قد يصل إلى أسماعنا كل يوم عن السرقات! سواءً سرقة مصارف أو بيوت أو شركات... أو الأوطان وتوظيف العصابات أو الجيوش الجبارة لمهاجمة بلاد الله واستعمارها وسرقة ثرواتها ولكن الغريب في هذه الحكاية هو سرقة كتاب وبطريقة سرية وتجهيز الجواسيس والجنود لسرقة عقل بشري قام بوضع أفكاره في كتاب!
وتبدأ الحكاية بأنه كان يا ما كان في سالف العصر والأوان... كان حاكم للهند اسمه دبشليم، كان ظالماً وشديد البأس لشعبه.
ففكر أحد الحكماء واسمه بيدبا بمساعدة هذا الشعب المظلوم والفقير بتقديم النصائح للملك لكي يمنع الثورة التي كانت آتية لقلب الحكم ومساعدة الملك في استقرار البلاد ووقف هدر الدماء.
وحينما وقف بيدبا الحكيم بين يدي الملك طلب أن يراجع الملك نفسه ويعيد التفكير في الطريقة التي يعامل بها شعبه وأن الإنسان تفوق عن سائر الحيوانات بأن الله أعطاه الفكر والحكمة والعقل وعليه التحلي بها في أمور حياته ولخص له بأنها العفة والحكمة والعقل والعدل، فأما العفة فهي أن يتحلى بالكرم وصيانة النفس والحياء... والحكمة في أن يكون مزوداً بالعلم والأدب والرواية ومثقفاً. والعقل أن يتميز بالصبر والوقار والحلم والرفق.
أما العدل فهو أساس الملك والحكم وضرورة الصدق والإحسان والمراقبة الدقيقة لمن حوله من حاشية وما يدور من سرقات ومنعها ومساعدة الفقراء وتحسس أحوال الشعب كي يمنع الجوع والمرض والتسول.
واختتم كلامه قائلاً إن الملك يجب أن يكون مثلاً أعلى لشعبه كي يقلده، وأن يتحاشى العنف والغضب والكذب والبخل.
غضب الملك غضباً شديداً وأمر بقتل الحكيم وصلبه لكن بيدبا الحكيم طلب كلمة أخيرة من الملك وقال في تحدٍ وهدوء وحكمة!... إذا كان للملوك فضل في حكمهم فإن للحكماء فضلاً أعظم من الملوك وذلك لأنهم يملكون موهبة الحكمة والعلم والمعرفة والتي يتفوقون بها على الملوك وأن كنوزهم لا تمكنهم من الحصول عليها... وأن عليهم مجاورة الحكماء كي يستفيدوا من خبراتهم وعظاتهم!
اندهش الملك ثم تراجع عن قراره وطلب العفو عنه وقام بتعيينه مستشاره الخاص وطلب منه كتابة تاريخ النصائح في كتاب... وكان له ما أراد وبذلك ظهر كتاب «كليله ودمنة» والذي ترجمه إلى العربية ابن المقفع واشترط بيدبا أن يوضع ذلك الكتاب في خزانة الملك وحراستها كي لا يصل سره إلى أهل فارس ذلك الحين وأثناء حكم الامبراطورية الفارسية... وتسرق أفكارهم.
ولكن ذاع سيط ذلك الكتاب إلى أسماع ملك كسرى أنوشروان فخطط لسرقته ودفع الأموال ووظف الجواسيس لذلك وسرق كتاب الروائع وكان يسمى بـ «كنز الحكمة» وانتقل إلى بلاد الفرس بعد عناء الانتظار والصبر الطويل.
إن كتاب «كليلة ودمنة» قام الفيلسوف فيه بمخاطبة الحيوان ليصل إلى الإنسان ويرينا كيف أن العفة والحكمة والعقل والعدل هي من المقومات الأساسية لأي ملك وتلك لكل عصر وأوان... ألا ترون معي ذلك
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ