«عن العشق والهوى»... آخر أفلام المخرجة كاملة أبو ذكرى، وآخر عمل يجمع بين ثنائي الدراما سابقا منى زكي وأحمد السقا، والأهم من ذلك هو ثالث إنتاجات تامر حبيب على مستوى الكتابة السينمائية بعد «حب البنات» و«سهر الليالي». ولعل أهمية حبيب هنا تبرز لأنه الوحيد الذي يقدم أمراً مختلفا عن الآخرين. ولا يعني الاختلاف قطعا التميز أو جودة الإنتاج أو علو القيمة الفنية له، بل العكس تماما. فحبيب يكرر ما أقدم عليه في المرتين السابقتين، يقدم عملاً على درجة عالية من الاستفزاز والجرأة في الطرح. ويحاول من خلال عمله الجديد مناقشة مفهوم الحب بين الرجل والمرأة مستعرضا بعض حالاته عبر قصص حب مختلفة ومتنوعة، مصراً على إثارة البعض بطرح استفزازي في تناوله لهذه الحالات.
الحالات التي يقدمها تمثل ألواناً مختلفة للحب فهناك الحب الأول، وهناك الحب من النظرة الأولى، والحب المرضي، وحب الشفقة، والحب من طرف واحد. ولأن حبيب هو الكاتب، فلا بد من التطرق لبعض أوجه الحب الشاذة في فيلمه الجديد كحب المحارم، والحب المحرم، ولا بأس من الغوص فيهما بطريقة مقرفة تثير الاشمئزاز ومن ثم الإشادة بهما والدعوة إليهما وإضفاء هالة تحمل نوعاً من القدسية على مرتكبيهما.
أول قصص الحب التي يتناولها الفيلم تجمع بين عمر «أحمد السقا» وعالية «منى زكي»، وهي قصة لا تواجه أي مشكلات بداية، فالحبيبان متفقان ومنسجمان مع بعضهما، والزواج هو وجهتهما الواضحة. إلا أن اكتشاف عمر لما تخفيه عنه عالية من حقيقة شقيقتها فاطمة «غادة عبد الرازق» (يفركش) الزيجة.
هو إذن الحب الأول الذي يتركه عمر أملاً في البحث عن غيره، بمواصفات يقبلها المجتمع. وحبيب هنا يدين رفض المجتمع للزيجة أولاً، وهي التي تفركشت بسبب اكتشاف عمر لحقيقة عمل فاطمة كفتاة لعوب. والإدانة هنا لم تشمل تحميل عالية وزر أختها وحسب، بل إنها شملت رفض المجتمع لنموذج فاطمة التي «شقيت» وكدت وتعبت لتطعم نفسها وشقيقتها من عرق جبينها. وحبيب لا يكتفي بذلك، بل إنه يحاول انتزاع الاحترام لها من مشاهديه، فهي صاحبة قلب كبير محب ومتسامح وهي أم حنون لشقيقتها اليتيمة أجبرتها الظروف على ما فعلت.
عودة إلى عمر وعالية، ينفصل الاثنان ليتزوج عمر من قريبته قسمت «بشرى» زواجاً تقليدياً، بينما تقترن عالية بجارها العاشق لها مجدي كامل. وهنا حالتان من حالات حبيب وتوصيفاته للحب فلدينا الحب من طرف واحد الذي تمثله بشرى، وهي التي أحبت عمر منذ الطفولة لكنه لم يشعر بها حتى نهاية مشوارهما معاً. كذلك لدينا الحب المرضي الذي يعيشه مجدي كامل مع منى زكي وهو إلى جانب كونه من طرف واحد، فإن مجدي يظل يعاني منه وكأنه لعنة ألمت به، حتى يتسبب في موته أخيراً.
يفشل بطلا الحب الأول عمر وعالية في علاقاتهما الجديدة، بسبب عدم تمكنهما من نسيان حبهما الأول، ليحاول عمر الخروج من المأزق بدخوله قصة حب جديدة مع مديرة مكتبه سلمى (منة شلبي) التي يتزوجها بعد دخول الاثنين في علاقة محرمة. ليس واضحا الوصف الذي يمكن إعطاؤه لحالة الحب هذه، لكنها قطعا تدخل ضمن إطار الحب المحرم، فمنة حين تلتقي عمر تكون متزوجة لكنها رغم ذلك تسافر معه إلى أسوان وهناك تتطور العلاقة بينهما من إعجاب متبادل إلى ليلة حميمة يتسبب فيها (الشرب والسكر).
بالطبع يلي تلك الليلة الحمراء علاقة سرية يقيمها الاثنان، تبدو، على رغم رفض المجتمع لها، أكثر صحية من العلاقات الأخرى. هي وعلى رغم كونها تبدأ بخطأ ثم تكبر في الظلام، إلا إن حبيب يدافع عنها باستماتة ويضحي بالكثير من أجل أن تبقى وتعيش. أولم تنس عمر مرارة فقده لعالية وتعوضه عن حبه لها، ثم ألم تخلص منة من زوجها الطيب المخلص الذي لم تحبه يوما لسبب لا تستطيع الإفصاح عنه ببساطة لأنه غير موجود!!
باختصار استمات تامر حبيب في الدفاع عن هذه العلاقة المحرمة وهيأ كل الأسباب لبقائها وحرف كل الحوادث فقط لينجيها بل وحاول تجميلها قدر الإمكان وتزيينها في عيون متفرجيه. حاول إسباغ ما شاء من الأوصاف على سلمى، ليصفها بالمضحية التي قدمت وأعطت وصاحبة القلب الذي يفيض عاطفة. لا أعلم نوع التضحية التي يتحدث عنها حبيب والتي يمكن لامرأة خائنة أن تقدمها، هل هي التضحية بالقيم والمبادئ والأخلاقيات الإنسانية المتفق عليها في كل المجتمعات، وهي التي تستعرض فلسفة تامر العميقة في احد المشاهد حين تقول إن أجمل ما في علاقتها مع عمر هو كونها سرية تتم في الظلام وإنها سعيدة لأنها عشيقة سرية، وان كثيرات من النساء يحببن هذا الدور ببساطة لأنهن يعلمن أن «الراجل لما يكون عاوز يعيش لحظات مجنونة» لن يكون راغبا في أن يعيشها سوى مع هذه العشيقة السرية.
منطق فاسد وسينما لا أخلاقية تشوه عقول مشاهديها، وتدمر أي معنى لقيم الحب يختمه حبيب بأغنية تحمل ذات المنطق يؤكد فيها أن أجمل حب هو الذي لم نعشه بعد، ولذا علينا أن نكون في بحث دائم عن الحب، ليكون الحب بمنطقه هو النزوات، التي يدعو مشاهديه لأن يعيشوا أقصى قدر ممكن منها فهناك دائما علاقة أفضل لم نعشها بعد.
تامر حيبيب يدافع عن العلاقات المحرمة ويدعو إليها في فيلم لم يقدم الكثير لأبطاله ولا لمخرجته، إذ لا يحمل أي تميز على مستوى الأداء أو الإخراج. ثم يدعو إلى هذه العلاقات ويزينها بطريقة فجة مثيرة للاشمئزاز لا يمكن إلا أن تعبر عن عدم احترام لأية قيم إنسانية قبل الدينية.
فيلم «عن العشق والهوى» يثير الاشمئزاز ولا يستحق حتى مجرد التوقف عنده
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1531 - الثلثاء 14 نوفمبر 2006م الموافق 22 شوال 1427هـ