«كيف الحال» أول فيلم سعودي روائي طويل، ترقب كثيرون عرضه منذ أن أعلن عنه خلال مهرجان «كان» الماضي، وكذلك خلال مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إذ جاء عرضه في إطار تشجيع الطاقات السينمائية العربية.
طبعاً كان الجمهور العربي، السعودي خصوصاً، متلهفاً لهذه الإطلالة السينمائية السعودية الأولى التي حشدت لها «روتانا» موازنة هائلة تجاوزت مليوني دولار، كما جمعت لها عددا من أفضل الطاقات الفنية والسينمائية في العالم العربي، وذلك بحسب تصريحات مسئوليها. يأتي على رأس هذه الطاقات المخرج الفلسطيني المقيم في كندا ايزادور مسلم وهو أحد أهم المخرجين العرب الذين استطاعوا اقتحام المجال السينمائي في الغرب، إذ قام بكتابة وإنتاج وإخراج خمسة أفلام روائية من بينها فيلم «الفردوس قبل أن أموت» الذي أخرجه العام 1997 وشارك فيه النجم العالمي الكبير عمر الشريف، كما أنه فاز بالكثير من الجوائز من بينها جائزتا أفضل فيلم روائي في مهرجان تيلوريد عامي 1991 و2000.
البحرين كانت المنطلق الأول لفيلم ايزادور الجديد. صحيح أنه عرض في دبي للمرة الأولى، لكنه لم يلق شعبية وجماهيرية عروضه المقامة في البحرين، إذ الاقبال على مشاهدته كبيراً جداً وخصوصاً من الجمهور السعودي، ولذلك فإن هناك ما يزيد على 10 عروض يومية للفيلم تتم على مدار الساعة.
ويؤكد تقرير نقلته وكالة «رويترز» اجتذاب عروض الفيلم البحرينية أعدادا كبيرة من المشاهدين، الذين يأتي معظمهم من السعودية، وهم الذين أبدوا إعجابهم بالفيلم (بحسب التقرير) كما وجدوا فيه خطوة إلى الأمام، بل إن إحدى المشاهدات السعوديات وجدت فيه خير تمثيل للصورة الموجودة في المجتمع السعودي.
يتناول فيلم «كيف الحال» الكوميدي قضية التطرف الإسلامي وقمع المرأة في المجتمع السعودي من خلال استعراضه عددا من الحالات الاجتماعية الواقعية، التي نجد تجسيدا لكل منها في أفراد أسرة سعودية تجمع ثلاثة أجيال.
الجيل الأكبر سنا يمثله الجد (خالد سامي) وهو على رغم تقدمه في السن بعيد كل البعد عن التزمت، بل إنه ينافس أحفاده في اهتماماتهم وميولهم، وخصوصا حفيده سعيد الذي يهوى تصوير الأفلام ويتمنى إقامة مسرح تجريدي. الجد يدعم هذا التوجه الفني وكدلالة على ذلك نراه يتابع أحدث الفيديو كليبات التي تملأ الفضائيات، على الأقل كليبات كتلك التي تقدمها الفور كاتس، على اعتبار أن هذا نوع من أنواع الفن!
الجيل الثاني في حياة الأسرة يمثله الأب، وهو على رغم تدينه منفتح إلى حد كبير يسمح لابنته بارتداء الجينز والملابس الضيقة، في اشارة إلى منحها مقدارا من الحرية، وهو اضافة إلى ذلك يؤمن بتعليمها وانضمامها لوظيفة ويعطيها الحق في اختيار شريك حياتها.
أما الجيل الثالث فهو ما يسبب المشكلة التي تعيشها الأسرة، ويمثله ابن متزمت يقوم بدوره تركي يوسف، يحاول فرض تشدده الديني على باقي افراد الاسرة، وخصوصا ابن عمه سعيد (يقوم بدوره نجم ستار أكاديمي هشام عبدالرحمن)، وشقيقته سحر (ميس حمدان) التي يرغب في تزويجها من صديقه المتزمت.
من ناحية ثانية لدينا سعيد وسحر، وهما شابان مختلفان، فسعيد فنان يرغب في تشكيل مسرح تجريدي ويحاول الحصول على ترخيص في بلد يحرّم الفن وينظر إلى الفنانين على أنهم اصحاب بدع ينبغي ملاحقتهم. أما سحر فهي مثال للفتاة المتحررة التي ترغب في العمل بالصحافة وتفعل ذلك متخفية تحت اسم آخر، وتكتب مقالات جريئة تدعو فيها الحكومة إلى سن تشريعات جديدة أكثر مجاراة لما يحدث في العالم ربما يمكن لها أن تحل بعض مشكلات الشباب كالبطالة.
الفيلم وعلى رغم محاولته التعرض لبعض هموم المجتمع السعودي وطرحه بعض النماذج الحقيقية الموجودة في هذا المجتمع، فإنه أخفق في الغوص في تفاصيل هذه القضايا ومناقشتها بشكل جدي ودقيق، كما عجز عن تصوير الشخصيات المجتمعية بشكل مقنع.
فكرة الفيلم الأساس أو قصته، التي جاء بها الكاتب اللبناني محمد رضا بمساعدة من المخرجة السعودية هيفاء المنصور، لم تتعد كونها محاولة لاستعراض الهموم لكنها جاءت مهلهلة غير مترابطة، تحوي الكثير من المفاهيم المغلوطة والمشوشة. مجريات هذه القصة كثيرة جعلت الفيلم يبدو مزدحما بكثير من الحكايات غير المترابطة التي أريد لها أن تشرح الوضع الاجتماعي السعودي الراهن، لكنها لم تتمكن من أن تكون سوى تصوير لبعض الحالات المجتمعية السعودية. ولعل ما يزيد الطين بلة هو استعانة روتانا بكاتب سيناريو مثل بلال فضل، لا أعرف إن كان يمثل واحدا من أفضل الخبرات الفنية التي يمكن لها أن تساهم في مشروع ترى فيه روتانا حجر أساس لصناعة السينما السعودية وترصد له الملايين، وخصوصا أن فضل لم يقدم ما يسر في سينما بلاده، بل جاءت أعماله خير ممثل لتردي السينما المصرية لعل أشهرها: حاحا وتفاحة، خالتي فرنسا، الباشا تلميذ، وهي أفلام لا تضيف لأي من عمل فيها أي قيمة تذكر، وربما يمكن لها أن تشكل نقاطا سوداء في حياة بعض أشهر أبطالها مثل عبلة كامل.
سيناريو فضل جاء ضعيفا ضحلا غير مترابط مهلهلا لا عمق فيه ولا دقة، كما ساعد على إظهار كل مساوئ القصة الأساس وأحداثها المبعثرة، أما حواراته فكانت سطحية هشة غير منطقية ولا مترابطة. كذلك جاءت الحبكة الدرامية مهلهلة فليس هناك ربط بين الحوادث، هذا عدا عن كون هذه الحوادث كثيرة جدا وكأن كاتبي الفيلم أرادا تضمينه الكثير من القضايا التي يعاني منها المجتمع السعودي في فيلم واحد. لم يكن ذلك ممكنا طبعا وجاء العمل مزدحما بكثير من الحكايات غير المترابطة التي أريد لها أن تمثل واقعا اجتماعيا، لكنها لم تتمكن من أن تقدم سوى حالات اجتماعية متفرقة، لعل أهمها التطرف الديني، ومعاناة المرأة السعودية التي حصرها الفيلم في رغبتها في قيادة السيارة وخوض الحياة العملية. يستحيل أن تكون تلك هي هموم المرأة السعودية وهي امرأة مثقفة وواعية لا يمكن لهمومها أن تكون بتلك الضحالة!
لم يضحك الفيلم مشاهديه ولم يمتعهم واستغرب التقارير الصحافية التي تؤكد العكس، بل لا يمكن اعتباره سوى محاولة أولية لم تحقق النجاح ولا ضير في ذلك لو كان الأمر بعيدا عن روتانا، لكن أن تخفق روتانا بكل ضخامة امكاناتها البشرية والمالية في صناعة فيلم سينمائي... أمر لا يغتفر لها.
لعل ما استطاع الفيلم أن يفعله هو أن يفتح ملف الحياة الاجتماعية في السعودية ويسلط الضوء عليها. ويطرح السؤال ذاته: «كيف هو الحال» في المجتمع السعودي؟
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1531 - الثلثاء 14 نوفمبر 2006م الموافق 22 شوال 1427هـ