الثورة البيضاء التي هزت الولايات المتحدة هذه الأيام من خلال إزاحة الجمهوريين من الهيمنة على الكونغرس بمجلسيه تحتاج منا إلى دبلوماسية هادئة مع الوجوه الجديدة حتى نصحح ما خربه اليمين المتطرف. فحتى الرئيس جورج بوش (هتلر زمانه) نجده هذه الأيام يستخدم دبلوماسية هادئة للتعايش مع خصومه الديمقراطيين.

بيد أن تنظيم «القاعدة» الذي يزعم أنه يتحدث باسم الأمة الإسلامية لم يحسن استغلال هزيمة المحافظين الجدد على رغم أنه اعترف بأن الشعب الأميركي وضع قدمه على أول الطريق الصحيح للخلاص من المأزق الذي وقع فيه في الشرق الأوسط من خلال تصويته لصالح الديمقراطيين. ومع أن السياسة الأميركية لا يمكن أن يطرأ عليها تغيير كبير تجاه قضايانا الجوهرية، إلا أننا يجب أن نتعامل بمبدأ «أخف الضررين» الناجمين عن الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة. ولكن الخطاب السمج الذي جاء على لسان زعيم «القاعدة» في بلاد الرافدين أبوحمزة المهاجر لا يخدم التنظيم في شيء بل ويهدم مكتسبات الأمة، إذ كيف يتعاطف الديمقراطيون مع قضايانا في ظل وجود متطرفين يهددون بنسف البيت الأبيض وهو الهاجس ذاته الذي حاول الرئيس بوش ترسيخه في ذهن المواطن الأميركي العادي الذي يجهل كثيرا عن تاريخ وثقافة شعوب المنطقة. إن هزيمة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس جاءت بثمار يانعة ينبغي قطفها في مقدمتها استقالة وزير الدفاع المتغطرس منشئ السجون السرية وغوانتنامو، رونالد رامسفيلد، وهي في طريقها إلى التسبب في إقالة السفير الصهيوني في الأمم المتحدة جون بولتون، وهي في طريقها أيضاً إلى تقليص موازنة الدفاع ودعم القوات الغازية والمحتلة في العراق وأفغانستان. وتسبب هذا التغيير في تراجع حدة اللهجة فيما يتعلق بالدعوة إلى التدخل الأجنبي في دارفور علاوة على التراجع المحتمل للضغط من أجل فرض الإصلاح والديمقراطية بالقوة على دول المنطقة. ومن هذا المنطلق ينبغي على حركات المقاومة في المنطقة أن تحسن استغلال هذا التغيير السلمي الذي لم توجف عليه بـ «خيل ولا ركاب»، والكف عن إطلاق التهديدات التي لا سبيل إلى تنفيذها في الواقع، ولكنها تقتل القضايا من خلال التأثير السلبي على الرأي العام الغربي ومن ثم تذهب جهود المعتدلين سدى بمجرد إطلاق تصريح في موقع إلكتروني، وصدق الشاعر القائل: متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم