العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ

المجتمع السعودي... المسارات الأربعة والنهايات المرعبة

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

مواطن سعودي في الخمسين من عمره، يخرج إثر خلاف بينه وبين عائلته إلى إحدى الشقق المفروشة بحي الزهور بالدمام، يمزّق ثوبه، ويربط أحد أطرافه بحامل التلفاز في الشقة، والطرف الآخر برقبته وينتحر. يترك هذا السعودي رسالة لأبنائه يخبرهم فيها، انه أقدم على الانتحار بمحض إرادته، ويبلغهم أسفه لعدم تمكنه من توفير متطلباتهم الأسرية بما يرضيه ويرضيهم، هذا الخبر نشرته صحيفة «اليوم» الثلثاء 14نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل 4 أيام من رؤية هذا المقال للنور.

نحن مقبلون على مرحلة سيحسم فيها الكثير من الناس الذين تضغطهم الحياة أمورهم، وسيقررون قرارهم المصيري والأخير، فالوضع مرهق، والمسئوليات كثيرة، والحياة لا ترحم. لن تكون هناك سعة في التخلف عن اتخاذ القرار، ولن يكون هناك متسع لمحاولات الترميم، فالضغوط هائلة السرعة ومتعددة الأوجه، وساعات الإنسان وجهده والتزاماته لن تمكنه من مصارعتها والوقوف بوجهها.

نعم، سيكون الإنسان حراً في اتخاذ منحى القرار ومساره وجهته، وسيكون القابض على دينه في قراره وتوجهه كالقابض على الجمر، جراء ضغط الواقع وإلحاح طلبات الحياة وضروراتها.

وبنظرة متفائلة إلى أبعد الحدود، ومتكلة على الله كل الاتكال على رغم هول الواقع وإفرازاته الخطيرة، سأكتب بعض ما أتصوره لتقريب صورة الغد القريب، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. إنني أتوقع انقسام المجتمع إلى مسارات متعددة لتجاوز أزماته الاقتصادية والتي آخرها أزمة الأسهم وما أدراك ما تلاعب الأسهم.

بدءاً ستتلاشى الطبقة الوسطى، وسيكون المجتمع بغالبيته بين طبقتين، الأولى هي الغنية والمرفهة، والثانية هي الطبقة الفقيرة والمرهقة، وستنحل الطبقة الوسطى لتتجه غالبيتها باحثة عن موقع مقبول في الطبقة الفقيرة، فقد أجهزت سوق الأسهم على ما بقي عند الطبقة الوسطى من خير تماماً، وأصبح قسم كبير منها مغموراً بالديون والمطالبات التي تمنعهم من الرقاد والاستلذاذ بمتع الحياة ومباحاتها.

سأترك الحديث هنا عن الطبقة المرتاحة فهي في خير وسعادة، زادها الله مما عنده ووفقها للخيرات، وسأكتب عن الشق الآخر من المجتمع وهم طبقة الفقراء، والمضغوطين، والمساكين. طبقة الأزمة المقبلة التي بدأت بعض ملامحها تظهر على صفحات المجلات والصحف.

أعود لأقول إنني أتصور توجه المجتمع لأربعة مسارات، هي بين يديك أيها القارئ، مع ملاحظة أن النسب المذكورة ليست نسب لمتخصص ولا لخبير، بل هي نسب لمتفائل.

المسار الأول: 90 في المئة من المنتمين لطبقة الفقراء والمعوزين ستقرر مسارهم تربيتهم الدينية، وقيمهم التي رضعوها في المهد، وسيكونون بين مسلّم أمره إلى الله وصابر، لا يملك لتغيير وضعه حيلة، وليس له لذلك قدرة ولا سبيلاً، وبين مسلّم أمره إلى الله لكنه يَجِدُ ويحاول من جديد أن يتشبث بالأمل والتفاؤل والعنفوان الذي عنده، عسى أن يغير الله حاله إلى أحسن حال هذا السلوك ليس غريباً من أبناء المجتمع السعودي، فذكر الله سبحانه وتعالى حاضر على الألسن، والإيمان به يسبق كل شيء في هذا المجتمع الطيب. هذا الإيمان بالله سبحانه لن يمنع بعض هؤلاء الـ90 في المئة من مرافقة السجن بسبب الديون ومطالبة الغرماء، ولن يمنع عن صغارهم وأولادهم ألم الحاجة وأزماتها.

المسار الثاني: سيتجه قسم من الباقي من الـ (10 في المئة) إلى الجريمة، وأعني هنا السرقة تحت ضغط الحاجة، وفي السرقة هذه لن يفرقوا بين صغير وكبير، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين المنازل والمحلات التجارية، و كتبت صحيفة «الرياض» قبل نحو 4 أشهر عن القبض على أخطر عصابة تقوم بسرقة حقائب النساء.

سيكون الدافع في اختيارهم لهذا لطريق هو الحاجة، لكن لن تلبث هذه الحاجة حتى تتحول إلى احتراف لا يرحم، وربما يحوّلها إلى جرائم منظمة وعصابات متعاونة.

المسار الثالث: والذي سيتحرك فيه قسم من الـ(10 في المئة) هو زيادة المهن والحرف المحرمة شرعاً وأخلاقاً وقانوناً، إذ ستكثر مصانع الخمور ويكثر مروجوها، وتزداد مهنة التهريب للمخدرات ولكل محرم، وتنشط عمليات التزوير والغش، وسيتم ذلك كله في إطار البحث المستميت عن المال لتلبية الحاجة، دون النظر إلى الوسائل أو الطرق إن كانت محرمة أم مباحة. ويدخل في هذا السياق ما تطالعنا به صحفنا بين اليوم والآخر حول المداهمات التي يقوم بها رجال الأمن على أوكار الدعارة ومصانع الخمور، وعصابات التزوير.

المسار الرابع: وهو كذلك من نصيب الـ(10 في المئة) الباقية والتي ستختار وضع حد لحياتها وستقدم على الانتحار، وذلك بسبب فقدان الأمل في العيش الكريم، وعدم القدرة على التماشي مع مستلزمات الحياة وضغوطها المستجدة، والشعور الداخلي بانسداد الطرق نحو وضع حياتي أفضل، وبالتالي الدخول في نفق الإحباط ليصل الإنسان إلى الحل الدائم والمريح (من وجهة نظره) وهو الانتحار، بعد أن تفقد الحياة عندهم معناها، أو تصبح متساوية مع الموت، أو ترجح في النفس رغبة الموت على حياة العذاب والفقر.

بين كل المسارات المذكورة والمحصورة في الـ10 في المئة الباقية، سيتجه قسم كبير لعيادات الطب النفسي، وبعضهم للمشعوذين الذين يتكاثرون في ظروف القهر والجهل والفقر، وفي غمرة كل ذلك ستنتهي أسر بكاملها وتتمزق عوائل، وسينتج عن ذلك ما ينتج. إننا أمام أزمة عاصفة وعنيفة ربما تحركها سوق الأسهم المتهاوية بسرعة أعلى، وحينها سيكون الدمار غير متوقع لكنه سيفوق الخيال، آمل أنني كنت متفائلاً

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً