بدأ ماراثون الانتخابات العامة في البحرين مع بدء التسجيل الرسمي للانتخابات وربما قبلها بأسابيع أو أشهر، والتباري بينهم مشروع ووارد وعلى الجميع أن يتزود بالطاقة اللازمة التي تعينه على تحقيق الغالبية المطلقة من الأصوات لتكفيه للحصول على المقعد الذي يرنو له، ونأمل من نواب الشعب الذين يعول عليهم الناخبون كثيراً ألا يتزودوا بزاد المزيدات حتى لا تسبب تخمة للناخبين نحن في غنى عنها أو تتسبب في إحداث نحافة، فأصحاب المزايدات للأسف الشديد لا يجدون ضالتهم النفسية المريضة، إلاّ من خلال العمل على تنفيسها أثناء إدارتهم لحملاتهم الانتخابية بغرض تسخين الأجواء الانتخابية والاستفادة منها لمصلحتهم الذاتية ضاربين بعرض الحائط مصلحة الوطن التي يجب أن تكون فوق كل اعتبار، فالوطن يسع الجميع ويجب أن يكون فوق الجميع، وكلنا للبحرين وكلنا نحب البحرين وحسناً فعلت اللجنة المشرفة على سلامة الانتخابات حينما اختارت شعارها البحرين أمانة ويجب أن يكون ذلك قولاً وفعلاً، بل علينا أن نتمثل ذلك في سلوكياتنا طوال فترات الحملات الانتخابية، ومنطلقاتنا يجب أن تكون «حب الوطن من الايمان». وكلنا مؤمنون إن شاء الله، لا نزايد بأن البعض يحب البحرين بدرجة أكبر بدليل أنهم لم يتخلوا عنه لحظة واحدة في حين أن البعض تخلى عنه، ولم يتبنوا أي موقف سياسي يبعدهم عنه، فالمشاركون في العملية الانتخابية السابقة 2002 ليسوا أكثر حبّاً للبحرين من الذين قاطعوا، فالأمور لا يمكن التعامل معها بهذا الشكل، فالعمل السياسي عموماً عمل متحرك ولا يعرف الثبات وأن السياسية أساساً قد تعرف بأنها فن الممكن والمتاح، فالمشاركون ليسوا على صواب دائم، والمقاطعون ليسوا على خطأ تام، المسألة وما فيها مسألة قناعات تتسع وتضيق بحسب المعطيات وبحسب القراءات، فلا أحد يزايد في وطنيته على وطنية الآخرين ولا أحد يدعي بأن الذين قاطعوا جاءوا اليوم ليشاركوا بعد أن تخلوا عن واجبهم الوطني طوال السنوات الأربع الماضية لأننا نعلم جيداً أن الذين قاطعوا الانتخابات لم يقاطعوا العمل السياسي ولا الحياة السياسية، مكانهم موجود وفاعل، وكانت السنوات الأربع بالنسبة إليهم سنوات كدح وكفاح سياسي غير منقطع، بل الذين شاركوا استفادوا كثيراً من مقاطعة المشاركين واستفادوا من المشاركة، لسهولة تعاملهم مع الوضع السياسي على اعتبار مواقعهم السياسية، ومع ذلك مشاركتهم لم تفضِ إلى شيء مهم ومقاطعتهم أكدت إلى العالم بأسره أن هناك مشكلة دستورية تعاني منها البحرين شئنا أم أبينا، رغبنا في التعديل الدستوري أو لم نرغب.
والذي يريد ان يسجل موقفاً أو يحقق أهدافاً لتحقيق مكاسب معينة في فترة الانتخابات ويتلاعب بالألفاظ بل ويتلاعب بالحقائق عليه، أن يعي تماماً أن الذي استطاع أن يدخل إلى حانات متعاطي المخدرات وغيرها من آفات اجتماعية يعاني منها المجتمع البحريني وإيصالهم إلي بيت الله للعبادة، من خلال مشاركتهم فإن المقاطعين لا يحتاجون إلى المشاركة من أجل تحقيق هذه الغاية فالهدف أساساً موجود ويعملون من أجله، منذ زمن بعيد. والهداية بيد الله سبحانه، وعليه لا يجب المزايدة في هذا البعد. كما يجب الالتفات إلى مسألة المن والأذى، فكل منا ينطلق بحسب تكليفه الشرعي وواجبه الوطني، ولكن الأهم من هذا كله إن المقاطعين هم من سيرفعون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة على رغم حالات الاحباط والتململ في الشارع والذي ربما المتسبب الأكبر في ذلك المشاركون وليس المقاطعين لعجزهم على تفعيل الأدوات الدستورية وتحقيق المطالب الشعبية، والأهم من ذلك كله ويجب الاعتراف به، وليس المواربة بأن المقاطعين هم تيار الانتفاضة الشعبية المباركة والتي قدمت التضحيات تلو التضحيات من أجل حياة ديمقراطية والتي كانت لهم مطالب سياسية ربما على رأسها توافر برلمان لنواب منتخبين طالبوا به وأصروا عليه بغض النظر عن آلية إدارة المطالب فكل مرحلة من المراحل لها آلياتها، الأهم من ذلك كله تحقيق النتائج والتي نراها رأي العين والتي يتمتع بها البعض في الوقت الذي يصب جام غضبه على المتسبب في النعمة التي يتنعم بها، فليس من حرَق العلَم وطُرد من البلد الآن يجب أن يُهمَّش أو أن يُجازَى فليس من كرم الاخلاق بشيء، وما هكذا تورد الأبل، ليس من وما التعاطف او رد الجميل بل من باب الحقوق والاستحقاق مع النظر الى مسألة الكفاءة، وعلينا على الدوام تذكر التضحيات التي قدمت من قبل هؤلاء بل وعلينا أن نفكر بشكل موضوعي وبروح وطنية وأن نوسع من دائرة أفقنا، ولا ننصب أنفسنا أوصياء على الناس أو أن نقوم بدور القاضي الغافل الذي لا يعلم عن القضية أي شيء سوى تواجده في قاعة المحكمة يوم اصدار الحكم ليثبت للجميع أنه أكثر القضاة التزاماً وعدلاً من دون الالتفات الى تفاصيل القضية والتي في ضوئها يصدر حكم عليها.
الساحة الانتخابية مفتوحة لجميع التيارات بجميع تلاوينها وليست حكراً على أحد وهناك توزانات لا بد من النظر اليها، والتباري وارد بين المتنافسين بل يثري التجربة الانتخابية، و «هذا الميدان يا حميدان» ومع ذلك يجب أن يتوافر الالتزام الأخلاقي والأدبي لكل مترشح بأن يثمن خطابه وأن يزنه بميزان العقل والحكمة والمصلحة الوطنية بعيداً عن المزيدات وبعيداً عن التعصبات الطائفية التي نحن في غنى عنها ولنبحث عن أساليب أخرى أكثر قبولاً في سبيل حصد الأصوات من الناخبين، فهل ننجح يا نواب المستقبل في امتحان المزيدات الذي يتكرر في المشهد السياسي من دون أدنى فائدة مرجوة؟ أم يبقى هكذا معلّقاً الى أجل غير مسمى؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ