وقتما يعلن أي مترشح مستقل، عزمه على خوض الانتخابات عليه أن يفكر ملياً كيف يدير حملته الدعائية، التي لن تنطلق في الأصل إلا بإدارة وإرادة المال وحده، والبحث عن سبل كيفية الوصول إليه، سواء كان ذلك عن طريق الاقتراض من مصرف أو عبر تخزين ثروة طائلة جمعها من حساب أبنائه!
امتلاك المترشح الثروة المالية التي تقدر لدى البعض بعشرات الآلاف، أحيانا تكون هي الطريق الأنفع، بل والأسرع لكسب عطف وتأييد هؤلاء الناخبين، وذلك حسبما تقتضيه أجواء الانتخابات في العمل على تدشين حملات دعائية تخدم مصلحة المترشح، ومن ثم يستطيع من خلالها أن يجمع اكبر عدد من المصوتين الذين هم في الأصل ينضوون تحت رايته، ويتماشون مع آرائه وأفكاره بل ويجمعهم تحت ظلال «خيمته البدوية».
الخيام الفارهة والبوفيهات... هل تنصف الفقراء غداً؟
الخيمة هي المرتع التي يستظل الناخبون بدفئها وظلالها، بل هي المكان الأنسب الذي يستأنس به الناخبون - فيكونوا في لقاء وموعد معه ويتجدد هذا اللقاء بينهم في كل ليلة حتى حين موعد انطلاق يوم الانتخابات المعهودة - فتجدها تحوي فعاليات وأنشطة متنوعة ومبتكرة، تتقدمها البوفيهات الراقية المستقدمة من أفخم المطاعم والفنادق ذات الخمس نجوم... يا ترى، لم جميع هذه الأمور تحصل فقط إبان حقبة الانتخابات؟ هل لأجل ضمان كسب صوت واحد داخل صندوق الاقتراع فقط؟
تنصب هموم المترشح على تحشيد أصوات الناخبين، إلا أن ذلك لا ينسيه عبء وهمّ تغلبه على منافسيه في الدائرة نفسها، عبر استخدام وابتكار شتى الطرق وأساليب الجذب، في محاولة منه إلى إثناء أنظار الناخبين عن منافسيه، فتجد معالم المنافسة بينهم تحتدم، وشراستها تتفاقم، لكن ذلك لا يحدث إلا حينما يملك بيده أدوات القوة ويستخدمها سلاحا يناضل ويدافع به عن نفسه وعن أخلاقة وعن سجله التاريخي وعلاقاته الاجتماعية، فتجدهم (المترشحين) عقدوا العزم وعدوا العدة، وجهزوا لأنفسهم حقيبة أموال «التجوري»، بغية إنفاق كل ما ملكته أيديهم وما يحويه صندوقهم التجوري إلى يوم الانتخابات.
المؤسسات الإعلانية... موسم ساخن وأسهم نارية
ولا يقف قلق المترشح عند تلك النقطة، بل يمتد إلى البحث عن طريقة أخرى تيسر وصوله إلى قلوب الناخبين عبر إحدى الوسائل الإعلانية، فتجد بورصة الإعلانات تزداد سخونة وحمية في منحنى وتقلب أسعارها، إذ إن المؤسسات الإعلانية تصارع أيضا من جهتها لأجل رفع وزيادة ثمن الإعلانات لتحقيق الربح المنتظر من وراء نشر وتوزيع اكبر قدر من السلع لمترشح ما، فتجد سوق بيع اللوحة الإعلانية لمترشح ما يفوق ثمنها السعر الحقيقي، وينتظر صاحب المؤسسة الإعلانية بفارغ الصبر هذا الموسم الانتخابي لتحقيق أكبر طلب على منتجه، فأضحت الشوارع مزينة بصور، وفق أحجام وأشكال مختلفة وتصاميم مبدعة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة أو متوسطة تحوي لقطات مختلفة ذات زوايا متباينة، فتجد مترشحا ما، يكتفي فقط بذكر اسمه وعنوانه، فيما الآخر يتقمص جلسة الأمراء بغرض الحصول على لقطة تلاقي قبول ورضا جماهير دائرته من الناخبين.
يبدو أن قّّدر ونصيب بعض المترشحين المستقلين - الذين لا يتبعون أية جمعية سياسية - مكتوب عليهم الإفلاس إذا نووا الترشح، فعليه قبل كل شيء أن يدرس موازنته ويطلع على قدرته المادية وسعة «تجوريه» وذلك لتطبيق بعض ما تقتضيه البروتوكولات الدعائية وما تتطلبه من أمور تدشين حملة، تعود بالنفع والفائدة عليه، بهدف تحشيد وتجميع اكبر عدد ممكن من الأصوات داخل صندوق الاقتراع.
«التجوري»... كم سيغيّر في معادلة الفوز؟
يا ترى، هل شخصية المترشح الكفء مضافة إليها سعة «التجوري» تعادلان فوزه المؤكد في انتخابات المجلس التشريعي المقبل؟ بعض المترشحين يشكون من ضيق ذات اليد، وعدم قدرتهم على تدشين لوحات إعلانية ضخمة، تنصب وتوزع على الشوارع المزدحمة بالناس، بغرض لفت وجذب اهتمام أنظارهم، إذ إنهم يكتفون بنصيبهم بما حوته أيديهم على جزء بسيط ومستقطع من النقود، فقط لتركيب لوحة ووريقات صغيرة، على جدران بيوت حديثة، أو ربما حتى على بيوت آيلة للسقوط.
احد المسئولين عن المؤسسات الإعلانية، قال: «إن المترشح حينما يأتي ويتقدم بطلب لنشر أية مادة إعلانية سواء كانت ملصقات على لوحات خشبية كبيرة أو صغير فإنها تكلف ما بين 5 آلاف و10 آلاف دينار بينما اللوحات الصغيرة التي تحوي ألواناً تسعيرتها تبلغ نحو 3 آلاف دينار». وهذه المبالغ لا تهم أصحاب التجوري، بينما تشكل عقبة كبيرة أمام المترشحين (المعوزين).
من جهته، أوضح صاحب احدى المؤسسات المختصة بتجهيز الأفراح والمناسبات «أن كلفة تركيب الخيم تبلغ ما بين 5 و6 آلاف دينار وخصوصا إذا كانت مجهزة تجهيزا شاملا من البوفيه والتكييف والسجاد والإنارة والكراسي».
الخوف من مغبة الإحباط وارتفاع الضغط!
يا ترى، كم هي الأعباء التي ترزخ تحت ظهر المترشح إذا استيقظ فجأة على وجع الفشل مصحوبا بثقل الديون إبان لحظة الإعلان عن نتائج الانتخابات؟ وخصوصا أنه يعايش ويلمس الانتخابات لحظة بلحظة تدريجيا، بدءا من يوم تدشين المشوار الانتخابي وصولا إلى آخر موعد لظهور النتائج، لكن التوجس يبقى من مغبة امتداد الإحباط واختراقه العمر الافتراضي المسموح به، وبالتالي يرتد على انتكاسة حال المترشح النفسية إلى الوراء وخصوصا إبان لحظة افتتاح المجلس التشريعي الجديد، ومن ثم ينعكس على وضع صحته مستقبلا، واعتلاله بأمراض نحن في غنى عنها كالسكر والضغط مثلا
العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ