أثارت الحرب التي دارت بين حزب الله و»إسرائيل» في الصيف الماضي، وماتزال تثير، الكثير من الأسئلة والجدل. يبدأ ذلك من دوافعها ولا يتوقف عند نتائجها والمستفيد الأكبر منها.
الكثير من التحليلات، وخاصة العربية منها، ذهبت إلى توقع انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، واستندت في ذلك على تصريحات أطلقتها بعض جهات المعارضة في الدولة العبرية. لكن حقائق الأمور تشير إلى خلاف ذلك. إذ يشهد الاقتصاد الإسرائيلي ازدهاراً بعد تلك الحرب التي دارت، إذ تحطم بورصة تل أبيب ومستوى الاستثمارات الأجنبية كل الأرقام القياسية فيما أصدر صندوق النقد الدولي تقويماً إيجابياً للوضع الاقتصادي.
فللمرة الأولى تجاوز مؤشر «تي ايه 25» لأهم أسهم البورصة الأميركية هذا الأسبوع عتبة 900 نقطة مسجلاً تقدما بنسبة 21 في المئة عن مستواه في منتصف أغسطس/ آب عند انتهاء المعارك التي استمرت أكثر من شهر في لبنان.
ولم تؤدِ الحرب التي أطلق خلالها حزب الله نحو أربعة آلاف صاروخ على شمال «إسرائيل» إلى إبعاد المستثمرين الأجانب بل وصل حجم استثماراتهم إلى مستوى غير مسبوق قدره 17.1 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة أي بتقدم قدره 72 في المئة عن مجمل العام 2005.
ومن أصل هذا الرقم الإجمالي تضاعفت حركة شراء الأسهم الإسرائيلية في نيويورك، إذ تدرج أسهم مئة شركة إسرائيلية في البورصة وخصوصاً ضمن مؤشر «نازداك»، بمقدار 4.6 مرات بالنسبة إلى مجمل العام 2005 لتصل قيمتها إلى 8.24 مليارات دولار.
حال الانتعاش هذه دفعت وزير المال الإسرائيلي افرائيم هيرشسون إلى القول إن «علامة الثقة هذه من جانب المجتمع المالي الدولي» ظهرت أيضاً من خلال ارتفاع قيمة الشيكل الإسرائيلي الذي سجل تقدماً بالنسبة إلى الدولار بمعدل 6.70 في المئة منذ مطلع السنة مع الحفاظ على مستواه مقابل اليورو.
أبعد من ذلك، وعلى العكس مما توقعه الكثير من المحللين في أسواق المال، بمن فيهم بعض اليهود، تمكنت «إسرائيل» بفضل هذا الأداء الاقتصادي من الحصول في مطلع الشهر على قرض بقيمة مليار دولار في نيويورك بضمانة من الخزانة الأميركية ما سمح لها بالحصول على معدل فائدة منخفض قدره 5.58 في المئة.
من جهة أخرى، تمكنت «إسرائيل» من احتواء التضخم ويتوقع بنك هابوعليم، كبرى المؤسسات المالية الإسرائيلية، ألا يتخطى 0.3 في المئة للسنة الجارية. وأفاد حاكم بنك إسرائيل ستانلي فيشر في أكتوبر/ تشرين الأول من هذا الوضع لخفض معدل الفائدة الأساسي إلى 5.25 في المئة بعدما كان سجل ارتفاعاً متواصلاً منذ مطلع العام ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفائدة بالنسبة إلى الشركات والأفراد.
وفي ضوء هذا الأداء الاقتصادي، أصدر صندوق النقد الدولي تقويماً إيجابياً جداً فكتب في تقرير أولي نشر حديثاً قال فيه: «إن الاقتصاد الإسرائيلي سجل نتائج جيدة جداً إذا ما أخذنا في الاعتبار الغموض الكبير المحيط بالتطورات السياسية والأمنية الأخيرة»، في أشارة إلى حرب لبنان.
ورأت الصحف أن هذا هو التقرير الأكثر إيجابية الذي أصدرته هذه الهيئة حتى الآن عن الاقتصاد الإسرائيلي.
وتفوق توقعات صندوق النقد الدولي المتعلقة بنمو إجمالي الناتج الداخلي أرقام وزارة المال، إذ تقدر الهيئة المالية الدولية أن يسجل إجمالي الناتج الداخلي نمواً بنسبة 4.5 في المئة للسنة الجارية و4 في المئة للعام 2007 فيما تتوقع وزارة المالية 4.3 في المئة و8.3 في المئة على التوالي.
كذلك توقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع العجز في الموازنة هذه السنة بمعدل 5.1 في المئة بالنسبة إلى إجمالي الناتج الداخلي، وذلك على رغم الحرب على لبنان وما نتج عنها من ارتفاع مفاجئ في النفقات العسكرية وأضرار في شمال البلاد.
وعلى رغم هذه الأرقام الإيجابية، أوصى الصندوق حكومة إيهود أولمرت بعدم الاسترسال في التفاؤل وحثها في تقريره على العمل من أجل خفض الدين العام والعجز في الموازنة.
ورأى خبراء الهيئة المالية أن الاقتصاد الإسرائيلي يبقى على رغم ازدهاره الحالي عرضة «للمخاطر الجيوسياسية» المتمثلة في احتمالات تصاعد التوتر في المنطقة أو ارتفاع أسعار النفط.
ونترك القول الفصل للقارئ الذي نؤمن بحسن بصيرته
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ