العدد 1537 - الإثنين 20 نوفمبر 2006م الموافق 28 شوال 1427هـ

حدود الاختلاف والاتفاق بين الجمهوري والديمقراطي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منذ الانتخابات التشريعية النصفية دخلت الولايات المتحدة فترة قلقة تقوم على قاعدة توازن السلطات بين الرئاسة والكونغرس. وهذا النوع من التوازن ليس جديداً على أميركا فهي مرت في حالات مشابهة في عهدي رونالد ريغان وبيل كلينتون وغيرهما من الرؤساء. إلا أن هذه المرة تختلف نسبياً عن الحالات السابقة بسبب الانقسام الحاد الذي يسيطر على مؤسسات الدولة والتوجهات التي يجب أن تتخذها الإدارة في ظروف يشهد فيها العالم موجة مضادة لسياسة تيار «المحافظين الجدد».

شكل هذا التيار خلال السنوات الخمس الماضية ايديولوجية انقلابية قادت الدولة إلى حروب خارجية فرضت على الإدارة اتخاذ سلسلة تدابير أمنية داخلية وضعت دافع الضرائب تحت المراقبة والملاحقة بذريعة حمايته من شبكات «الإرهاب». كذلك أقدمت الإدارة على إهمال الكثير من القطاعات المدنية وأعطت أولوية للتوظيفات في قطاعي التصنيع الحربي والطاقة. وبسبب هذا التوجه الانقلابي بات القطاع العسكري يقود سلسلة حلقات الإنتاج الصناعي على حساب الاستثمار المتوازن في القطاعات الأخرى.

الولايات المتحدة الآن ليست كما كانت عليه قبل خمس سنوات فهي تغيرت بنيوياً ولم يعد بإمكان الحزب الديمقراطي إعادة عقارب الساعة بسهولة إلى الوراء ومن دون دفع كلفة عالية لتفكيك نظام الأولويات الذي اتبعته إدارة جورج بوش خلال فترة رئاسته. فعملية التفكيك تحتاج إلى وقت وهذا يعني أن الحزب الديمقراطي سيضطر إلى تقديم تنازلات للحزب الجمهوري للتفاهم معه على حلول وسط تضمن صيرورة الدولة لمنع الانكسارات السياسية التي لابد أن تحصل في حال قرر الديمقراطيون إعادة النظر بسرعة في برنامج الأولويات الجمهوري.

الأولوية للحزب الجمهوري هي التركيز على القطاعين العسكري والنفطي لتغذية سياسة الحروب التي انتهجتها إدارة «البيت الأبيض». وهذه الأولوية تتعارض مع نهج الحزب الديمقراطي الذي يعطي القطاعات المدنية اهتمامه ورعايته بسبب تغليبه الحاجات الصحية والتربوية والاجتماعية على حساب الحقول الأخرى. مثلاً نجح الرئيس الديمقراطي كلينتون في خفض موازنة وزارة الدفاع خلال ثماني سنوات من عهده من 365 مليار دولار كما كان الأمر في عهد سلفه جورج بوش (الأب) إلى 265 مليار دولار وهذا ما أدى إلى تحقيق وفر في الخزانة وصل إلى 50 مليار دولار في السنة الأخيرة من عهده. وحين رحل كلينتون من واشنطن وجاء بوش (الابن) رفع موازنة الدفاع بذريعة حماية الأمن القومي إلى 365 ملياراً ثم إلى 385 ملياراً ثم 407 مليارات وأخيراً 416 مليار دولار. وجاء الانفاق العسكري المتضخم على حساب القطاعات الصناعية المدنية الأخرى فأدى الأمر إلى نمو التصنيع الحربي وقيادته سلسلة الحقول الإنتاجية الأخرى مضافاً إليه وقوع الخزانة في عجز مالي بلغ المليارات من الدولارات.

هذه الأرقام ستضع الحزب الديمقراطي في موقع صعب وخصوصاً انه يسيطر فقط على نصف السلطة بينما لايزال بوش يمسك بزمام النصف الآخر من الإدارة لمدة لا تقل عن سنتين. وبسبب هذا الواقع سيضطر الديمقراطيون التعامل بمرونة مع الجمهوريين لحفظ توازن الصلاحيات في سلطة تمر في حال من الازدواجية.

ازدواجية السلطة

«ازدواجية السلطة» ستفرض على الإدارة حالات من التوازنات السلبية والايجابية. كذلك سيمر الكونغرس بنوع من الأخذ والرد للتفاهم مع رئيس يدعي انه يأخذ الأوامر والتعليمات من «الأعلى» وهو يقوم بمهمة إنسانية لإنقاذ البشرية من التخلف والضياع. وهذا النوع من الرؤساء بحاجة إلى وقت لإقناعه بضرورة تفكيك ايديولوجيته التافهة والسخيفة وخصوصاً حين يأتي النقاش إلى مواضع لا تختلف وجهة نظر الديمقراطي كثيراً عن آراء الجمهوري. فالاختلاف بين الطرفين متعدد الوجوه إلا أنه يتقلص كثيراً حين يصل الكلام إلى أمن «إسرائيل» وحماية حقول النفط وتأمين الطاقة للصناعة الأميركية وحفظ مكانة الولايات المتحدة في إطار التنافس الدولي على زعامة العالم السياسية.

تقلل هذه النقاط كثيراً من «ازدواجية السلطة» وتصبح إمكانات التفاهم عليها واتخاذ مواقف مشتركة بشأنها سهلة وخصوصاً أن لوبيات (مافيات) النفط والتسلح ومسايرة «إسرائيل» تتمتع بتأييد من جمهور الحزب الديمقراطي الذي بات الآن يسيطر على الكونغرس بغرفتيه. وهذا يعني أن احتمالات التسوية بين الإدارة والكونغرس واردة في حال قدم الجمهوري تنازلات داخلية مقابل تنازل الديمقراطي عن اعتراضاته على سياسة واشنطن الخارجية.

مثلاً الجمهوري يمكن أن يتراجع عن سياسة تضخيم موازنة الدفاع مقابل تحسين موازنات وزارات الصحة والتربية. والديمقراطي يمكن أن يقبل بهذا التراجع مقابل تمرير بعض السياسات الخارجية التي تضمن مصالح الولايات المتحدة النفطية وتلبي حاجات «إسرائيل» الأمنية. وفي حال تمت التسوية على هذا الأساس فمعنى ذلك أن بوش كسب فترة سماح تعطيه صلاحيات المناورة وربما التحرك بمرونة في الخارج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في دائرة «الشرق الأوسط».

هذا الاحتمال يمكن توقعه، ولكنه لن يكون في أي حال من الأحوال كما كان عليه وضع بوش قبل الانتخابات النصفية. فالديمقراطي قد يساعد الإدارة على البحث عن مخرج معقول لمعالجة الملف العراقي، ولكنه لن يذهب بعيداً إلى حد تمرير موازنة جديدة لتغطية نفقات حرب جديدة وما تتطلبه من مخصصات إضافية. والديمقراطي قد يساعد بوش في تدبير سياسة تشكل مخرجاً متوازناً لمعالجة الملف النووي الإيراني، ولكنه في الآن سيتفق معه على حماية أمن «إسرائيل» وضمان النفط في المنطقة في حال خرج الموضوع عن نطاق السيطرة. فالديمقراطي في هذا المجال لا يختلف كثيراً عن الجمهوري فهو ضد استمرار الحرب على العراق ويطالب بتحديد جدول زمني للانسحاب، ولكنه يؤيد بوش في سياسة الانحياز لـ «إسرائيل».

تعتبر هذه المسألة نقطة مركزية لاختبار مدى نجاح «ازدواجية السلطة» في تشكيل استراتيجيه أميركية مشتركة يقودها الثنائي الجمهوري/ الديمقراطي. فهل الديمقراطي مستعد للتخلي عن سياسة تقليدية اتبعتها واشنطن منذ تأسيس دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين أم هو سيعيد إنتاج مواقف شكلت نقاط توتر دائمة بين شعوب المنطقة والولايات المتحدة؟

هذه المسألة تعتبر مفصلية لقراءة مدى الاختلاف والاتفاق بين الجمهوري والديمقراطي. فهي المحك ونقطة الاختبار الفعلية. فالتغيير الحقيقي يبدأ من هنا بينما كل النقاط الخلافية الأخرى يمكن تجاوزها أو التفاهم عليها. فالجمهوري يمكن أن يلتقي مع الديمقراطي في تليين المواقف من أوروبا وتعديل العلاقة مع روسيا والموافقة على دخولها منظمة التجارة الدولية. والديمقراطي يمكن أن يلتقي مع الجمهوري في التعامل مع الملف النووي الكوري وربما الانسحاب التدريجي من العراق. إلا أن هذه النقاط المهمة ليست مفصلية لترسيم حدود الاتفاق والاختلاف بين الحزبين. المهم ماذا عن الملف النووي الإيراني وكيف سيتم التعامل معه حالياً وفي المستقبل؟ والأهم ماذا عن فلسطين وحقوق شعبها؟ من هنا يبدأ فعلاً التغيير. وإذا نجحت «ازدواجية السلطة» في تعديل كل الزوايا وبقيت زاوية فلسطين والنفط والإسلام تراوح مكانها فمعنى ذلك أن التغيير لم يحصل وسيبقى «الشرق الأوسط» عرضة للاختبارات العسكرية والسياسية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1537 - الإثنين 20 نوفمبر 2006م الموافق 28 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً