العدد 1530 - الإثنين 13 نوفمبر 2006م الموافق 21 شوال 1427هـ

لماذا تتهجمون على «الوفاق»؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل عامٍ تقريباً، نظّمت المدرسة يوماً مفتوحاً، للقاء أولياء الأمور، وكنت واحداً من هؤلاء. قبل الذهاب، (صدّقت نفسي) ودوّنت في ورقةٍ صغيرةٍ ثلاث ملاحظات، وعندما التقيت المديرة طرحت عليها ودياً ملاحظتي الأولى بشأن إثقال أطفال سن السادسة، بواجباتٍ مدرسيةٍ لا يتسع لها كل المساء، فهم يحتاجون إلى نفس عدد الساعات التي يقضونها في المدرسة لحلّ واجباتهم المنزلية في المساء.

وقبل أن انتقل إلى الملاحظة الثانية، باغتتني بالقول: «عيبٌ عليك أن تقول هذا الكلام... ما كنت أتوقّعه منك»!

أصارحكم، لم أكن أتوقع مثل هذا الردّ النسائي الصاعق... فالتزمت الصمت، ولم أصدّق أن أخرج من المدرسة سالماً في ذلك اليوم! وحتى الآن، لم أكتشف ما هو «العيب» بالضبط في كلامي أعلاه، أو مدى مخالفته للعقل أو الدين أو العرف أو قواعد القانون الدولي! فمديرة المدرسة كانت تتوقّع أن تسمع قصيدة مدح، ولم تنتظر سماع ملاحظةٍ صادقةٍ من ولي أمر (على نيّاته) يفكر في المصلحة الحقيقية لابنته كما يحبها لبقية طلاب المدرسة.

المديرة سيدةٌ محترمةٌ وطبيعيةٌ وليست شاذةً في المجتمع، فمن عادة النفس البشرية أن ترتاح للمديح، ويصعب عليها سماع النقد و «الملاحظات»، حتى لو كانت من طرفٍ يحب الخير للجميع، فكيف إذا فُسّر الكلام على أنه طعنٌ في الظهر من شخص (محسوب عليك)، وخصوصاً إذا كان الطرف الآخر «حساساً جداً»... فرداً أو جماعةً دينيةً أو جمعيةً سياسية!

قبل أسبوعين تقريباً، كان المسئول الوفاقي جلال فيروز في «الوسط» لإجراء مناظرةٍ صحافية، فاستقبلني بابتسامةٍ لائمةٍ قائلاً: «ها... بدأتون تنتقدونا»! فأجبته: «تحمّلونا قليلاً، فنحن ننتقد الحكومة منذ أربعة أعوام وهي متحمّلة، أفلا تتحمّلون مقالين فيهما بعض النقد؟». فأجاب بابتسامةٍ دافئة: «بالعكس، نحن نرحب بك وبانتقاداتك».

كنت يومها قد كتبت منتقداً «بعض» أخطاء الجمعية، التي من الواجب مناقشتها تحت ضوء الشمس، عسى ألاّ يخرج من بين صفوف الجمهور المتحمس من يصرخ: «قف عند حدك... الوفاق خطٌ أحمر»، وهي العقلية التي تغرّ وتضرّ «الوفاق» أكثر مما يضرّها أعداؤها ومناوئوها.

البعض يرى النقد معول هدمٍ، وتصيّداً في الماء العكر، أو بحثاً مفتعلاً عن الأخطاء، وهو ما يجعله يغلق عقله عن التفكير في المسائل المطروحة للنقاش، ويبدأ في مهاجمة هؤلاء «الأوغاد المتفلسفين» المتطاولين على مقام هذه الجمعية المقدسة أو تلك.

الأمم الحيّة هي التي تناقش قضاياها المصيرية تحت ضوء الشمس، ولا تسيّر حياتها على طريقة «نفّذ ثم ناقش»، مثل طوابير الشرطة العسكرية.

الأمم الحيّة لا تصعد الجبال بكلمة، وتهبط إلى السفح بكلمة، من دون قناعةٍ أو إقناع. فالشعب الذي يقبل التسيير بطريقة «وقّع ثم وقّع ثم ناقش»، لن يتعلّم من أخطائه، وسيظلّ يراوح هو وجمعياته وقياداته في مستنقع الأخطاء، وتعيش أجياله منكسة الرأس دائماً، ذليلةً دائماً، تتحرك مثل المساكين.

الشعب الذي لا يفكّر في خياراته ويمحّصها ويناقش فيها، ويوكل ذلك إلى أفرادٍ يفكّرون بالنيابة عنه، لا يكون سيّد نفسه. مثل هذا الشعب «المسيّر» الذي يفتقر للإرادة الحرة، لا يمكنك أن تحمّله المسئولية عندما تخفق خياراتك أو تظهر بعض الأخطاء في سياساتك، ببساطةٍ لأنك لم تترك له حرية التفكير ولا حرية الاختيار، فهو مازال طفلاً صغيراً لم يبلغ الحلم أو يُحسِن التدبير.

الشعب الذي لم تتعوّد على مناقشته ومحاورته وإقناعه، سيخرج لك اليوم من صفوفه من يقول متفاخراً: «أنا سأختار من تختاره الجمعية حتى لو لم يكن كفؤاً»، ولكنه بعد 18 شهراً، سيكون أول من يلعنك عندما توضع أمامك العراقيل وتتعثّر مسيرتك في البرلمان.

وأخيراً... «صديقُكِ من صدَقَكِ لا من صَدَّقَكِ» يا «وفاق»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1530 - الإثنين 13 نوفمبر 2006م الموافق 21 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً