الأسبوع الماضي، احتفلت المحطة الفضائية الإخبارية الناطقة باللغة العربية «الجزيرة» بالسنة العاشرة على تأسيسها. خلال السنوات ومنذ بثها الأول في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1996، أصبحت الجزيرة منفذاً إخبارياً منتشراً لا يمكن لأية حكومة أو مكوّن رأي تجاهلها. أنشأت المحطة منبراً محلياً للخطاب الحر والسجالات الجدلية بعد سنوات عديدة من الرقابة الحكومية على المنافذ الإخبارية في المنطقة.
طبعاً، إنّ النجاح الباهر الذي حققته الجزيرة، التي تملكها قطر، تلازم مع الكثير من الجدالات. لقد وصفت الإنتقادات في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة، أسلوبها الهجومي بأنه منحاز لصالح قضايا العرب. كما وصف كبار القادة في إدارة بوش تغطية المحطة بأنها تثير السخط ومُضلّلة.
كما تسبّبت الجزيرة بالإضطراب للكثير من الحكومات العربية الرئيسية. على رغم (أو ربما بسبب) تغطيتها الجدلية، أصبح نجاح الجزيرة أداة قوية للتغيير في العالم العربي، واضعاً ضغطاً فعلياً على القادة الاستبداديين المُحصنين. لقد أُدين مراسلوها في العراق وإيران والمملكة العربية السعودية. وأخيراً، إستدعت الحكومة التونسية سفيرها من قطر إحتجاجاً على مقابلة أُجريت مباشرة على الهواء مع إحدى وجوه المعارضة التونسية المنفية.
سواء مناهضة للغرب أم لا، فقد احتلّت الجزيرة مكاناً بارزاً على الساحة الإعلامية الدولية، تماماً إلى جانب السي إن إن (CNN) والبي بي سي (BBC). إذا كان هناك منفذاً إخبارياً واحداً بإمكانه تكوين الآراء ووجهات نظر الجمهور العربي، فهي الجزيرة. باختصار، لقد أدّت الجزيرة مهمتها، وأدّتها بشكل جيّد.
بالنسبة إلى محطة إخبارية لاتزال يافعة وتمتلك هذا الحجم والتأثير، إنّ التوقعات كبيرة. وعلى رغم من الاحترام الذي يُكنّه الكثير من المشاهدين لمراسلي الجزيرة الباسلين، بمن فيهم أنا، لم يتم تحقيق تلك التوقعات المتزايدة بعد.
لسبب واحد، لم تُقدّم تغطية الجزيرة للولايات المتحدة، حتى الآن، للمشاهدين صورة كاملة عن المجتمع الأميركي. منذ تاريخ 11 أيلول/ سبتمبر 2001، تزايد الاهتمام بأميركا بشكل ملحوظ في العالم العربي، ولم يقم أيّ منفذ إعلامي عربي بتلبية هذا المطلب. الجميع يُعدّون تقارير عن أميركا القوة العظمى، ولكن لا أحد يُعد التقارير عن أميركا المجتمع المعقّد والمتعدّد والديمقراطي. إنّ القرارات التي تؤثر على الحياة اليومية في العالم العربي تُتخذ في واشنطن، ولكنّ السياسات والقوى الدافعة التي من شأنها تكوين تلك القرارات موجودة في أماكن أخرى من أميركا.
وحدهم صحافيو الجزيرة يتمتّعون بالمؤهلات والقدرات والثقة لسدّ تلك الثغرة. على المحطة أن تبث برنامجاً يركّز على الحياة خارج العاصمة الأميركية لتزويد المشاهدين بمفهوم أكثر إختلافاً عمّا تشكّله أميركا.
لم تقم المنافذ الإعلامية الأميركية والغربية الأخرى بأفضل من ذلك في تغطيتها لقلب المجتمعات العربية، ولكن يجب ألا يحول ذلك دون تمكّن الجزيرة من بلوغ الدرجة التالية من التميّز.
كما يجب أن تُبدّل الجزيرة وجهتها من منبر تسيطر عليه الجماعات الإسلامية على غرار «الإخوان المسلمين» إلى منبر تعتليه الأصوات السياسية بتساوٍ، سواء إسلامية أو يسارية أو قومية أو ليبيرالية. لقد تم تكريس عدد كبير من البرامج في السابق للمفكّرين والقادة الإسلاميين على غرار «الشيخ يوسف القرضاوي»، من دون مقابلتها بأصوات معارضة.
ويمكن للجزيرة أن تتقدّم من خلال إضافة بعض التغطية المحلية. ستخسر المحطة مشاهدين يُفضّلون المحطات التلفزيونية الموجّهة محلياً على غرار «تلفزيون دريم» في مصر أو المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBC) و»المنار» في لبنان، في حال استمرّت في التركيز على القضايا الإقليمية كالعراق والنزاع العربي الإسرائيلي على حساب غيرها من القضايا المحلية المهمة.
فعلى سبيل المثال، لم تُوظّف الجزيرة الأسلوب الجريء الذي تتميّز به خلال تغطيتها لقضايا الاعتداءات الجنسية التي حصلت حديثاً في القاهرة. فقد أبدى تلفزيون «دريم» رغبة أكبر بتوضيح القصة. أخيراً، على مراسلي ومقدّمي الجزيرة أن يختصروا من وقت البث المكرّس لآرائهم الخاصة، ويركّزوا أكثر على نقل الخبر. خلال قيامها بذلك، على الجزيرة أن تفصل نفسها عن مشاعر مموّلها الرئيسي، وتُركّز على نقل الأخبار السياسية وليس الانغماس بها.
إذ تتحضّر الجزيرة لسنة أخرى من إحداث الجلبة المتواصل، على فريق عملها أن يبقى مُطّلعاً على توقّعات المشاهد العربي، وضرورة التوفيق بين نوعية نقله للأخبار مع مستوى السجال الذي يُثيره.
محمد المنشاوي
رئيس تحرير «تقرير واشنطن
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ