ما أتحفتنا به الناطقة الرسمية باسم اللجنة العليا للانتخابات، وهو بالمناسبة منصبٌ مؤقتٌ لن يدوم كما تقتضيه طبيعة التسمية، من تصريحاتٍ متشنجةٍ تفتقر إلى أدنى درجات الكياسة والسياسة، تدفع إلى مناقشة معايير التعيين في المناصب الرسمية التي تكون على تماسٍ كبيرٍ مع الجمهور والصحافة ووسائل الإعلام، حتى لو كانت مؤقتة.
فمنصب «الناطق» باسم اللجنة العليا للانتخابات ليس منصباً شرفياً، وليس موقعاً لاستعراض العضلات أو محاولة إثبات «شدّة» الموالاة للحكم، في وقتٍ ينبغي أن يتوفر «الناطق» على درجةٍ مقبولةٍ من الحياد والشفافية وسعة الصدر، في مرحلةٍ تتركز فيها الأنظار على البلد في فترة الانتخابات.
النجاح في وظيفة «صحافي» بمجلة اقتصادية محدودة الانتشار، لا يؤهل الفرد أوتوماتيكياً لاحتلال منصب الناطق باسم لجنةٍ عليا للانتخابات فضلاً عن النجاح فيه. الدورات التأهيلية للحصول على شهاداتٍ في العلاقات العامة، هي الأخرى لا تؤهّل الفرد أوتوماتيكياً لشغل مثل هذا المنصب، كما لا تؤهله إجادة اللغة الانجليزية لنقول للعالم: عندنا «ناطقة رسمية» من النساء، لتجيد مخاطبة الوفود الأجنبية الزائرة بطلاقة، فالأولى أن تجيد مخاطبة الشخصيات الوطنية وتحاور الجمعيات السياسية لتزيل شكوكها، لا أن تهدّدها بالنيابة العامة والمقاضاة كما كان يجري في العهد السابق.
المعيار الأول المفترض توافره لشاغل هذا المنصب هو الحياد، ليقف على مسافةٍ واحدةٍ من أطراف اللعبة السياسية، لا أن يتحوّل إلى خصمٍ وحكَمٍ في لحظةٍ واحدة.
اللغة الاستفزازية نفسها كانت تفتقر إلى اللباقة التي يتطلبها المنصب، فكلمة «اصمتوا» التي تصدّرت التصريح لم تكن لائقة على الإطلاق، وخصوصاً أنها تخاطب الجزء الأكبر من المجتمع السياسي الذي أفرزته قوى الشعب والمجتمع المدني، و90 في المئة من المترشحين (مستقلون أو منتمون لجمعيات مختلفة)، عدا تلك الجمعيتين المواليتين المدعومتين حكومياً.
كلمة «اصمتوا» التي استخدمت طوال ثلاثين عاماً، لإسكات الناس وقمع الأصوات وملاحقة الشخصيات الوطنية، هي أبعد ما تكون عن روح الإصلاح والانفراج السياسي.
ثم إن ذاكرة الشعب ليست من النوع المثقوب، فالناس لم تنسَ ما قرأته قبل شهرين عن خلفيات الجمعيات السياسية والحقوقية المشبوهة التي جرت فبركتها وتمويلها من المال «الفري فيزا»، لمناكفة الجمعيات السياسية والحقوقية الحقيقية، وإرسال الوفود من كَتَبَة التقارير المخابراتية إلى المنظمات الدولية، فقط لمجرد المناكفة والتهويش.
الجمعيات السياسية والشخصيات المستقلة التي اعترضت على ظاهرة المراكز العامة مازالت تنتظر إجابات مقنعة، لا تهديدات بالنيابة العامة. فمثل هذه المراكز العامة التي ابتدعناها في البحرين لا توجد في بلدان العالم الأخرى، فهل رأيتم مركزاً انتخابياً في مجمع تجاري كما في السيف؟ هل رأيتم مراكز انتخابات في الجسور أو حلبات سباق السيارات؟ هل هناك احترامٌ للمعايير الدولية للانتخابات في مثل هذه الحال؟ وإذا كانت مقبولةً في انتخابات 2002 التي واجهت مقاطعةً شعبيةً واسعةً، فأيّ مبررٍ لاستمرارها في ظل مشاركة الأطياف السياسية عامة؟
لنعترف أن هناك إشكالات، وهناك نواقص وثغرات في نظرية «المراكز العامة»، لم تفلح الحكومة في إقناع الرأي العام بفائدتها، ولا يمكن إسكات الأصوات الناقدة بالتهديد بالنيابة العامة، فلا يمكن أن تقنع أحداً بأن المراكز العشرة من أجل تقريب المسافات، بينما لا تزيد المسافة بين مركزين منها (السيف ومركز البحرين للمعارض) على 300 متر فقط! أو بين صالة وزارة «التربية» وجمعية رعاية الطفل والأمومة؟ أو أن سببها الازدحام، في حين لا يوجد أي مركز عام في أكثر المحافظات ازدحاماً بالسكان (الشمالية)؟
«الناطقة» باسم لجنة الانتخابات منصبٌ مؤقتٌ لن يدوم، وهناك شكوكٌ بشأن النيّة المبيّتة بالتزوير والتلاعب، تحتاج إلى حججٍ مقنعةٍ وتطمينات، وإلى لغةٍ سياسيةٍ هادئةٍ وعقلانية... وكفانا تهديدات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1537 - الإثنين 20 نوفمبر 2006م الموافق 28 شوال 1427هـ