العدد 1534 - الجمعة 17 نوفمبر 2006م الموافق 25 شوال 1427هـ

نزيف العقول العربية 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ولكي ندرك أبعاد هذه المشكلة وخطورتها على واقع البلدان العربية ومستقبل عملية التنمية فيها فمن المفيد إيراد بعض الأرقام بشأنها.

تشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة إلى الحقائق الآتية:

- يساهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية.

- أن 50 في المئة من الأطباء و23 في المئة من المهندسين و15 في المئة من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا خصوصاً.

- أن 54 في المئة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.

- يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا نحو 34 في المئة من مجموع الأطباء العاملين فيها.

- إن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75 في المئة من المهاجرين العرب.

- بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينات.

الأسباب الأساسية لهجرة الأدمغة العربية

إن جميع الدراسات التي تناولت موضوع هجرة الأدمغة في الوطن العربي تجمع على أن هذه الهجرة هي نتيجة لتشابك جملة من الأسباب والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية. ويصنف الباحثون هذه الأسباب إلى نوعين هما:

‌أ- الأسباب الأساسية الدافعة إلى الهجرة:

- ضعف أو انعدام القدرة على استيعاب أصحاب الكفاءات الذين يجدون أنفسهم إما عاطلين عن العمل أو لا يجدون عملاً يناسب اختصاصاتهم في بلدانهم.

- ضعف المردود المادي لأصحاب الكفاءات.

- انعدام التوازن في النظام التعليمي، أو فقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشروعات التنمية.

- انعدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي والإشكالات التي تعتري التجارب الديمقراطية العربية والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى شعور بعض أصحاب الخبرات بالغربة في أوطانهم، أو تضطرهم إلى الهجرة سعياً وراء ظروف أكثر حرية وأكثر استقراراً.

- البيروقراطية الإدارية وأنظمة الخدمة المدنية وبعض التشريعات والتعهدات والكفالات المالية التي تربك أصحاب الخبرات، إلى جانب أسباب عائلية أو شخصية فردية.

‌ب- الأسباب الجاذبة لهجرة الأدمغة:

- الريادة العلمية والتكنولوجية للبلدان الجاذبة ومناخ الاستقرار والتقدم الذي تتمتع به هذه البلدان.

- توفر الثروات المادية الضخمة التي تمكنها من توفير فرص عمل مهمة ومجزية مادياً تشكل إغراءً قوياً للاختصاصين.

- إتاحة الفرص لأصحاب الخبرات في مجال البحث العلمي والتجارب التي تثبت كفاءاتهم وتطورها من جهة أخرى، وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة أوسع وأكثر عطاءً، من جهة أخرى.

وتندرج غالب الكفاءات تحت ظل أصحاب الدخول الثابتة ومع اضطراد معدلات البطالة السنوية ونمو الأسعار بمعدلات تضخمية فلقد تولدت عوامل طاردة لهجرة الكفاءات للخارج تعوزها الفرصة أو قبول دول المهجر، وحتى بالنسبة إلى من أتيحت لهم فرص العمل من أصحاب الأجور وعلى رغم تميز أجور قطاع الأعمال العام والخاص عن القطاع الحكومي فإن معدلات الزيادة في الأجور تراوحت ما بين 1,1 في المئة و2,1 في المئة في حين زادت الأسعار بمعدلات تراوحت بين 2,8 في المئة و22,3 في المئة. وعن أثر العوامل الاقتصادية لهجرة الكفاءات أكد استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي سعد حافظ في ورقة قدمها لمؤتمر القاهرة المشار إليه سابقاً، أن هناك أسباباً مشتركة وراء الهجرات السكانية سواء أكانت داخلية أم خارجية أهمها الفقر إذ لا يقتصر على مفهوم واحد ولكنه يمتد ليشمل فقر الإمكانات والقدرات والذي يعكس نقص الخدمات الأساسية، انخفاض مستوى المعيشة ونوعية الحياة معاً ويرتبط الفقر بهذا المعنى بنقص التشغيل، البطالة التهميش وضعف أو انعدام فرص الحراك الاجتماعي وهو المحرك الأساسي لانتقال الناس مكانياً إضافة إلى اضطهاد وعدم الاستقرار السياسي لأسباب أيديولوجية أو عرقية أو ثقافية أو دينية تلعب دوراً مهماًَ في الهجرات الجماعية إلى جانب التعرض لأشكال القهر بدءاً بالحرمان من الحقوق السياسية، والاعتقال دون قوانين وكبت الحريات إلى التعذيب والتصفيات الجسدية.

ويضرب سعد مثلاً بأجور الكادر الجامعي إذ تنضوي أجور العاملين بالجامعات والمعاهد العليا والمراكز البحثية في مصر تحت طائفة أصحاب الأجور الثابثة والمجمدة باللوائح الأجرية وعلى رغم الارتفاع النسبي الظاهري للأجور النقدية لهذه الفئة فهي تقل عن نصف نظيرتها بالكادر القضائي وعن 15 في المئة من رواتب العاملين بالهيئات الدبلوماسية ويضيف أنه على رغم زيادة معدلات الأجور الثابتة والمتغيرة خلال الفترة 1988 وحتى الآن بما يقارب 70 في المئة فإن معدلات زيادة المتوسط العام لأسعار المعيشة في الحضر قد سجلت زيادة تقدر بنحو 352 في المئة بالإضافة إلى عدم حصول هذه الفئة على ما كانت تتمتع به من مزايا عينية، مثل الحصول على مسكن ملائم وقريب من مكان العمل، بكلفة إيجار محدودة أو بقيمة مقبولة، ومن شأن هذه العوامل أما استنزاف قدرات وطاقات الباحثين العلميين في تحسين مستوى المعيشة بكل الأشكال كالاشتغال بمهمات وظيفية أخرى مدره للدخل وأما تفضيل الهجرة والتي تتوافق والعوامل الأخرى المشار إليها كالبيئة البحثية والإمكانات التمويلية والتقنية للعملية البحثية وبذلك تشكل ظروف المعيشة أحد حوافز هجرة العقول وفي حصره للخسائر الناتجة عن الهجرة أشار سعد إلى أن هجرة الكفاءات سواء أكانت دائمة أم مؤقتة والتي تقدر بنحو 50,4 في المئة من إجمالي العمالة المهاجرة والبالغة 276،675،3 قد كبدت الموازنة العامة للدولة خسارة في الاستثمارات المنفقة على التعليم الحكومي بما يتراوح بين 4,3 مليارات دولار و6,2 مليارات خلال الفترة من 62-2000 ولا تتضمن هذه التقديرات موارد إنفاق الأسرة على التعليم الخاص والإنفاق المكمل للإنفاق.

ويضيف أن هجرة الكفاءات العلمية أصبحت ظاهرة لافتة للنظر ليس بمصر وحدها وإنما على مستوى بلدان العالم الثالث وأن الخط النمطي المؤقت هو الشكل السائد لهجرة المصريين إلى الخارج على رغم وجود نسبة من الهجرات الدائمة ويرى أن كل الشرائح والفئات المكونة للبيئة الطليعية معرضة لعملية الهجرة بل ومشاركة فيها أما الأسباب والدوافع فترتبط ببيئة المجتمع المادي وما يصاحبه من تدنٍ في مستويات الحياة وبخاصة فيما يتعلق منها بكمية الغذاء ونوعيته وحال المسكن وأوضاع المرافق وأحوال البيئة ويرى أن هذا النمط من الفقر لا يرتبط بالضرورة بانخفاض مستوى التعليم بل قد يكون العكس هو الصحيح احياناً الأمر الذي يرفع من مستوى الطموح فيدفع الفرد دفعاً إلى تغيير مكان الإقامة بالهجرة ومن بين الأسباب الأخرى ضآلة فرص العمل بل انعدامها أحيانا الأمر الذي يؤدي إلى ظهور أشكال متعددة للبطالة السافر منها والمقنع.

وفي محاولة منها للتصدي لهذه المشكلة، تقدمت الأمانة العامة للاتحاد البرلماني العربي في مؤتمره العاشر الذي عقد في الخرطوم في الفترة بين 9 - 11 فبراير/شباط بمذكرة تدعو إلى مناقشة جوهر مشكلة هجرة الأدمغة العربية وتدعو إلى وضع سياسة واضحة لاستيعاب الكفاءات العربية و الحد من هجرتها إلى الخارج.

وتقترح المذكرة التوقف لمناقشة الأمور الآتية:

-1 إجراء مسح شامل للكفاءات العربية المهاجرة بهدف التعرف على حجمها ومواقعها وميادين اختصاصها وارتباطاتها وظروف عملها.

-2 صوغ سياسة عربية مركزية للقوى العاملة على أساس تكامل القوى العاملة العربية بحيث تمكن الدول العربية التي تواجه اختناقات في مجال القوى العاملة من التخلص من فوائضها، وتتيح للبلدان العربية الأخرى التي تواجه عجزاً في هذا الميدان من سد العجز لديها.

-3 وضع البرامج الوطنية لمواجهة هجرة العقول وإنشاء مراكز للبحوث التنموية والعلمية والتعاون مع الهيئات الدولية والإقليمية المعنية لإصدار الوثائق والأنظمة التي تنظم أوضاع المهاجرين من العلماء وأصحاب الكفاءات.

4- حث الحكومات العربية على تكوين الجمعيات والروابط لاستيعاب أصحاب الكفاءات المهاجرة من بلدانها وإزالة جميع العوائق التي تعوق ربطهم بأوطانهم، ومنحهم الحوافز المادية وتيسير إجراءات عودتهم الى أوطانهم للمشاركة في عملية التنمية والتحديث.

-5 تنظيم مؤتمرات للمغتربين العرب وطلب مساعدتهم وخبراتهم سواء في ميدان نقل التكنولوجيا أو المشاركة في تنفيذ المشروعات.

-6 التعاون مع منظمة اليونسكو لإقامة مشروعات ومراكز علمية في البلدان العربية لتكوين كوادر وكفاءات عربية واجتذاب العقول العربية المهاجرة للإشراف على هذه المراكز والإسهام المباشر في أعمالها وأنشطتها. والأمر معروض على المجلـس.

وفي مايو/ أيار المنصرم، التأم في الدوحة مؤتمر لمناقشة هجرة العقول العربية إلى الغرب. ووجد المؤتمر أن العالم العربي الذي يستقر في الغرب يعاني ظاهرة الاغتراب والانسلاخ ويعاني أولاده من الكثير من المشكلات؛ إذ إنهم يجدون أنفسهم في صراع دائم بين ثقافتين ومجتمعين وبعض الأحيان ديانتين... الخ. فإذا دفعت الدولة الأم فاتورة الدراسة والتكوين والابتعاث فإن العقل العربي المهاجر يدفع فاتورة الاغتراب والذوبان في الآخر في معظم الأحيان. هذه الحال تجعل الوطن العربي برمته يعاني من هذه الظاهرة وهذه المشكلة بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، فما هو الحل يا ترى وكيف تستطيع الدول العربية أن تستفيد من الأدمغة أو العقول العربية الموجودة في الغرب والدول المتقدمة.

هذا ما حاولت ندوة الدوحة الإجابة عليه وإيجاد حلول عملية لبناء جسور تواصل للاستفادة من العقول العربية في الخارج وتوفير الجو المناسب والملائم لها للعطاء للبلد الأم. الأمر إذاً، ونحن نعيش عصر العولمة وتحديات الثورة التكنولوجية يتعلق بضرورة إقحام هذه الخبرات والاستفادة منها في الدول العربية.

لكن على رغم كل تلك الجهود تبقى علامة الاستفهام الرئيسية منتصبة أمامنا تتساءل: لماذا تخفق البلدان العربية في بذل الجهود اللازمة لجذب علمائها وفنييها ذوي المهارات العالية والدقيقة في حين نجحت دول أخرى في ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1534 - الجمعة 17 نوفمبر 2006م الموافق 25 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً