يصل المصعد إلى الطابق الخامس عشر, أعلى طابق في مبنى المؤسسة, وينفتح الباب لتبان من بين الضباب غابة مملوءة بالأشجار والنباتات المختلفة، وطبعاً، الديناصورات. وتكاد أن تسمع موسيقى فيلم جراسك بارك، وتتخيل الممثل ريتشارد أتنبوره مؤشراً إلى العالم الغريب الذي هو الطابق الخامس عشر... «مرحباً بكم في جراسك بارك».
عكس الخيال العلمي، لا يصعب علينا إيجاد «الطابق الخامس عشر»، أو العشرين أو المئة في مباني مؤسساتنا. فهي طوابق تبقى مصدر أمل, خيبة أمل، حب، كراهية، سياسة وأساطير مختلفة تجعل كبار كتاب هوليوود يشعرون بعقدة النقص. ترى ما هي هذه الطوابق التي نتحدث عنها؟ هي تلك التي نجدها عادة في مؤسسات مملوكة من قبل أجهزة حكومية. فقد تكون مصنع مواد خام أو مصرف، و نجد بأن كل حكومة مساهمة في المشروع لديها «رجال مصالحها» في المناصب العليا.
ليس الغريب وجود هؤلاء الرجال, لكن الغريب هو أن يبقوا في مناصبهم لفترات طويلة غير محددة على رغم تشبثهم بأمور العمل. لا بأس بأن يتحملوا مسئوليات مناصبهم عن جدارة وبسبب قدرتهم على قيادة المؤسسة إلى فعالية وربحية أكبر. لكن بمجرد تصفح بعض التقارير السنوية لبعض المؤسسات, نجد أن الجدارة والقدرة أخذتا إجازة طويلة، فليس هناك ما يبشر بالخير. ونجد الصورنفسها لهؤلاء المديرين تستخدم منذ خمس أو عشر سنوات على صفحات التقرير.
ما هو السبب بأن يكتسب أولئك الناس مناصب عالية من دون أن يبرهنوا قدرتهم على القيادة سنة بعد سنة؟ الأسباب كثيرة وعديدة، لكن دعنا أولاً توضيح أمر المصالح الحكومية. كل حكومة مساهمة في مشروع ما، تريد أن يكون لديها تحكم ليس فقط من الخارج عبر مجلس الإدارة، بل أيضاً عبر المديرين في المناصب الرئيسية. و لدينا أكثر من حكومة، ولدينا أكثر من منصب متشابه يسعى إلى تنفيذ قرارات حكومته. العجيب في الأمر هو أن هذا لا يشكل محنة في الوصول إلى قرارات يرضى بها مجلس الإدارة. ربما هي إحدى معجزات إدارة شركات المنطقة، إذ الأمور تعمل مهما بانت غير منطقية. (بحسب توضيح البعض، عادة ما يشغل المناصب المتقاربة مديرون لا يملكون كلمة «لا» ضمن معجمهم, و دائماً يتقبلون الأمور من مدير أو آخر).
وأما بالنسبة للأسباب التي تجعلهم يبقون في تلك المناصب لفترات طويلة بينما تتوجه المهارات الشابة والذكية إلى مؤسسات أخرى, هي شخصية وسياسية. بالنسبة للشخصية، فنجد بأن أكثرية هؤلاء المديرين تحجروا في مناصبهم وخبراتهم, مما يجعلهم غير قادرين على اتخاذ تحد آخر في مؤسسة جديدة، ويسودهم شيء من الخمول إذ لا يعملون إلا على توظيف قرارات دولتهم المساهمة. أما بالنسبة للسياسية، فهي مشتقة مما ذكر أعلاه، حيث يبقى رضى الوطن الأم أكبر من أي شيء آخر.
للأسف أن يبقى المرء على هذه الشاكلة، فالكثير من تلك المؤسسات يمكنها أن تضع فيها دماءً جديدة تنبض بروح متجددة كل خمس أو عشر سنوات, إذ تفعل قرارات مرنة متواصلة مع العالم الاقتصادي الحر بدلاً من تنفيذ سياسات الدول المساهمة. الأن لم يبق لدينا سوى أن يبرهن الزمن بأن الوقت قد حان لإغلاق الحديقة الجراسية
العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ