في زمن مضى كنت أعتقد أن الساسة العرب وحدهم الذين يمارسون خداع شعوبهم وممارسة الكذب عليهم، واكتشفت بعد ذلك أن الساسة الأميركان مارسوا الدور نفسه وخصوصا بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول.
الساسة الأميركان تحدثوا كثيراً ومازالوا يتحدثون عن الإرهاب ووجوب محاربته، ومازالوا يصنفون حركات المقاومة في بلادنا العربية بأنها حركات إرهابية يجب أن تتوقف عن ممارسة دورها في الدفاع عن أوطأنها... هؤلاء الأميركان يعتقدون أن من يستمع اليهم لا يملك أي قسط من التفكير وأنه قد يصدق شيئاً من أكاذيبهم وقد يبدو لهم أن هذه الشعوب التي يخاطبونها لا تعرف حجم الإرهاب والجرائم المنظمة التي يرتكبونها في بلادنا سواءاً في العراق أو في فلسطين أو في لبنان أو في سواها سواءاً أكانت هذه الجرائم بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
آخر هذه الجرائم التي مارستها أميركا هي ممارستها للفيتو الظالم ضد اتخاذ قرار بإدانة الجرائم الصهيونية في فلسطين وقتلها للأطفال والنساء الأبرياء، هذا الفيتو «الظالم» ليس الأول من نوعه ضد الفلسطينيين؛ فقد دأبت أميركا على استخدام هذا الفيتو ضد أي قرار يدين الصهاينة، إذ استخدمته نحو 82 مرة معظمها كان لحماية الجرائم الصهيونية، ما أعطى تأكيدا للصهاينة أن كل جرائمهم ستكون محمية وأن عليهم أن يستمروا فيها مادام الفيتو الأميركي جاهزاً لحمايتهم.
أميركا تفعل كل ذلك وهي تتحدث عن الإرهاب ومحاربته وعن الديمقراطية ونشرها في عالمنا العربي، أرأيتم سخرية بنا وبعقولنا أكثر من هذه السخرية؟
وزيرة الخارجية الأميركيةالسيدة كوندوليزا رايس تعلل هذا الفيتو بأن مشروع قرار إدانة الهجوم الصهيوني على قطاع غزة كان «منحازاً» وأنه لا يخدم قضية السلام!
قتل الفلسطينيين وهدم منازلهم لا شيء فيه، وهو مبرر بحسب مزاجهم، أما مجرد الحديث عن إدانة الصهاينة فهو انحياز مرفوض، مع أن هذا الحديث والإدانة لا يعنيان الكثير ولا يردان الحياة للموتى، ومع هذا فهما شيئان لا يستحقهما الفلسطينيون!
أميركا والصهاينة ضالعون في الإجرام وليس من المتوقع أن يكفوا عن هذه الجرائم بمجرد استنكارات عربية من هنا أو هناك.
المطلوب أن يتحرك العرب لإيقاف مسلسل الجرائم الصهيونية، شعوباً وحكومات، ومطلوب أن تكون هذه الحركة على مستوى الحادث المؤلم الذي يتكرر بين وقت وآخر وليس مجرد حديث أو اجتماع لا قيمة له.
وزراء الخارجية العرب اجتمعوا في القاهرة لمناقشة ما يجب فعله إزاء تلك الجرائم، وقرر هؤلاء الوزراء رفع الحصار المفروض على الفلسطينيين فوراً، كما قرروا كذلك عدم التزام المصارف العربية بعدم تحويل أموال للحكومة الفلسطينية!
الذي يقرأ هذه التوصية يدرك أن هؤلاء الوزراء كانوا يشاركون في عملية الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني بكل أبعادها بما فيها عدم تحويل أموال لهذا الشعب ولعل ذلك معروف وإن كانوا ينكرونه قبل ذلك.
ويعجب المرء كيف يجيز هؤلاء الوزراء لأنفسهم المشاركة في عملية محاصرة شعب بأكمله وتجويعه وتعريضه للقتل والامتهان استجابة لضغوط أميركية وإسرائيلية، ما مصلحتهم من كل ذلك؟ ولماذا يبيعون شعوبهم بأرخص الأثمان؟
ومع الألم الشديد الذي سينتاب كل عربي من هذا القول إلا أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ولعلهم يستمرون على مواقفهم الداعمة للحق الفلسطيني مهما كانت مواقف الاميركان.
اللافت للنظر في هذا الاجتماع ما نقل عن وزير الخارجية المصري الذي طالب الفلسطينيين بعدم إطلاق الصواريخ على اليهود، ولست ادري ما السر وراء هذه المطالبة، هل هي حرص على أرواح الصهاينة أم حرص على الفلسطينيين؟ كنت أتمنى أن يقول لنا الوزير ما هي البدائل التي يمكن للفلسطينيين استعمالها أمام آلة الحرب الصهيونية؟ ليت الوزير استخدم إمكانات بلاده لإيقاف المجازر الصهيونية التي لا تتوقف... عندما طالب معظم العرب مصر بقطع علاقتها مع الصهاينة رفض الوزير هذا المطلب متعللاً بأن قطع العلاقة يعني إعلان الحرب وليته قال لنا من أين جاء بهذه النتيجة التي لا يعرفها سواه؟
تونس قطعت علاقتها بقطر بسبب قناة الجزيرة ولم يقل احد إنها أعلنت الحرب على قطر، ومثلها فعلت بعض الدول العربية ومضت الأمور بسلام، فلماذا إذا كانت المسألة متعلقة بـ «إسرائيل» ولسبب في غاية الأهمية ويهم العرب كلهم خرج علينا الوزير بذلك التعليل الذي لا يصدقه احد؟ ثم ماذا لو كان كلام الوزير صحيحاً - وهو ليس كذلك؟ أليس إعلان الحرب على دولة معادية محاربة أمراً لا شيء فيه؟ مصر كما قالت الأخبار اكتشفت نفقاً يربط مصر برفح، ومصر وضعت آلاف الجنود على حدودها مع غزة، هل هذا هو دور مصر؟ لماذا تسكت عندما قتل الصهاينة عمداً عدداً من جنودها؟ هل قوتها تبرز على أهالي فلسطين فقط؟
عمرو موسى يقول إن العرب غضبوا كثيراً للفيتو الأميركي، ولكن ماذا ينفع هذا الغضب؟ أميركا لا تفهم إلا لغة القوة، أما الغضب والأسف فليس لهما قيمة عند الاميركان صانعي الإرهاب والتطرف.
على أية حال حسناً أن اجتمع الوزراء العرب، وحسناً أنهم قرروا رفع الحصار عن فلسطين، ولكن الأحسن أن تكون مواقفهم ثابتة ومستمرة وأن يدركوا أن عمقهم الحقيقي والمستمر مع شعوبهم وليس مع أميركا
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1531 - الثلثاء 14 نوفمبر 2006م الموافق 22 شوال 1427هـ