العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ

إشكالنا على المنهج لا المؤسسات

سيد جعفر العلوي comments [at] alwasatnews.com

يخال للبعض أن التيار الرسالي حين ينتقد عدداً من الممارسات السياسية لمؤسستي المجلس الإسلامي العلمائي وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، فإنه يمثل عودةً إلى مربع الصفر والنزاعات القديمة، ولكن ذلك ليس صحيحاً ألبتة. فالأجواء الإيجابية التي سادت العلاقات بين الطرفين في السنوات الأخيرة، والنضج العام للساحة، ولكلا التيارين يمنعانهما من الدخول في مثل ذلك التأزم الذي انتهت مادته أصلاً، بل هناك أكثر من مشروع مشترك وقضايا اجتماعية وسياسية متنوعة يلتقيان فيها، ولكن ذلك لا يمنع وجود اختلافات قد تكون واسعة أو محدودة بين فترة وأخرى؛ لاختلاف الرؤية والمنهج وطريقة التعاطي مع المتغيرات.

علامات مضيئة

حين تم تشكيل المجلس الإسلامي العلمائي، اعتبرنا ذلك إنجازاً جيداً، فنحن نؤيد كل عمل منظم، وإن رغبنا في أن يكون شاملاً وبيتاً يأوي الجميع. ومع ذلك كنا نطمع في أن يكون تعاطي المجلس الإسلامي العلمائي في القضايا العامة بما يناسب موقع الرموز التي تقوده، وفعلاً كان ذلك ملاحظاً في عدد من القضايا الكبيرة التي حدثت مثل ردة الفعل تجاه قانون الأحوال الشخصية، والحوادث الكبيرة في المنطقة. وهذه علامات مضيئة لا ينبغي أن نتجاوزها ونغفل عنها، ولكن ما آلمنا والكثير من المراقبين في الساحة، المنهجية التي سار عليها المجلس فيما يتعلق بالانتخابات الأخيرة، وفي ردة الفعل غير المتوقعة على القضية الكبيرة التي شغلت المجتمع مع محاولة إسدال الستار عليها، فقد كنا نأمل من المجلس أن يتنادى لتداعٍ عام ليتصدى لهذه القضية الخطيرة بشكل جماعي مع مختلف الأطياف، وضمن برنامج عمل مشترك. وكنا نرغب في أن يكون الموقف العلمائي المتصدي لها موسعاً، فجرى تضييقه في حلقة ضيقة، وقام بعض العلماء الكبار بخطوة واحدة اُختلف عليها كثيراً في الساحة، ولم تثمر إلاّ وعوداً اعتاد المجتمع سماعها ثم مخالفتها، وبقيت الآثار السيئة مستمرة، وبقي الجهاز المركزي للمعلومات بشخوصه وعمله في إدارة الانتخابات. وهكذا تم تمرير قضية كبيرة باختزال شديد، ومن دون ردة فعل مناسبة، وبدل أن تصبح قضية ننطلق منها في العمل الوطني، تم التحشيد للانتخابات من دون طرح مطالبات حقيقية.

برنامج عمل مشترك

ثم جاءت فترة الانتخابات وحاولنا أن نقنع قيادة المجلس ومن قبله جمعية «الوفاق» بالكتلة الوطنية المعارضة والحاملة برنامجاً مشتركاً، ولكن لم نفلح في ذلك، وفعلاً ساهمت «أمل» في وضع تصورات لبرنامج المرحلة المقبلة، بحيث نحافظ على جسم المعارضة الرباعي ونقوي موقعه الجديد في المجلس النيابي والساحة، ومن ثم نستفيد وننطلق من كل ما حققناه من أرضية مشتركة وبناء وطني معارض رصين، استطاع أن يحقق الكثير من الإنجازات، وإن اُختلف عليها. وبدلاً من العمل المنظم الشامل حاولت «الوفاق» التفضل علينا بمقعد يتيم على طريقة المكرمات، وكأن لا قدرة لنا على التنفس إلا من رئة «الوفاق». وهو ما أشعر التيار الرسالي بالغبن، فرفضنا «مقعداً بلا كرامة» بحسب تعبير الأمين العام الشيخ محمد علي المحفوظ، ولم يعد أمامنا إلا أن ننافس «الوفاق» في بعض الدوائر، وهذا قد يدخلنا في صراع عملي غير مجد لوضع المعارضة وإن كنا مطمئنين إلى الحصول على عدد من الدوائر في حال نزول الصف الأول من التيار الرسالي بسبب شعبيتهم، بعكس ما كانت تشيعه «الوفاق» بأن مشكلة مرشحي «أمل» هو في رفض القواعد الشعبية لهم، وهي مغالطة واضحة تستبق النتائج، ويخالفها الواقع وشعبية تلك الرموز التي لا يمكن إنكارها.

إلا أن أكثر ما أوقفنا حقاً عن هذا الخيار، قراءتنا المستجدات الجديدة التي أفرزتها القضية الخطيرة، علاوةً على عدم تقديم السلطة أي تنازلات مشجعة للحياة البرلمانية المقبلة، بما يحولها حقاً إلى سلطة تشريعية حقيقية ومستقلة وقادرة على المساءلة والمراقبة. كل ذلك جعل التيار الرسالي يبتعد عن الدخول الرسمي المباشر في الانتخابات، إلا أنه بسبب تأييد أكثرية الجمعية العمومية المشاركة تم تبني وجهة نظر وسطية، وهي دخول الانتخابات على أساس مستقل لمن أحب ذلك من عناصر التيار، عدا الانتخابات البلدية فقد تم تبني الدخول فيها لتغاير مهماتها وطبيعتها الخدمية. إلا أنه ما إن دخل البلد في معمعة الدعايات الانتخابية، حتى لاحظنا بعض الأخطاء في منهجية التعاطي من قِبل «الوفاق» والمجلس الإسلامي العلمائي؛ ولأن الوسط الاجتماعي لا يفرق بين الدين وآراء الرموز الدينية، رأينا لزاماً أن نقول رأينا بشأن تلك الأخطاء، وإن كان ذلك يكلفنا كثيراً من الاتهامات، ولكن المصلحة العليا أهم من شخوصنا، والمستقبل كفيل بتوضيح صحة ما نتحدث به.

أول تلك الأخطاء، قائمة «الوفاق» غير الكفؤة في الكثير من أسمائها بما يناسب طبيعة المجلس النيابي، وهذا ليس تجنياً على الشخوص بل من باب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ثم تتابع المسلسل بإعادة فرض من رفضه مجلس شورى الوفاق من أسماء، ومن دون مراجعة القواعد الشعبية العامة أو التابعة إلى «الوفاق»، فضلاً عن شخصيات تيار الانتفاضة الذي ولدت «الوفاق» من رحمه. ثم إنزال «الوفاق» شعاراً لا يناسب كل ما حدث، وهو «معاً نصنع القرار»، ونتساءل حرصاً على «الوفاق»: إذا لم تتبنوا رأي «شورى الوفاق» ورأي الكثير من شخصياتها وقواعدها، فكيف تصنعون القرار معاً؟ وإذا كان المقصود صنع القرار مع السلطة التنفيذية فلا مجال لذلك ألبتة.

إن الشعار الذي يختزل الآتي من التحركات، إذا افتقر إلى الصدقية في البيت الداخلي، فكيف بما هو قادم وفي الدوائر الأوسع؟ ثم زاد الطين بلة قيام المجلس الإسلامي العلمائي المحترم عند الجميع، بتأييد تلك القائمة الحزبية التي تم تجاوز الكفاءة فيها إلى الولاء، بنفس ما ننتقد فيه خصومنا. ثم بدأت سلسلة من التحركات العملية لشخصيات المجلس بدعم أشخاص القائمة، وهو أمر لا اعتراض بشكل مطلق عليه، ولكن الاعتراض على ممارسة ضغوط أدبية متواصلة على المترشحين، والاجتماع معهم لأجل الانسحاب لصالح هذا المرشح الوفاقي أو ذاك. فلماذا ينسحب المترشحون من دوائر يفترض أنها مغلقة على «الوفاق»؟

إن المجلس الإسلامي العلمائي وكل شخصياته محترمة لدينا، وكنا نتوقع أن تكتفي بالتوجيه والتسديد، وهو سبيل مراجعنا العظام الذين يكتفون بتشخيص الحكم الشرعي تاركين تحديد الموضوع للناس، إفساحاً وسعة لهم، واقتناعاً بأن كل مكلف حرٌ مسئولٌ بنفسه عن تحديد الموضوع. ألم تكن طريقة المرجع الديني الكبير السيد آية الله السيستاني بتأييد القائمة المشتركة لانتخابات المجلس الوطني العراقي لوضع الدستور مرشدةً لنا لنضع قائمةً تضم مختلف الأطياف؟ وإلاّ فلنترك للناس حريتهم في تشخيص الأكفاء لطبيعة عمل المجلس. إن ممارسة الضغوط في أجواء من الإكراه هي تسميمٌ للساحة السياسية، وقتلٌ لروح التنافس والإبداع الشريف، وجبرٌ للناس على اختيار أشخاص محددين حتى لو لم يؤمنوا بكفاءتهم.

إني بنية صادقة أوجه هذا الانتقاد إلى رفقائنا في الرؤية والدرب، بعد أن لاحظنا استمرارهم في المضي في خطواتهم التي نعتقد بأنها تشتمل على أخطاء، ستؤدي إلى ضياع الجهود التي بذلوها. إني أوجه إلى الإخوة الكرام دعوة إلى الانفتاح والقراءة المتمعنة في أوضاع الساحة بعيداً عن الدوائر المغلقة والانفعال، والاستماع إلى الآراء الأخرى، استرشاداً بقول الإمام علي بن أبي طالب (ع): «إن من استثقل الحق أن يُقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه». راجياً انتباه الإخوة إلى أن هكذا ممارسات، تحسب على الدين وأهله، وتلحق الضرر بالحال الدينية، وتضعف المؤسسات التي نحن أحوج ما نكون إلى قوتها واستمرارها من دون تصدعات

العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً