العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ

الولايات المتحدة وازدواجية السلطة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

توقيع اتفاق أميركي - روسي يسمح بدخول موسكو منظمة التجارة الدولية يعتبر خطوة نوعية في سياق العلاقات التي شهدت برودة بين الدولتين. فالموافقة الأميركية تشكل بداية تراجع عن خط سياسي تمثل سابقاً في محاولات استهدفت عزل روسيا اقتصادياً وتطويقها جغرافياً من خلال نشر القواعد العسكرية من غرب الصين إلى شرق أوروبا مروراً بالدول الإسلامية الآسيوية التي كانت جزءاً من منظومة الاتحاد السوفياتي.

الاتفاق على دخول روسيا المنظمة الدولية يطرح أسئلة بشأن آفاق التعاون الأميركي - الروسي بعد أن شهدت العلاقات بداية عودة إلى «الحرب الباردة» بسبب تلك السياسة الهجومية التي اعتمدتها واشنطن خلال السنوات الخمس الماضية. فهل هناك تفاهمات جديدة بين الطرفين مقابل المرونة الأميركية، أم أن الخطوة تأتي في إطار توجهات بدأت ملامحها بالارتسام بعد الصفعة التي تلقاها الحزب الجمهوري في الانتخابات التشريعية النصفية؟

من الصعب الآن وصف الاتفاق بشأن منظمة التجارة الدولية. كذلك من المبكر وضع الاتفاق في خانة التوافق الدولي أو في خانة التنازل الأميركي. إلا أن الخطوة تعتبر مهمة لأنها أزالت عقبة دولية في وجه الكرملين وأعطت الضوء الأخضر للتفاهم على مجموعة نقاط تشكل خطوط توتر في العلاقات بين البلدين. فهناك الكثير من المشكلات العالقة بين العاصمتين، بعضها يتصل بالأمن القومي (الشيشان، جورجيا وأوكرانيا) وبعضها يتصل بالمجال الحيوي (بحر قزوين، البحر الأسود، والدول الإسلامية الواقعة جنوب روسيا) وبعضها يتصل بالدور الدولي (جنوب شرق آسيا، الهند، أفغانستان، إيران، منطقة الشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية). وكل هذه المشكلات مضافة إليها بعض العراقيل الأميركية لتعطيل المصالح الروسية في أوروبا وغيرها من دول العالم الثالث شكلت على مدى السنوات الماضية توترات أعادت العلاقات إلى فضاءات ليست بعيدة عن «الحرب الباردة». فهل يشكل توقيع الاتفاق على دخول روسيا منظمة التجارة الدولية بداية تفاهم على وضع حلول للمشكلات العالقة الأخرى، أم أنه مجرد تنازل أميركي يفضي في المقابل إلى تقديم تنازلات روسية؟ أيضاً يصعب من الآن وضع تصور نهائي للمسألة قبل معرفة اتجاه الرياح داخل الولايات المتحدة ومدى تأثير فوز الحزب الديمقراطي على سلوك الإدارة الأميركية.

لاشك في أن التنازل الأميركي أو التوافق مع روسيا بشأن مسألة الانضمام إلى «التجارة الدولية» له أسبابه الكثيرة منها تعثر الملف النووي الكوري ومراوحة الملف النووي الإيراني في مكانه وأخيراً تلك الصعوبات التي تواجه واشنطن في السيطرة على الملفات الملتهبة في العراق ولبنان وفلسطين وربما السودان (دارفور). إلا أن العامل الداخلي يبقى الأهم للإدارة الأميركية لأنه يتحكم في المسار العام للسياسة الخارجية بسبب قدرته على الضغط عليها وتطويع برنامجها من ناحية ترتيب الأولويات. وما حصل في الانتخابات النصفية أعطى إشارات سلبية لإدارة جورج بوش ووضع «البيت الأبيض» أمام خيارات جديدة ليست بالضرورة متكيفة مع توجهات تيار «المحافظين الجدد».

قاعدة واستثناءات

الحزب الديمقراطي الآن هو الطرف الأقوى في المعادلة الداخلية وأمام الحزب الجمهوري فرصة أقل من شهرين لتعديل الزوايا قبل أن يبدأ الحزب المنافس في إدارة الكونغرس بدءاً من يناير/ كانون الثاني المقبل. هذا لا يعني أن جورج بوش سيتنازل كليّاً عن سياساته، إلا أنه مضطر إلى مسايرة الشارع الأميركي والتراجع جزئياً إلى منتصف الطريق لملاقاة خصمه التقليدي الذي عاد مجدداً إلى واجهة السلطة. ومن الآن حتى الانتهاء من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 ستشهد واشنطن تجربة جديدة تقوم على فكرة ازدواجية السلطة وتنسيق العلاقات بين أفكار «البيت الأبيض» وتوجهات الكونغرس.

الرئيس الأميركي يملك صلاحيات قوية وهي كافية لتعطيل الكثير من التوجهات الديمقراطية. كذلك يملك الكونغرس صلاحيات تشريعية ورقابية وهي بدورها كافية لعرقلة المسارات السابقة التي بنى عليها «البيت الأبيض» استراتيجيته الهجومية. وبسبب هذه الازدواجية في السلطة يرجح أن يضطر بوش إلى تعديل الكثير من الزوايا الحادة حتى لا يصطدم يومياً بالكونغرس. ولعل توقيع الولايات المتحدة اتفاقاً يسمح لروسيا بدخول منظمة التجارة الدولية يعتبر خطوة تنازل تفسح المجال للحزب الجمهوري بالمناورة الداخلية.

هذه الخطوة التنازلية تعتبر علامة جديدة على مسارات مختلفة يمكن أن تشهدها الولايات المتحدة في الشهرين المقبلين، ولعلها تشكل بداية في سلوك نهج تسووي يتوقع أن يبرز في أكثر من مجال خلال فترة «ازدواجية السلطة» خلال السنتين المقبلتين. مثلاً يختلف برنامج الأولويات الديمقراطي عن الجمهوري في قطاعات الصحة والتعليم والضمانات الاجتماعية وتعويضات الشيخوخة. كذلك تختلف أولويات البرنامجين في الانفاق على التسلح والتصنيع الحربي وإشعال الحروب في الخارج. كذلك يختلف الديمقراطي عن الجمهوري في مسألة الحرب على أفغانستان وغزو العراق واحتلاله وسياسات التوتير والتفكيك المتبعة في دائرتي الشرق الأوسط «الكبير» أو «الصغير» و «القديم» أو «الجديد».

كل هذه الملفات ستكون مدار بحث وتجاذب بين «البيت الأبيض» والكونغرس خلال الفترة المقبلة، ويرجح أن تشهد الإدارة الأميركية عمليات شد ودفع في إطار «ازدواجية السلطة» بسبب محاولة كل حزب أن يروج لبرنامجه على حساب الآخر تمهيداً لمعركة الرئاسة في العام 2008. إلا أن هذه الخلافات الجمهورية - الديمقراطية التي تشمل معظم الحقول الداخلية والخارجية تتراجع أو تتقلص إلى حدها الأدنى حين يصل موضوع الاختلاف إلى قضية فلسطين وأمن «إسرائيل» ومادة النفط والمخاطر المتأتية من شبكات «الإرهاب» على خطوط النقل والإمداد.

هذه النقاط استثناءات عن القاعدة وتعتبر دائماً مجال التقاء بين الحزبين وأحياناً يتنافسان على المزايدة في التطرف في مساعدة «إسرائيل» وضمان أمنها وحماية النفط وإضعاف الدول العربية. فالجمهوري قد يلاقي صعوبات في التعامل مع الديمقراطي بشأن الصحة والتربية والدفاع والضريبة وأولويات الانفاق على التصنيع الحربي أو المدني. كذلك قد يلاقي صعوبات في التفاهم على صيغة التعامل مع روسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية وربما كوريا الشمالية والعراق وإيران. إلا أنه لن يجد الصعوبة نفسها حين ينتقل النقاش إلى ملف فلسطين والانحياز الدائم لـ «إسرائيل» وتأمين حاجات التصنيع الأميركي للطاقة (النفط). فهذه النقاط تشكل، كما هو متوقع دائماً، خطوط ارتكاز لنسج سياسة مشتركة تقوم على استراتيجية أميركية موحدة.

حتى الآن لم تتوضح معالم الصورة إلا أن هذه التكهنات هي المرجحة. فالتوقيع الأميركي - الروسي على اتفاق التجارة الدولية الحرة يعتبر بداية جيدة للتفاهم الجمهوري/ الديمقراطي إلا أنه ليس بالضرورة إشارة خضراء إلى وجود مؤشرات انقلاب أميركي في استراتيجية ثابتة لأسلوب التعامل مع الملف الفلسطيني وتفرعاته التاريخية والجغرافية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1536 - الأحد 19 نوفمبر 2006م الموافق 27 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً