العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ

النزاهة والعدالة والشفافية في الانتخابات

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يدور جدل حامٍ هذه الأيام في بلادنا حول مدى توافر شروط النزاهة والعدالة والشفافية للانتخابات النيابية والبلدية التي ستجرى في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. فهل هناك اشتراطات متعارف عليها دولياً لضمان نزاهة وعدالة وشفافية الانتخابات العامة؟

يمكن القول إنه لا توجد اشتراطات مدوّنة متعارف عليها دولياً لضمان نزاهة وعدالة وشفافية الانتخابات العامة ،سواء في صورة اتفاق دولي أو غيره، لكن هناك شروط متعارف عليها دولياً، تكرّست من خلال الممارسة لضمان نزاهة وعدالة وشفافية أية انتخابات عامة.

الانتخابات بمعايير الأمم المتحدة

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (21) الفقرة (3) إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين بالتصويت السري أو بإجراء مماثل من حيث ضمان حرية التصويت.

وجرى تأكيد ذلك في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه مملكة البحرين هذا العام وبذلك أضحى جزءاً ملزماً من تشريعاتها، فقد جاء في المادة (25):

يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة (2) الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:

(أ) أن يشارك في إدارة الشئون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.

(ب) أن يَنتخِب ويُنتخَب، في انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.

إذاً، فإن من أهم معايير تجلي إرادة الشعب في الحكم هو من خلال انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام، واشترط لكي تكون هذه الانتخابات نزيهة ومعبّرة عن الإرادة الشعبية أن تجرى بالاقتراع العام وبالتصويت السري وأن يكون لكل ناخب صوت واحد (المساواة بين الناخبين) رجلاً كان أو امرأة.

واستناداً إلى هذه المعايير، وبعد انتهاء الحرب الباردة في العام1991 وفي ضوء التوجهات الجديدة للأمم المتحدة فقد استحدثت الأمم المتحدة إدارتين تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة وهما:

-1 إدارة المساعدة والإشراف أو مراقبة الانتخابات.

وتنهض هذه الإدارة بمساعدة من يرغب من الدول المتجهة إلى الديمقراطية على تدريب موظفيها على التنفيذ والإشراف على العملية الانتخابية بجميع مراحلها مثل قيد الناخبين ووضع جداول الناخبين، وإعداد مراكز الاقتراع، وإجراء الاقتراع ذاته، وفرز نتائج الاقتراع، وإعلان النتائج، وتلّقي الطعون والبت فيها.

كما تقوم هذه الإدارة بمساعدة الدول على تطوير تشريعاتها المتعلقة بالعملية الانتخابية، لتكون متوافقة مع متطلبات الأمم المتحدة والمستويات الدولية، وتوفر هذه الإدارة للدول الراغبة، إشراف الأمم المتحدة على هذه الانتخابات إما إشرافاً كاملاً أو جزئياً ومراقبة هذه الانتخابات بمستويات متفاوتة.

-2 إدارة دعم الحكم الصالح والديمقراطية.

وهذه الإدارة معنية بمساعدة البلدان الراغبة في التحول نحو الحكم الصالح والديمقراطية بوسائل مختلفة.

وفعلاً، فقد أسهمت الأمم المتحدة منذ إنشاء إدارة المساعدة والإشراف ومراقبة الانتخابات في العملية الانتخابية للعشرات من البلدان، فقد أشرفت إشرافاً كاملاً على الانتخابات التأسيسية لتيمور الشرقية، وساعدت عدداً من الدول ومنها عربية سواء في إعداد الكوادر المشرفة على الانتخابات أو في مراقبة هذه الانتخابات كما جرى في العراق ولبنان واليمن حديثاً.

وإذا ما انتقلنا إلى مملكة البحرين، فإنه من الغريب ألا تستعين حكومة البحرين بالأمم المتحدة وخبرائها وهي مجانية ومتوافرة سواء في صوغ التشريعات المتعلقة بالعملية الانتخابية أو في تدريب الموظفين الرسميين المشرفين أو العاملين في العملية الانتخابية. ولكنها في الوقت ذاته استعانت بقانونيين وسياسيين من الأردن ومصر لسن التشريعات المتعلقة بالحقوق السياسية والدوائر الانتخابية والعملية الانتخابية، والتي ثبت أنها لا تتماشى مع المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة، والممارسات المعترف بها دولياً في الدول الديمقراطية.

كلنا يعرف أن مبدأ الصوت الواحد للناخب الواحد غير معمول به في البحرين، فصوت واحد في منطقة يعادل عشرات الأصوات في منطقة أخرى، كما أن هناك متطلبات لنزاهة الانتخابات يجب توافرها وهو ما سنناقشه لاحقاً.

متطلبات نزاهة الانتخابات وعدالتها

إن من أخطر ما تعانيه الدول التسلطية هو تماهي سلطة الحكم مع سلطة الدولة، بمعنى تسخير إمكانات الدولة للإبقاء على سيطرة الحاكمين وتحكمهم بالدولة. وقد تكرس في الدول العربية نوعان من الحكم: إما حكم الأسر الملكية الحاكمة أو الأسر الجمهورية الحاكمة. وقد أطلق على الأخير تعبير «الجملكة».

وإذا كان القسر لوحده هو الوسيلة والأسلوب لإبقاء السيطرة، فقد أضحت الحاجة حديثاً إلى أشكال من «الديمقراطية» تسبغ على الحكم مشروعية، وتنفس الاحتقان الشعبي حتى لا يتحول إلى مقاومة عنيفة.

من هنا، فإن غالبية الأنظمة التسلطية تلبس قفازاً حريرياً اسمه الديمقراطية الشكلية، لكن هذا النظام الديمقراطي الشكلي لا يؤدي إلى تداول للسلطة، ولا إلى إشراك الشعب من خلال ممثليه المنتخبين في سلطة إدارة البلاد والرقابة على السلطة التنفيذية، وتوجيه موارد البلاد للصالح العام، بل إلى إدامة سيطرة الحكم، وإلهاء الشعب من خلال لعبة الديمقراطية ومن بينها الانتخابات.

إذاً، فالعبرة في التحول الديمقراطي الحقيقي هي في انتقال سلطة الحكم تدريجياً إلى المؤسسات الديمقراطية وفي مقدمتها سلطة البرلمان المنتخب مباشرة من قبل الشعب، إلى جانب المؤسسات الأخرى مثل السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والتي بدورها تستند إلى حكم الأغلبية، وتبقى سلطة رأس الدولة حكماً محايداً بين السلطات.

لذلك، فإن في مقدمة متطلبات انتخابات نزيهة وحرة، تشكل آلية للديمقراطية الحقيقية هو في تحييد الدولة تجاه القوى المتنافسة في الانتخابات، ومن أهم وأخطر مؤسسات الدولة التي يجب تحييدها القوات المسلحة والأمن والمخابرات والسلطة التنفيذية بمجملها، بما تمتلكه من نفوذ على مستخدميها وعلى المواطنين وما تمتلكه من وسائط إعلام مؤثرة.

إن أعرق الأنظمة الديمقراطية المستقرة تحرص على عدم انحياز أي من أجهزة الدولة إلى السلطة الحاكمة أو الحزب الحاكم. لذلك، فإن غالبيتها المطلقة لا تسمح للعسكريين (جيش أمن ومخابرات) بالتصويت في الانتخابات، بل إن بعضها يحرص على أن ترابط في ثكناتها خلال الانتخابات أو الاستفتاءات، وهذا مطلوب أكثر في الدول النامية كدولنا، حيث اندماج الأجهزة العسكرية والأمنية بالسلطة الحاكمة واستخدامها المتكرر في حسم الصراعات على الحكم.

الهيئة المشرفة على الانتخابات

وفي غالبية البلدان الديمقراطية فإن الهيئة المناط بها الإشراف على الانتخابات هي هيئة مستقلة، وإن كان التنفيذ يتم من خلال أجهزة وزارة الداخلية، وقد رأينا أنه حتى في بلد ديمقراطي عريق مثل الولايات المتحدة فقد كان للقضاء الكلمة الأخيرة في تأكيد فوز بوش ضد منافسه آل غور في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة.

وإشراف القضاء يتطلب وجود قضاء نزيه ومستقل عن سلطة الحكم، وهذا ما لا يتوافر في معظم أجهزة القضاء في الدول العربية، ولكن يظل إشراف القضاء أفضل من الأجهزة التنفيذية الأخرى. وقد رأينا تجربة القضاء في مصر في الإشراف على الانتخابات العامة، ونضال قضاة مصر من أجل إشراف كامل على العملية الانتخابية وليس على مراكز الاقتراع فقط.

هناك بلدان تشكل فيها هيئات مستقلة للإشراف على الانتخابات... وإذا أخذنا اليمن نموذجاً، فإن الإشراف على الانتخابات مناط بالهيئة العليا للإشراف على الانتخابات وهي هيئة دائمة مشكّلة من شخصيات مستقلة، إضافة إلى مندوبي الأحزاب المرخص بها.

بالنسبة إلى البحرين، فإن الهيئة العليا لسلامة الانتخابات فإنها برئاسة وزير العدل وعدد من القضاة، لكن هذه الهيئة محكومة بصلاحيات محددة بحيث لا تجعلها مطلقة في خياراتها، كما تتداخل صلاحياتها مع الجهاز المركزي للإحصاء والذي تحوم حوله شكوك قوية بالتلاعب بسجلات الناخبين، وخصوصاً ما يعرف بالكتلة الانتخابية المتحركة.

إن سلامة الإشراف على العملية الانتخابية لا تقتصر على مراقبة الإدلاء بأصوات المقترعين وفرز الأوراق وإعلان النتائج فقط، بل يجب أن تشمل العملية برمتها، أي أن تبدأ بتسجيل الناخبين والتأكد من صحة بياناتهم، وتسجيلهم في دوائرهم الانتخابية والإعداد للانتخابات، بما في ذلك مراكز الاقتراع، ثم الإشراف على الانتخابات ذاتها، وما بعد الانتخابات في فرز الأصوات وإعلان النتائج وتلقي الطعون.

كذلك الأمر بالنسبة إلى المترشحين للانتخابات، أي تتبع كل الخطوات المطلوبة لتثبيت المرشحين. بالنسبة إلى مملكة البحرين، فإن مهمة تسجيل الناخبين والتأكد من صحة بياناتهم وتوزيعهم على دوائرهم قد أنيطت بالجهاز المركزي للإحصاء، والذي سلّمها بدوره إلى اللجنة العليا لسلامة الانتخابات، وهو ما لا يجب أن يكون.

مراقبة الانتخابات لضمان نزاهتها وشفافيتها

أضحت مراقبة الانتخابات من قبل ليس فقط مندوبي المرشحين، بل أيضاً من قبل هيئات مستقلة، شرطاً لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها وصدقيتها وهنا أيضاً، فإن مراقبة الانتخابات لا تقتصر على مراقبتها يوم الانتخابات، بل تبدأ أيضاً مع وضع قيد سجل الناخبين والتأكد من سلامة هذا القيد، وأن المسجلين هم فعلاً من يحق لهم التصويت، وتصحيح سجل القيد وتوزيع الناخبين على دوائرهم الانتخابية، وهذا يتطلب وقتاً كافياً وشفافية من قبل الهيئة المختصة.

لقد أعطت الهيئة العليا لسلامة الانتخابات في البحرين، أسبوعين فقط للمترشحين للتأكد من سلامة قيد الناخبين كلاً حسب دائرته فقط، والمشكلة هي أن المعلومات الواردة في هذه القوائم عن الناخبين غير كافية، أي أنه يسكن في دائرة انتخابية كذا، وإذا تصورنا أن بعض الدوائر الانتخابية تضم 10 آلاف ناخب فكيف يمكن التأكد من صحة هذه البيانات؟ المشكلة أعمق من ذلك، إنها مشكلة الثقة في الجهاز الذي يقوم بوضع هذه القوائم.

وبالنسبة إلى الرقابة المباشرة على الانتخابات فإنه يجب أن يكون هناك مندوبون لكل مترشح لدى كل مركز اقتراع يعنيه، وبالنسبة إلى البحرين فالمشكلة تكمن في وجود عشرة مراكز اقتراع عامة، وبالتالي يحتاج المترشح إلى 11 مندوباً مناوباً، وهو ما ترفضه اللجنة العليا، وتصرّ على مندوب واحد يقتصر على دائرة المترشح فقط.

بالنسبة إلى الرقابة المستقلة من قبل الصحافة ومنظمات أهلية محلية أو أجنبية أو منظمات دولية، فقد أضحت مراقبتها عنصراً أساسياً لصدقية أية انتخابات، وها هي دول عربية مثل لبنان واليمن والعراق، قد شهدت مراقبة هذه المنظمات بما في ذلك منظمات بحرينية. الغريب أن مملكة البحرين التي تطرح نفسها نموذجاً للديمقراطية مازالت تمانع مشاركة مراقبين من منظمات عربية ودولية. وحتى المراقبة المحلية فهي محدودة، أي تقتصر على الرقابة يوم الانتخابات بينما الرقابة لما قبل الانتخابات ومنها التدقيق في صحة قوائم الناخبين والشطب فهي غير متاحة.

قضية مراكز الاقتراع

تكتسب حصانة مراكز الاقتراع من أي تزوير أهمية كبيرة لسلامة الانتخابات، ولذلك يجب أن تكون هناك سيطرة كاملة من الهيئة المناط بها الإشراف على الانتخابات وكذلك رقابة جيدة من قبل المراقبين. المهم هنا ألا يدخل ولا يقترع إلا من يحق له الاقتراع وفي مركز الاقتراع الذي يخصه وبسرية تامة. من هنا، فإن إقامة المراكز العامة العشرة للاقتراع تخالف هذا الشرط وتسهل عملية التلاعب بأصوات الناخبين، وهذه بدعة غير موجودة في البلدان الأخرى، بما في ذلك بلدان شاسعة مثل الولايات المتحدة وكندا.

التصويت السليم

التصويت السليم هو إدلاء الناخب المسجل بصوته باستخدام ورقة الاقتراع المختومة والتي تسلم إليه، ليملأها ثم يرميها بسرية في صندوق الاقتراع. لذلك، يجب أن يتم التأكد من مطابقة أعداد أوراق الاقتراع قبل وبعد رميها في الصندوق بأعداد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم.

من هنا، فإن استخدام التصويت الإلكتروني، غير مستخدم حتى في بلدان متقدمة تكنولوجياً وراسخة ديمقراطياً، لأنه نظام لا يمكن التثبت من صحة عمليته. لذلك، فإن إلغاء التصويت الإلكتروني في البحرين خطوة إيجابية.

العبرة بالنتيجة

الكثير من الدول تجري انتخابات عامة، لكن القليل منها هو ما يتمتع بصدقية وباستثناء المغرب ولبنان، فليس من انتخابات عامة في البلدان العربية تتمتع بالصدقية. هناك عاملان حاسمان لصدقية أية انتخابات، وهما: قبول الفرقاء المتنافسين بنتيجة الانتخابات، وهو ما يحدث في الدول الديمقراطية فعلاً، واتفاق المراقبين المحايدين على صحة وسلامة هذه الانتخابات، وهو ما يحدث في بلدان ديمقراطية ناشئة، ولكنها صادقة في سعيها لإجراء انتخابات نزيهة وعادلة، كما حدث في لبنان ونيكارغوا حديثاً.

من المبكر الحكم على نزاهة الانتخابات في البحرين، وكما يقول المثل: العبرة بالنتيجة

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً