العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ

ذكريات مع السفراء العرب في نيويورك

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

انتقلت للعمل في الأمم المتحدة بنيويورك في يوليو/ تموز 1982، ولبثت هناك 5 سنوات سمان لم تخل من مسرات ومنغصات. كان سفير مصر آنذاك هو أحمد توفيق يغضب غضباً شديداً وتغشاه حال عصبية من الحمى عندما يلتقي سفير «إسرائيل»، ولاسيما في مجلس الأمن. إنه سيئ الصيت والسمعة السفير ناتنياهو، إذ يصر أمام مرائ ومسمع السفراء العرب على احتضان السفير المصري قاصداً ومتعمداً إحراجه أمام زملائه. كان نتنياهو يحمل كتلة كبيرة لا حصر لها من العنصرية والعدوانية والتعالي، بل والصفاقة، شأنه شأن كثير من أبناء جلدته من أدعياء شعب الله المختار. وهو يحمل الجنسية الأميركية، ولكنه يفخر دائماً بجنسيته الإسرائيلية ويتباهى بها. وهو يمارس المحاماة في نيويورك، إذ أكثر المحامين في مدينة منهاتن هم من اليهود، ويكادون يسيطرون على سوقها الكبيرة في مهنة المحاماة التي تجلب لهم الثروة والنفوذ.

وبعد أحمد توفيق جاء عمرو موسى، وهو أكثر السفراء المصريين والعرب نشاطاً وحضوراً وحيوية، وقد شهدت له الساحة الدبلوماسية في الأمم المتحدة بهذا السبق، كما لا يجارى في روحه الفكاهية وإيراده النكت. ومن السفراء العرب النشيطين السفير العراقي عصمت كتاني، وهو حجة في شئون الأمم المتحدة من سياسية وقانونية، وبعد أن ترك العمل كمندوب دائم للعراق أصبح أميناً عاماً مساعداً في الأمم المتحدة. وهو صاحب نكتة وحس ساخر بالحياة والأحياء، ومعظم نكاته تدور حول بني قومه الأكراد. ومن السفراء العراقيين الفاعلين أيضاً رياض القيسي، المختص بالشئون القانونية، وقد أثرى المجموعة العربية بآرائه السديدة في الشئون القانونية.

وهناك السفير السعودي سمير الشهابي، وهو في الأصل من عرب فلسطين، ومن القدس تحديداً، وكان الملك فيصل (طيب الله ثراه) يستعين بذوي الخبرة من السفراء العرب إذ يسند إليهم المناصب المهمة، وكان السفير البارودي وهو لبناني من الدين المسيحي، وكان يتولى خلال حقبة الخمسينات والستينات منصب سفير السعودية لدى الأمم المتحدة، ولم تجد السعودية غضاضة في تعيينه سفيراً لها لأنه يمثلها خير تمثيل. وقد رأس سمير الشهابي الجمعية العامة للأمم المتحدة وأدار فترة رئاسته بكل كفاءة واقتدار. وأذكر خلال عملي في بكين في مطلع التسعينات، زار بكين كرئيس للجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما زار السفير عصمت كتاني بكين العام 1995 بصفته أميناً عاماً مساعداً للأمم المتحدة، ليشرف على نشاطات مؤتمر المرأة العالمي الذي عقد في بكين آنذاك. وتبنى السفير الشهابي بعد تقاعده عن العمل الرسمي مع صحبة من المندوبين الدائمين العرب تأسيس الجمعية الدولية للسفراء العرب السابقين في الأمم المتحدة، وعقدت اجتماعين ناجحين لها، وحضرت في أكتوبر/ تشرين الاول 2003 اجتماعها الثاني، وكان معظمنا سفراء سابقين لدولنا لدى الأمم المتحدة بنيويورك، وشارك في هذه الاجتماعات سفير البحرين الحالي في بكين كريم إبراهيم الشكر. وكانت جمعيتنا هذه محل تقدير وتكريم من رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، إذ دعانا إلى عشاء حميم ومشهود في منزله الفخم. كما أولت الحكومة اللبنانية هذه الجمعية الدبلوماسية الخاصة اهتمامها ورعايتها، وكذلك احتفت به أيما احتفاء الصحافة اللبنانية النشيطة. وحضرت الاجتماع الثالث الذي عقد في الأردن في أكتوبر 2004، وحضره عدد أقل من السفراء السابقين العرب للأمم المتحدة، إلا أنه حمل الزخم والحماس والرغبة نفسها في تفعيل أعماله. وكان أهم موضوع تطرق إليه النقاش بعث القضية المركزية الفلسطينية وإخراجها من غرفة الإنعاش المستمرة والبحث لها عن مخرج، ولاسيما بعد تعثر عملية السلام نتيجة لمراوغة «إسرائيل» وإضاعتها للوقت.

وكان من المؤمل أن تعقد جمعيتنا هذه اجتماعها الرابع في المغرب العربي في أكتوبر 2005 ولكن لم يكتب لهذا الاجتماع النجاح، وأهم مشكلة أو عقبة تهدد الجمعية الأهلية المهمة هو المصدر المالي لتمويل نشاطها، ولاسيما دفع مرتبات السكرتارية في مكتبها في لبنان. ومن المندوبين العرب الدائمين الذين تركوا بصماتهم واضحة على مسيرة العالم العربي السياسي والدبلوماسي سفير اليمن الجنوبي عبدالله الأشطل الذي أصبح سفيراً لليمن السعيد بعد توحيد شطريه الشمالي والجنوبي. والتقيته آخر مرة في بيروت 2003 وتوفي بعدها بسبب إصابته بالمرض الخبيث (السرطان). وأذكر واقعة لا تخلو من طرافة وغرابة خلال فترة عملي بين 1982 و1987، إذ كان سفير اليمن الشمالي لدى الأمم المتحدة محمد سالم بوسندة يسكن البناية نفسها التي أقطنها، وهي ريفر تور، فدعاني وزميله الأشطل سفير اليمن الجنوبي آنذاك لجلسة تناول القات، وهو قات طازج أرسل إليه بالحقيبة الدبلوماسية العتيدة، وعلى حد قول السفير إنه قات حبشي طري ومنعش ومفعوله أكيد، وقد وصل لتوه من الحبشة، وهناك قات إسرائيلي بدأت تزرعه «إسرائيل» لتلبي طلبات الأخوة في اليمن، وهو الأغلى ثمناً والأقوى مفعولاً، لأن علماء النبات من بني إسرائيل أضافوا إليه جينات نباتية توقظ الإحساس وتجعل الكيف أكثر نشاطاً وحيوية لمن يتعاطاه!

جلسنا على الأرائك وظهورنا إلى مساند مريحة ونحن نمضغ هذا القات لأكثر من 3 ساعات، وقد انتفخت أفواهنا وأوداجنا، وبقينا على هذه الحال من المضغ والبصق لعدة ساعات، وكانت تجربة متعبة ومنهكة لم يكن أمامي إلاّ قبول خوضها، وخصوصاً أنني كنت ضيف الشرف في تلك الليلة الليلاء، ولابد من قبول التحدي! في السنة الماضية ألغت وزيرة حقوق الإنسان اليمنية محاضرة قيمة عن القات، في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد بالمحرق، وقد وصفته بأنه آفة مقيتة على الشعب اليمني ينبغي اجتثاثه لأنه يشكل عبئاً مالياً ثقيلاً ويستنزف دخله ووقته على رغم أنه يريح كيفه ومزاجه

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً