غالبية الشخصيات المترشحة للانتخابات معروفة مسبقاً، وفي مهنة الصحافة هناك الكثير من الأرقام التي تخص مصادر مختلفة بدءاً من كبار المسئولين في الدولة وانتهاءً بأصغر موظف في القطاع الخاص، ومن بين كل ذلك هناك أرقام لمترشحين حاليين. والملاحظ أن بعض هؤلاء خصص رقماً آخر خلاف رقمه الأصلي وذيّله في إعلاناته الدعائية المنتشرة في أرجاء المملكة.
ما يثير الشك في الموضوع أن بعض مترشحي العام 2002 بعد أن أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوزهم بمقاعد دوائرهم قاموا على الفور بإغلاق هواتفهم التي تواصلوا من خلالها على مدى أيام مع ناخبيهم، فارضين على أنفسهم عزلة واسعة مبطنة بنشوة الراتب ووجاهة المنصب، مخلفين علامات استفهام واسعة على وجوه من أوصلوهم، والخوف كل الخوف أن يحذوا مترشحو 2006 حذوهم، وخصوصاً أن من أغلق هاتفه قبل أربع سنوات أعاد ترشيح نفسه، الأمر الذي يشير إلى احتمال انتقال العدوى مثلما تستشري الانفلونزا في وقت الشتاء.
أبواب طرقت، وأصوات تعالت، واعتصامات نظمت، وممثل الشعب في خبر كان، والأدهى من ذلك أنه يتحاشى الخروج من منزله إذا كان هناك من يقف عند أعتابه مناشداً إياه توفير وظيفة أو رصف شارع أو حل معضلة لا يفك شفرتها سوى الوزراء والمسئولون.
الغريب أن هناك مترشحين فازوا وبقيت هواتفهم مفتوحة ولم تغلق، ولكنها لو كانت مغلقة لكان خيراً للأمة التي يمثلها هذا النائب، فهو كالخشبة المسندة التي لا تتحرك، الصخر تنحته الرياح وتعريه من جوهره ولكن صاحبنا لا يتأثر بشيء، فهو حاضر في جلسات المجلس بجسده، غائب بعقله، والهموم والمشكلات تكاد تنهش في لحم ناخبيه.
صادفنا هذا العام ترشح أعضاء بلديين سابقين لمجلس النواب، ولكن لم نصادف نواباً اتجهوا إلى المجلس البلدي، على رغم أن البداية الصحيحة لأي شخصية قيادية تبدأ من المجالس البلدية وتنتهي بالتشريعية ولنا مثال في الرئيس الفرنسي الذي كان رئيساً لبلدية باريس ومن ثم وصل إلى سدة الحكم، إلا أن هذا المفهوم يصعب على من أخذته الـ BMW في أحضانها وثقلت جيوبه من مخصصات المكتب الذي ما رأى المواطن منها شيئاً. في المقابل، هناك عدد من الأعضاء البلديين بدأوا يأخذون دورات في إيطاليا، تحديداً في دُور الأوبرا الشهيرة للتدرب على فن الصراخ وطبقات الصوت، إذ تستلزم الدعاية الانتخابية توجيه العبارات الرنانة باتجاه الصحافيين في جلسات المجالس البلدية لأخذها كمانشيتات على صدر صفحاتهم، حتى يختصر العضو المترشح عناء البوفيهات والإعلانات والرسائل النصية التي ينفقها على ناخبيه، فآلاف النسخ من صحيفة أو اثنتين أقدر على إيصال صوته من ألف سماعة أو مكبر صوت في مقره الانتخابي.
أخيراً، هناك مترشحون ما عرفهم أهلهم منذ سنوات لأنهم يقطنون في غير منطقتهم الأصلية وقطعوا حبال التواصل بينهم وبين من تربطهم بهم صلة الدم، ومع اقتراب موعد الانتخابات دارت طاحونة تغيير العناوين وفجأة تحول المهاجر إلى مقيم، والبعيد إلى قريب، وبعد أن نسي سكان منطقته الأصلية ملامح وجهه أصبح يتصدر كل جدار وشارع وعمود إنارة مصحوبة بشعارات زائفة وعبارات مختلطة بعقدة «الأنا»
العدد 1535 - السبت 18 نوفمبر 2006م الموافق 26 شوال 1427هـ