غالباً ما يتم الثناء على آبا إيبان لإطلاقه عبارة أنّ الفلسطينيين لا يفوّتون فرصة لإضاعة فرصة على الإطلاق. لقد وصف الوضع الحالي بحزن بدلاً من وصفه كما يلزم. في السابق، لم يكن الفلسطينيون حاضرين لتقبّل دولة إسرائيلية توسّعية وسطهم وعلى أرضهم الخاصة، وقد عبّروا عن ذلك بشتّى السبل. أما اليوم فقد انقلب الموقف، فالإسرائيليون اليوم يتصرّفون كما فعل الفلسطينيون منذ 30 عامًا، معيقين كلّ فرصة سلام. إنه لمن الحكمة أن يُعيدوا النظر في تلك الاستراتيجية البالية اليوم. إذ إنه في المستقبل القريب، ربما لن تبرز أية فرصة لتفويتها.
إنّ مبادرة السلام العربية التي أطلقها ملك السعودية عبدلله بن عبدالعزيز العام 2002 هي فرصة فوّتها الإسرائيليون مرّة، ولكنهم لا يستطيعون تكبّد تفويتها مجددًا. تمامًا كمقترح السلام الذي تلقّاه ياسر عرفات من رئيس الوزراء إيهود باراك والرئيس بيل كلنتون في طابا، إنّ التغاضي عن مقترح السلام هذا قد يؤدّي إلى نتائج ستأسف «إسرائيل» عليها فعليًا. وكما حصل للعرب منذ عشرات السنين، إنّ التشبّث اليوم لابدّ أن يؤدّي إلى تدهور كبير في الأوضاع في الغد.
منذ حربهم الأخيرة في لبنان، يرسل الإسرائيليون إشارات مبطّنة بأنهم قد يهتمّون في النهاية بمبادرة السلام التي طرحها الملك عبدالله منذ نحو خمس سنوات. لم تتضح نواياهم بعد ولكن يبدو أنهم يرمون إلى فكرة أنّ التفاوض بشأن السلام مع الدول العربية قد يشكّل السبيل الأنجح لتحقيق السلام فعليًا. إننا نأمل، طبعاً، أن يتابعوا هذا السبيل بصدق ويزيدوا فرصة تحقيق السلام مع الدول العربية المعتدلة.
لا يمكن التقليل من أهمية ذلك إذ بعد سنة أو سنتين، وفي حال لم يلُح في الأفق أي اتفاق سلام، قد تتبدّل الأجواء السائدة في فلسطين وعدد من الدول العربية لتحول دون التوصّل إلى اتفاق من هذا النوع لسنوات عدة. حتى أنّ المبادرة العربية التي أُطلقت العام 2002 قد لا يتقبّلها الفلسطينيون بعد الآن. إنّ الحكومة الفلسطينية المُنتخبة اليوم، تحاول أن تُبعد نفسها عن هكذا اتفاق ولكنّ الدول العربية الأخرى تحثّ بدهاء على تحقيق سلام شامل في المنطقة.
لحسن الحظ، لقد بدأ الأميركيون وسائر دول العالم يُدركون أيضًا الثمن الباهظ والتأثير الاقتصادي العالمي للنزاع المستمرّ في الشرق الأوسط. كما بدأ المعلّقون في الصحف الغربية والضيوف في البرامج السياسية الأميركية التعبير عن فكرة أنّ «إسرائيل» قد أصبحت تشكّل عبقًا على الأميركيين، في حين بدأ يُدرك الإسرائيليون أنّ حكومتهم لا تُخبرهم الحقيقة كاملة. يجب حلّ هذا التوتّر قبل -معاذ الله- أن تتم رؤية اليهود في الغرب مجددًا كقوة عميلة تخدم مصالح «إسرائيل» بدلاً من خدمة بلادها الخاصة.
كلّما أعاق حزب اليمين الإسرائيلي سماع أصوات الحق والإعتدال في «إسرائيل»، كلّما زادت صعوبة الشروط لتحقيق السلام في المستقبل. وليس من شأن المستوطنات الإضافية والحائط المرتفع إلاّ أن تزيد تعصّب الفلسطينيين وتخسر الثقة القليلة التي أبدى العرب إستعدادًا لمنحهم إياها. بدأ الغرب، الذي تعتمد عليه «إسرائيل».
كثيرًا لناحية الدّعم،تعتبر تلك الأعمال سلبية. إنّ ارتفاع ثمن النزاع الشرق أوسطي على سائر دول العالم سيدفع تلك الدول للتساؤل عن الحكمة من جرّاء دعم «إسرائيل» بأيّ ثمن.
يجب على «إسرائيل»، في حال اختيارها لطريق السلام، أن تُظهر لنفسها ولسائر دول المنطقة أنها دولة شرق أوسطية تعيش وسط شعب شرق أوسطي. لقد عاشت الشعوب اليهودية في فلسطين وشمال إفريقيا والعراق ومصر لقرون عدة وهي تنتمي ثقافيًا إلى المنطقة. عليها أن تبادر في التشديد على إرثها المشترك وخلق روابط بناء على أسس جديدة بين الشعوب في المنطقة.
من الواضح أيضًا أنّه على تلك الدول التي تملك تأثيرًا على «إسرائيل» أن تساعدها في اتخاذ الخيارات الصائبة. تشكّل الولايات المتحدة الدولة الأنسب لتلعب هذا الدور. لسوء الحظ، لقد جعلت الولايات المتحدة نفسها أسيرة لرغبات «إسرائيل» بدلاً ممّا هو لصالح أميركا وصالح المنطقة. لقد قام كلّ من المستشار السابق الخاص للرئيس كلينتون روبرت مالي، وآرون ميلر، الذي استشار ستة وزراء خارجية بشأن المفاوضات العربية الإسرائيلية، بطرح هذه المشكلة في مقال نشرته صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» (International Herald Tribune) مصرّحين، «بالنسبة إلى حكومة أميركية تخلّت بشكل أساسي عن الساحة العربية الإسرائيلية وخضعت في الواقع للقيادة الإسرائيلية، هذا ليس بنذير خير. وإنما يجب على الولايات المتحدة أن تنتهز فرصة تحديد السياسات في المنطقة التي من شأنها تعزيز مصالحها ويمكنها على الأقلّ أن تبدأ بإزالة الأضرار الناتجة عن ست سنوات من العجز الدبلوماسي. لن يتحقّق أيّ من تلك المطالب على حساب المصالح الإسرائيلية؛ لا بل قد تخدم غالبيتها الفرص الإسرائيلية لصنع السلام مع الوقت».
لقد حان الوقت لنا جميعًا لكي ننتهز الفرص بدلاً من مشاهدة بعضنا بعضاً نفوّتها مرارًا وتكرارًا.
محمد حقي
كاتب مصري
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ