بعد احتلال العراق بأشهر قليلة، خرج الرئيس الأميركي جورج بوش ليعلن أن اولى بوادر نجاح قراره باحتلال العراق تمثلت في اعلان ليبيا استعدادها لتسليم مشروعها النووي، وأشار حينها الى ان ليبيا هي اول دولة تلحق بـ (قطار) التغيير والاصلاح والديمقراطية والحرب على الارهاب وهي الشعارات التي رفعت لاحتلال العراق، وقال ايضاً إن دولاً اخرى في منطقة الشرق الأوسط ستتبعها، وهو بذلك كان يشير الى عدوي بوش اللدودين «ايران وسورية». وعدّ الرئيس الأميركي كل ذلك أولى نتائج قراراته الايجابية في الإصرار باحتلال العراق.
بعد 4 سنوات من «إعلان نهاية العمليات المسلحة في العراق» يبدو أن بوش مستعد الآن لتقديم تنازلات مهمة لعدويه (إيران وسورية)، وهو مستعد أيضاً على ما يبدو للحاق بقطار من كان يسميهم في السابق بـ «محور الشر» أو بقطار «داعمي الارهاب» في العالم، بعد أن أكدت الحوادث فشل خطة بوش لتوزيع الديمقراطية بقوة السلاح على دول المنطقة. لم تكن الشعارات التي رفعها بوش لاحلالها في العراق هي الخطأ، فقد اثبت القرن الماضي ان كل الشعوب العربية تتطلع للعيش بحرية في ظل نظام ديمقراطي، بل الخطأ كان في رافع الشعار وفهمه لآلية تطبيقه في المنطقة. عندما دخل الجيش الأميركي الى العراق كان يعتقد بوش أن السلاح قادر على تطبيق ما يراه حلم الشعوب المضطهدة وهو بذلك لم يختلف كثيراً عن أي دكتاتور يرى في القوة حلاً لتحقيق السلام، وفي القمع حلاً لتطبيق الأمان، وفي تعذيب «أعداء مشروعه» حلولاً لتطبيق الديمقراطية، وفي نشر السلاح وحماية المجرمين والقتلة حلاً لنشر الحريات. وكحال معظم القادة المؤدلجين الذين يرفضون الاعتراف بالهزيمة ويحاولون بالكلمات تحويل الفشل في تحقيق الاهداف المعلنة الى نجاح في قضية جانبية، حاول الرئيس الأميركي أن يصور الهدف من احتلال العراق هو نشر الديمقراطية وتطبيق الحرية لشعبه، فما الذي حدث وماذا حقق بوش للعراقيين؟ لا يوجد في العالم شعب لا يتمنى العيش في ظل الديمقراطية وممارسة الحرية والعيش في ظل نظام قضائي عادل، لكن أيضاً لا يوجد شعب في العالم لا يتمنى أن ينعم بالأمان ويعيش السلام، ولاختصار ما حققه بوش للعراقيين فإن 650 ألف عراقي قتلوا خلال 3 سنوات نحروا كلهم كالقرابين على محراب ما قيل انه أحد أهداف بوش من احتلال العراق وهو تحقيق الديمقراطية. وها هي الـ 3 سنوات تنتهي ليبدأ بعدها مستشارو الرئيس الأميركي بوش والناطقون باسمه ليشيروا باستحياء الى أن البيت الأبيض قد يتنازل عن اهدافه في تحقيق الديمقراطية في العراق، وهو ما يعني التنازل عن الحرية والاصلاح وتطبيق ما يحلم به أبسط شعب في العالم، وليكون 650 ألف عراقي والعراق كبلد حقلي تجربة فاشلة لسياسات بوش. بوش احتل العراق من دون وجود غطاء شرعي، وطبق فيه سياسات فاشلة فصار العراق نموذجاً رائعاً تحتمي خلفه الانظمة المستبدة في العالم في وجه كل من يدعو الى تطبيق اصلاحات في بلده. كما أضعف بوش وسياساته في العراق كل من ناضل ويناضل بشكل وطني لتحقيق الديمقراطية في بلاده، لآن بوش دمر ما يمكن أن ينادي به الاصلاحيون لتحقيق مكاسب وطنية، فاصبح بوش ومن خلفه أميركا (الى حين على الأقل) وصفة للانفلات والفوضى والموت والدمار للشعوب
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1530 - الإثنين 13 نوفمبر 2006م الموافق 21 شوال 1427هـ