هناك الليبرالية «الجشعة»، وهناك الليبرالية «المستبدة»، وهناك الليبرالية الشيلوكية «المرابية»، أما أسوأ أنواع الليبراليات فهي الليبرالية «النمّامة»، وخصوصاً إذا دخلت طور التخريف!
كل شيء يمكن أن يبتلعه المواطن البحريني، إلاّ التشكيك في وطنيته. كل خطيئةٍ يمكن أن يتسامح فيها إلاّ محاولة التسلق على رقبته تزلفاً للسلطان على حساب كرامته. كلّ جريمةٍٍ يمكن أن يغفرها ابن هذه الأرض، إلاّ المزايدة على إخلاصه لأرضه وحبّه وطنه. لذلك لن تجدوا من هو أكثر سماجةً وثقلاً وتملقاً من هؤلاء المزايدين الليبراليين العجزة. بضاعةٌ مزجاةٌ ورثوها من أيام «أمن الدولة»، يريدون تسويقها في زمن الانفتاح السياسي.
ولنسأل: ماذا يعني هذا الهراء: «المواطن لا يراهن على غير الولاء لوطنه»؟ من الذي يتحدّث هذه الأيام عن الولاء غير هؤلاء؟ الناس مقبلون على انتخاباتٍ تشارك فيها الأطياف السياسية في البلاد، وهؤلاء يتحدّثون عن الولاء! ومن الذي خوّلهم صلاحية توزيع شهادات الوطنية والولاء؟
لعبةٌ قديمة، ربما لو كانت قبل عشرين عاماً لحصل بعضهم على سيارةٍ أو ترقيةٍ في العمل، ولو كانت قبل عشر سنوات لحصل بعضهم على قطعةِ أرض. وأما الآن... فـ «العبوا غيرها»!
ثم ماذا تعني هذه الروشتة الأمنية المتخلّفة: «ليكن ولاؤك للوطن وحده»؟ أليس معيباً أن يخاطب «ليبراليٌ» مواطنيه بهذه اللغة الهجينة؟ أليس معيباً أن يظلّ بعض هؤلاء يكرّر هذه الاسطوانة في الأسبوع الواحد مرةً أو مرتين؟ ألن يترفّعوا عن هذا المستوى المتدنّي من الطرح؟ هل هذه «حرية التعبير» التي أوجعوا بها رؤوس روّاد المجالس الرمضانية طوال 30 ليلةً؟ هل هذه هي الكتابة «حسبما يمليه الضمير»، التي نصحوا بها الصحافيين الشرفاء الذين يصغرونهم ثلاثين عاماً في ندوةٍ بثّها التلفزيون الوطني على الهواء؟ ماذا سيظن المشاهد الخليجي أو العربي بشعب البحرين؟ واقفاً في طوابير على أبواب السفارات الأجنبية يستجديها التدخّل في شئونه الداخلية مثل جنبلاط؟ هل أهدى بحرينيٌ قط جذعَ نخلةٍ أو «سعفةً» أو سلّةً من الخوص أو حتى «ثوب نشل» إلى جون بولتون في الأمم المتحدة؟
نحن في البحرين لدينا مشكلاتنا، فالمعارضة والجمعيات السياسية لا تخفي خلافها مع الحكومة في كثيرٍ من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من قضية المال العام والتوزيع العادل للثروة وسيادة القانون على الجميع حتى التمييز والتجنيس العشوائي... البحرينيون لا يخفون ذلك عن العالم، ويبحثون عن حلولٍ ومخارج لمشكلاتهم، ولكنهم لن يقبلوا بكائنٍ من كان، أن يقوم بدور «النمّام الأكبر»، طمعاً في بعض الجوائز والفتات.
ثم من أي دُرْجٍ قديمٍ أخرجوا ملف «الانشقاق على الوطن» على طريقة البهلوانات؟ يقولون إن التاجر المفلس يفتّش عادةً في الأدراج القديمة، لعله يحصل على فاتورةٍ لم يسدّدها أحد الزبائن، ليعيش على بعض الدراهم في زمن الإفلاس، ولكن مثل هذه الفواتير قد تم عصرها حتى آخر نقطة، فأصبحت مثل (اللوميّة السودة)، فابحثوا أيها السادة عن «ليمونةٍ» أخرى!
كفى.. واللهِ كفى. كفى مزايدةً على هذا الشعب الصابر الكريم. لم يعد لهذه البضاعة الفاسدة من يشتريها في هذا الزمن. ابحثوا عن بضاعةٍ أخرى، يمكن بيعها في عهد التجارة الليبرالية الحرة، أمّا النميمة والوقيعة فليس هناك من عاقلٍ يشتريها في هذا الزمان. .. لقد انتهت القصة و(باخت)... فابحثوا عن فيلمٍ هندي آخر أيها النمّامون المحترمون
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ