـ