في الوقت الذي يسعى مترشحون معروفون بكفاءاتهم المتنوعة العالية، وخبراتهم النضالية الواسعة في مجال العمل السياسي الوطني، مضافاً إليها سيرة أخلاقية حسنة، إلى الوصول إلى البرلمان عبر تنظيم الندوات الجماهيرية والمناقشات العامة بشأن مختلف القضايا المصيرية التي تهم الوطن والمواطن، واستعراض ومناقشة برنامجهم الانتخابي مع أبناء الدائرة بل حتى جميع أبناء الوطن دونما تشظية اصطناعية، نجد في الزاوية الأخرى المعتمة من يستهل مسعاه نحو بوابة البرلمان مرة أخرى بعد طول فشل وإفلاس عبر حرق الوطن والمواطن بإشعال نيران الأحقاد والكراهية، وإثارة التوجس والشك في نفس المواطن تجاه أخيه المواطن الذي قد ينتمي إلى طائفة أو حتى جمعية سياسية أخرى، ويتبنى توجهاً فكرياً متبايناً شكلياً، ولكنه ينهل من المنابع الصافية ذاتها التي ترتوي منها شجرة العروبة والإسلام!
صيّاد الفلل والعقارات
البعض (قد يكون فرداً أو مجموعة أو فريق عمل أو عصابة أو حزباً أو مؤسسة وشركة ولكن في أعلاه «بطحة») لم تمتلئ عينه حتى بالتراب والرماد معاً، ولم يكتفِ أبداً بدخوله نادي «أصحاب المليونيرات» وربما استحقاقه في يوم من الأيام أن تنشر صورته على أغلفة أحد مجلات رجال الأعمال باعتباره زعيماً فخرياًَ لشركة عائلية كانت بالأمس جمعية سياسية (تجربة رائدة تستحق الإعجاب)، وكل ذلك بفضل دخول الفردوس البرلماني ذي القدرة الخارقة على انتشال المواطن البحريني المسكين (النائب لا الناخب) من مستوى معيشي إلى مستوى معيشي آخر مغاير. وعلى رغم ذلك المسعى في عالم «البزنز»، فإن صاحبنا يصر على براءته كبراءة الذئب من دم يوسف، من دون أن يدعم تلك البراءة بتقديم كشف شامل لحساباته المالية والعقارية قبل دخوله البرلمان، وبعد خروجه منه، ليدخله مرة ثانية وثالثة وربما رابعة، عسى أن يناطح «بيل غيتس»، ويتجاوز ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية وعربتها المذهبة بأشواط كثيرة!
هذا «البعض من الناس» الذي يقدس الكرسي البرلماني مثلما قدس أصحاب «السامري» عجلهم الذهبي، لم يتوقف أمام ممارسة أبشع أشكال الاستغلال الوظيفي، واصطياد «الفلل» و»الشقق الفاخرة» والعقارات المترامية الأطراف كما لو أنها بجعات سمان محلقة في سماء الأحلام الزاهية!
ولم تعد تبل ريقه «العمولة» و»العمالة» لصالح طرف ضد طرف آخر، وإنما هو في ما يبدو أنه أقسم اليمين على نار الفتنة الطائفية (اعتذار إلى نيران القراطجة والأكاسرة) بألا يتورع عن استخدامها قرباناً للوصول المقدس، إذا ما ابتعد عن منظوره المراوغ كرسي البرلمان شبراً واحداً، وإن كان في ذلك متدثراً بعباءة «الدين» التي تم ابتذالها حتى آخر خيط. ولا مانع أبداً من أن يكون حافياً مخضباً يمناه قبل يسراه برماد الوطن المحترق نحو الكرسي البرلماني أو العجل الذهبي (معبوده الأول أو الثاني)!
وحتى يتم حرق سنابل المحبة في قلب المواطن، وحرق المواطن في قلب وطنه بالإمكان الاستعانة، بل الاستغلال لقدرات وملكات فريق شبابي من «النشء الصالح» ليكون خير مبدع لتلك «المسجات الطائفية»، وخير منتج وموزع لها، بدلاً من أن يتم تعليم تلك القلوب الشابة النضرة حب الوطن والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، يتم حرقها هي الأخرى و»تفحيمها» و»كربنتها» مبكراً بجمبع أنواع السموم الطائفية و «التحريضات» العنيفة بعد أن يتم تغييب عقلها وتبخير وعيها نحو حقيقة ما يجري!
حرق الوطن مقابل كرسي
الوطن لا يمكن حرقه طائفياً فقط من خلال استخدام أدوات تقليدية، ولكن هناك اليوم طرق أكثر جدوى وفاعلية تحقق ما هو مطلوب من غايات دنيئة خلال استغلال التكنولوجيا الحديثة التي يعشقها بجنون الشباب و»النشء الصالح»، وخصوصاً الرسائل عبر الهاتف الجوال (المسجات) التي تضمن بأكثر الشعارات والعبارات الطائفية المثيرة للقرف والتقزز، ومنها على سبيل المثال ما وصل إلى مناكب هاتفي الجوال من دون أن أبادر إلى طلبه، وهي إحدى تلك الرسائل الالكترونية العاجلة والمختصرة التي تضمنت تحذيراً (إلى طائفة محددة) من انتخاب عدد من رموز العمل السياسي الوطني لكونهم بمثابة حصن طروادة لأبناء الطائفة الأخرى الساعين عبر دخولهم البرلمان لتمرير «أجندة طائفية»، وهي إجراء التعديلات الدستورية وإعادة النظر في تقسيم وتوزيع الدوائر الانتخابية، ما يمكنهم من تحقيق غلبة وهيمنة طائفية تكرر السيناريو العراقي بمذابحه وتطهيراته الطائفية في البحرين!
ومسج آخر يشير إلى إقدام مترشحين في مواقف عدة بالإساءة إلى الصحابة (رضي الله عنهم) إرضاءً للحلفاء من الطائفة الأخرى، وللأسف على رغم خطأ المعلومات الواردة في «المسج»، إذ إن المترشح لم يكن موجوداً في خيمة مترشح آخر (حقيقة) حينما أساء إلى الصحابي الجليل (رضي الله عنه) كما ورد في المسج (كذباً وافتراء)، والمترشحة الأخرى قد تم تحريف رأيها الذي أدلت به وإخراجه من سياقه، بل حتى فبركته بشكل مقصود في هذا الوقت بالذات، على أمل الحصول على أكثر الدعايات الانتخابية إفلاساً ورخصاً، فإنه وللأسف سرعان ما انتشرت النار في الهشيم، وكثر المصدقون والناقلون لمشاعل الحرائق الطائفية السوداء، التي ستجهز على الوطن بأبنائه حتى يهنأ صاحبنا بكرسيه البرلماني، ولو كان ذلك في مزبلة التاريخ وخارج ذاكرة الوطن، أقول هذا الوطن الذي يؤمن به تصريحاً ويكفر به «مسجاً»!
من يسيء إلى الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) أهم أصحاب تلك «المسجات» الدنيئة أم ضحاياها؟! وعلى من يقع اللوم في ظاهرة انتشار «المسجات» الطائفية؟!
الانتهازيون الطائفيون
من الطبيعي جداً أن يكون لكل مرحلة تاريخية وحقبة زمنية انتهازيوها و»انتفاعيوها» المستعدون لبذل الغالي والنفيس، سواء أكان مما يمكن تحديده بقيمة، أم ربما يستعصي ذلك في سبيل تحقيق المصلحية والفئوية الآنية، وكان من الضروري أن يلجأ في ذلك كما لجأ من قبله إلى تحريك المفاتيح الطائفية، وتشغيل محركات الشحن الطائفي كسبيل انتهازي سياسي لأجل تحقيق مصالحه الشخصية أو الفئوية، دونما أدنى اعتبار إلى النتائج التدميرية المحتملة، مثله في ذلك كمثل ساسة الاستعمار البريطاني البغيض لهذه الجزيرة العربية الإسلامية الوادعة، ومثل أي متسلط جبار يتخذ من عقيد «فرق تسد» منهجاً سياسياً لتحقيق أدنى مستويات التحكم والهيمنة الإدارية باعتبارها الأكثر مدعاة للطمأنينة والسكينة والاستقرار!
فمتى ما ظل مشعلو الحرائق، المتدثرون منهم بالعفاف والتقوى في الأعالي، كان بإمكانهم رؤية الخريطة وتقاسيمها بشكل أوضح، ليتيسر بالتالي إمكان التحكم في تشكيل ملامحها الطائفية كانت أم الاثنية معاً، وإعادة صوغها حسبما تقتضي الرغبة والشهوة المصلحية!
ويبقى هنالك لوم وعتب كبير يوجه إلى من يتناقل تلك الإشاعات الطائفية المغرضة حتى يكسب أجراً، ومثله في ذلك مثل الحمار (أجلكم الله) الذي يحمل الأسفار... طالما ظل ناقل الكفر ليس بكافر!
وهناك عتاب ولوم أكبر على بعض الجمعيات السياسية التي وجهت إليها أصابع الاتهام، وتلبستها الشبهات من كل جانب، في أن تبادر إلى الإدانة والاستنكار والتبرؤ من تلك الجرائم، وتدعو إلى المنافسة الشريفة، عسى أن تحفظ لها موقفاً مشرفاً، وتدرأ عنها تلك الشبهات غير البعيدة حتى الآن.
وقبلها هناك عتاب ولوم على الأجهزة والجهات المعنية بالدولة ذات القبضات الحديد الكفيلة بسحق تلك «المسجات» الطائفية، وإيقاف مروجيها عند حدهم، وردعهم قانونياً، لكونهم يهددون استقرار الدولة والنظام معاً، حتى لا تأكلنا الخيبة والحسرة في عالم بائس شعاراته هي:
قذارات طائفية طافية... انشر ولك أجر!
كتاب عبدالرحمن الباكر... لا تنشر وهذا أمر
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1535 - السبت 18 نوفمبر 2006م الموافق 26 شوال 1427هـ