قصة من التراث (2)
انطلق فضالة غير عابه بهم يجري ويجري ولم ير نفسه إلا محاطا بمجموعة من الأغنام عند التلة الرملية المنحدرة على الغرب (عند بيتنا الحالي) والغبرة لونت شاربه وبعض الشعيرات الخارجة من لفة الغترة وهو لا يدري أن هذه السوادة التي يعتقد أنها عمته مع مجموعة من النساء ما هي إلا قطيع من الأغنام يقودها مرهون لرعيها في منطقة البر من الناحية الغربية، فأخذ يتأمل محركا رأسه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وفي ذهنه صورة النساء تلك. أمله تلاشى وتلاشى عندما نطحه تيس من الأغنام معترضا طريقه ليرميه وسط المعمعة وأظلاف الأغنام تدوسه، ومرهون في المؤخرة على حماره الأشهب يهش بعصاه الطويلة على القطيع شمالا وجنوبا وقد لمح من بعيد شيئا خاطفا لم يركز عليه لأن باله مشغول في حد الأغنام للجهة التي يريدها معتقدا أن هناك خروفاً قد اعترض المسير فلابد أنه سيرضخ للأمر الواقع وسيجبر على المسير مرة ثانية.
انتهى مرور القطيع فنزل مرهون من على ظهر الحمار عندما فاجأه الصريع على الأرض مناديا على القطيع بصوته المعهود لها بالتوقف، فتوقفت كلها في مرة واحدة، وأخذ مطارة الماء من خرج الحمار ليسعفه وهو يئن ويتألم ويسب ويشتم في الأغنام التي حبست نظره عن عمته الميمونة، ويتوعد ذلك الطمطم بالويل والثبور حينما قام بدفعه من الأمام إلى الخلف في اتجاه المسير نفسه، وكلما رآه ساقطا سر ذلك الطمطم وفرح لإعادة الكرة مرة أخرى عليه، وعليكم أن تتخيلوا تلك الحركات التي اشتغل بها الطمطم من نطح ودفع ونفث ما في بوزه على ذلك الفقير.
ومرهون يضمد له الجروح ويسقيه الماء ضاحكاً على فعلته هذه، وكلما شاهد وجه فضالة ازداد في الضحك المرتفع، وكأن الحمارة من خلف مرهون سمتت براطمها للخلف مخرجة أسنانها في كلتي الفكين تساعد مرهون في ضحكه، وشيء يقرع من الجرس الموجود أسفل رقبتها يكمل ضجة الضحكات بسنفونية مشتركة ما بين القهقهة وأصوات الأغنام وجرس الحمارة المخرخش على الموقف المضحك.
فضالة مازال غير مصدق ما يجري إليه، ولعل عمته التي انحجبت من دخول القطيع قد وصلت إلى المظاعن وأعدت ريوق الشغالين، فهو يتخيل ويهلوس، ففي كل موقف عليه بلوى من الكل، من متروك والشغالين، من صوت حمار بيت عيد، من قطيع مرهون، ومن الطمطم الذي زاد الطين بلة، ومن جوعه المجنون الملتهب.
فأين يا ترى عمته، وكيف يحصل عليها وها هو استنفذ قوته من نطحة الطمطم، ولولا مرهون لما حصل على غترته أو شرب قطرة من الماء من تلك المطارة. رجع عبدالله فضالة يجر أذيال التعاسة بعد أن أدرك أن النساء اللاتي شاهدها إنما هي مجموعة من الأغنام، وليس فيها عمته التي تحن عليه، رجع وهو يسمع صوت العمال ينشدون: يا هولي... ياهولي... يالله، يالله... صلينا على النبي، صلينا على النبي... قدم إليهم بطريقة يشعرهم بأنه لم يفارقهم وذلك من خلال إضمام صوته مع أصواتهم وبنفس الرتم وبنفس الطريقة وكأنه معهم في لحظاتهم، ينساب بينهم يأخذ القفير مرجعا لهذا الصدى، زادت حركته، وزادت حركة العمال، ومتروك معهم يصدح وما أحلاها من صدحات، وما أروعها من لحظات، أتعرفون أن هذا الترجيع جعل الحمار يسهد عن حركته وضربه بحوافره على الأرض وكأنه يتمايل طربا لذلك الإنشاد، وحيث حركة الهواء التي تنعش البدن ما بين تلك السعفات المرتفعات وانشقاق متراوح لأشعة الشمس وانبطاحها على تلك الرمال الذهبية الغظة يعطي نفساً للعمل مندون ملل أو كلل.
بدأت الشمس تأخذ مكانها عند الضحى وهو الوقت الذي يترجى العمال فيه للريوق، وهذا الجهد المبذول من الجميع يلزم لمواصلته ريوق زين وقوي، وأحسن ريوق هو ذاك الريوق الذي يسمى بمسامير الركبة. رجع أحمد بن عبدالله من العمل لنصف نهار من يوم الخميس يرتقب ريوقه مع العمال، فنادى أمه التي قدمت قبل أن يأتي من العمل من تسموع مأتم بيت سيدعلي وهو ينادي أماه... أماه، أدرك عبدالله فضاله صوت ابن عمته يملأ الساحة فعرف أن عمته هناك تعد الريوق، فطمر طمرة قوية تاركا القفير المملوء بالرمال يسقط على الأرض. وراح يتصنت ماذا ستقول العمة بشأن الريوق، وما نوعه، ومتى سيجهز؟
لم يكد يسمع شيئا من كلام الولد لأمه بسبب دق حبات القهوة بالهاون في ذلك الطاس الحديد وذلك القرع المرتب والذي ينساب إلى الأذن، ويعطي انطباعا بكرم أهل هذه الدار.
سكت القرع عن الدق، فسمع ما دار بينهما من حديث شعشعت له معدته الخالية، وطار لبه وعقله، ودارت في مخيلته المتوقدة أصناف اللذة الشهية، فطمر طمرة لا إرادية في الهواء بجسمه النحيل فرحا بسماعه أن الريوق جاهز وترك قفيره المملوء بالرمال بمحاذاة الحفرة، موهما إليهم بحاجته لبيت الخلاء... فحين رجوعه وجد ان بعضهم قد نزل داخل عمق الحفرة التي يحفرونها، وفضالة لا يدري، وهو يريد أن يكسب شيئين في مرة واحدة، يظفر بريوق ساخن، وإيهام الجميع أنه مازال متمسكاً معهم في العمل، فهو بهذه الحالة يريد أن يرونه ملازما لعمله، فإذا كسب هذه النظرة رجع بكل طاقة للريوق التي علم بموقعه ومكانه (فهنا فشحة وهناك فشحات...)، لكنه فوجئ بأن مجموعة من العمال قد طرحوا النوخذة الحاج متروك أرضا وراحوا يعالجون عينه التي دخل فيها ذلك الرمل الذي خلفه فضالة من ذاك القفير الذي يعتقد أنه رماه على الأرض، ولا يدري قد سكبه على عين النوخذه، وهم في حال لوم على عمله (لمدوده).
الحال الآن فيها أمر آخر كيف يهرب من هذه الورطة التي ألمت بالنوخذة... أسرع إلى بغلة الماء وجاء بها وربط بها حبل طويل وهو ينادي نوخذانه... نوخذانه (وكأنه يشعر الآخرين بأنه لا يدري ما حصل للنوخذة الحاج متروك) اشرب قطرة ماي طري من إيفر لحلو، فمد الحبل كي يصل إلى النوخذة. فما وضع رأسه ليدلي الحبل إلا المجموعة رافعة رأسها في مرة واحدة له وواحد يغلي حنقا عليه قد عص على فكيه فاتحا جزءاً من فمه يلويه عليه بذلك الصوت نوخذههه... نوخذههه. نوخذه في عيونك ياللي منته راضي تصك الأرض... زين لك؟ زين تعمي الريال ولا كانك تدري؟ زين لك الحين جديه جنك مينون مصركع. فضالة من رأى الجميع كلهم ضده تمسكن وسوى نفسه متأثر وهو يقول ويش في النوخذة طايح، أشعرهم بأنه لا يدري، فترك الحبل ببغلة الماي لهم ورجع لذاك الموقع. فكيف تصرف في الموقع الذي ينتظره بفارغ الصبر.
تم اقتباس هذا الموضوع من موقع هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) العربية:
صنع العلماء البريطانيون معدة اصطناعية لمحاكاة عملية الهضم.
ويأمل «معهد أبحاث الغذاء» المشرف على البحث أن يساعد ذلك في تطوير أطعمة عالية الجودة من خلال الكشف عن كيفية هضمها في القناة الهضمية. ويمكن للجهاز المصنوع من مواد بلاستيكية ومعدنية أن يتحمل حموضة العصارات المعدية الهاضمة والإنزيمات، ويمكن أن «يتناول» أطعمة حقيقية.
ويستطيع الجهاز محاكاة عملية الهضم، بما فيها ردود الفعل الجسدية والكيماوية التي تحصل عند هضم الطعام، كما أن بوسع الجهاز حتى أن «يتقيأ». والجهاز متطور إلى درجة تمكنه أيضاً من محاكاة تقلصات المعدة الهاضمة للطعام قبل إرساله إلى الأمعاء.
ويأمل المشرف على تصميم الجهاز مارتين ويكهام أن يساعد الجهاز العلماء في فهم كيفية هضم الأطعمة في القناة الهضمية، وتحديد المواد الغذائية التي يتم امتصاصها. وبالحصول على هذه المعرفة يمكن للعلماء تطوير أغذية أفضل من الناحية الصحية، بحيث تستفيد من عملية الهضم على النحو الأكمل. فعلى سبيل المثال: يمكن أن تساعد معرفة كيفية امتصاص «الغلوكوز» بسرعة في مجرى الدم في علاج مرض السكر.
ووصف الخبير في الكيمياء الحيوية في جامعة «كلية لندن» بيتر إليس الجهاز الهاضم بأنه مهم لأنه يمكّن العلماء من فهم ما يجري في القناة الهضمية والذي كان حتى وقت قريب جدا أشبه بمنطقة مجهولة.
لكن على رغم تفاؤل العلماء بالجهاز الجديد، فإن بعض الباحثين يقولون إنه محدود القدرات باعتبار أنه لا يستطيع محاكاة وظائف المعدة البشرية المعقدة كافة. وللجهاز قسم علوي يضم وعاء تمزج فيه الأطعمة مع أحماض المعدة والإنزيمات الهاضمة. وحالما تتم هذه العملية، يتم هضم الطعام بتحطيمه إلى أصغر مكوناته التي يمكن للجسم البشري امتصاصها.
ويتحكم جهاز حاسوب في الفترة الزمنية التي يبقى فيها الطعام في جزء من أجزاء الجهاز، وبإفراز العصارات الهاضمة.
ويعادل حجم المعدة الآلية نصف حجم المعدة البشرية، وهي قادرة على «تناول» ما يعادل وجبة طبيعية من السمك والبطاطا.
وقد بدأت المعدة الاصطناعية بجذب اهتمام الشركات التجارية، إذ تريد إحداها معرفة الكيفية التي يمكن بها لنوع جديد من الأطعمة أن يفرز مادة غذائية معينة في الأمعاء. وترغب شركة أخرى في معرفة الكيفية التي يمكن بها امتصاص ملوثات التربة في جسم الإنسان إذا ابتلعها طفل يلعب في الخارج، على سبيل المثال
العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ