في تبدّل ساخر للحوادث، حصدت الانتخابات الرئاسية والمحلية في اليمن التي جرت بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول، تغطية واسعة وإيجابية من قبل محطة الجزيرة المتعارف عليها بالإنتقادية، في حين لم تحز الانتخابات إلاّ على انتباه ضئيل من قبل الحكومة الأميركية التي، حتى هذا الوقت، تتلهّف لتسليط الضوء على أي دليل للإصلاح في الدول العربية. فلماذا امتنع المسئولون الأميركيون عن تسليط الضوء على ما أثنى عليها الكثير من المراقبين الأجانب بأنها انتخابات ناجحة؟
تتضمّن التفسيرات المحتملة عودة للأولويات التقليدية إذ تحلّ المصالح الأمنية مكان تعزيز الديمقراطية، مسعى أميركي متعمّد لتعزيز الإصلاح العربي بهدوء أكبر، أو أنها مجرّد زلّة نتيجة تشتتات أخرى.
يشكّل اليمن، بلد عربي ذو موارد قليلة يقع على مسافة جيدة من قلب النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، تجربة قاسية على مساعي الولايات المتحدة للتوفيق بين الإصلاح والأهداف الأخرى. إنّ التعاون الأمني والاستخباراتي الثنائي بين اليمن والولايات المتحدة كان ولايزال على رأس الأولويات الأميركية. منذ اعتداءات القاعدة على «USS Cole» في العام 2000، ساعدت الولايات المتحدة اليمن على بناء خفرها الساحلي لمراقبة باب المندب ولتلبية تهديد إرهابي مُستوحى من القاعدة، وقد برهنت الحوادث الأخيرة أنه فعلي. في 19 سبتمبر/ أيلول، أي اليوم الذي سبق الانتخابات، أفشلت قوات الأمن اليمنية عمليتين إرهابيتين ضد مواقع نفطية في المنطقة الشمالية الشرقية لمعاريب وعلى خليج شاطئ عدن في دابة.
كما تواجه الولايات المتحدة في اليمن تحديات المزج بين الدعم والانتقاد لجهود الأنظمة العربية التحررية، وبين كيفية التعامل مع الإسلاميين. هذا ما يحصل في المغرب أيضاً وفي أجزاء من الخليج، إذ يحث المسئولون الأميركيون نوعاً ما على التحرّرية. إنّ سياسة الولايات المتحدة تجاه مهاجمة بعض الحركات الإسلامية لاتزال غامضة نوعاً ما - ربما عن قصد - ولكن هناك جهود تُبذل للحفاظ على علاقات مع المجموعات الإسلامية المعتدلة وغير العنيفة. في اليمن، يبدو أنّ أعضاء حزب الإصلاح (تحالف بين الأعضاء الأصليين للأخوة المسلمين، والسلفيين، وقبائل) يرحبون بالحوار بشأن الإصلاح وقد شاركوا، بالإضافة إلى أحزاب سياسية يمنية أخرى، في برامج يرعاها المعهد الوطني الديمقراطي (National Democratic Institute) القائم في الولايات المتحدة. ومع ذلك، يتوخّى المسئولون الأميركيون الحذر إذ إنّ قائد الإصلاح ذا التوجه السلفي، الشيخ عبد المجيد الزنداني، «مُصنّف بالإرهابي العالمي» من قبل وزارة المالية الأميركية بسبب دوره المزعوم بتأمين الدعم المالي لعمليات القاعدة وتجميعها للانتحاريين.
لم تقتصر الانتخابات الرئاسية اليمنية على المفهوم المبهم للإصلاح السياسي؛ فقد تمحورت بشأن المسألة الفعلية للخلافة الرئاسية. كما في مصر، إذ تتردّد الشائعات بشأن تهيئة «جمال مبارك» للخلافة، هناك قلق منتشر بين أحزاب المعارضة اليمنية بشأن احتمال تسلّم نجل الرئيس «علي عبدالله صالح»، «أحمد» الذي يبلغ 37 سنة من العمر، السلطة. برز هذا الخوف بين الدوافع الرئيسية التي جمعت مختلف أحزاب المعارضة اليمنية - الاجتماعيين والإسلاميين والبعثيين - معًا في انتخابات هذه السنة. في مقابلة أجرتها معه واشنطن بوست (Washington Post) مؤخرًا، أشار مرشّح الرئاسة عن جهة المعارضة «فيصل بن شملان» (الذي حصل على 21 في المئة من مجموع الأصوات) «لقد أخضعنا أجنداتنا الأيديولوجية إلى الأمر الوحيد المشترك بيننا، والذي تمثّل بإدراكنا لضرورة تطبيق الإصلاح السياسي في حال أردنا إنقاذ الديمقراطية في اليمن ووقف انغماس البلد في الفساد المنتشر».
إنّ فوز الرئيس «صالح» لم يفاجئ أحدًا؛ إنه قائد من التيار الشعبي يثير اهتمام كل رجل، وقد تلقّى دعمًا كبيرًا من الحزب الحاكم المسيطر على غالبية الأصوات. على رغم إدّعاءات المعارضة بحصول أعمال غش، صرّح المراقبون الأجانب باستنتاجات أولية بأنّ العملية الانتخابية كانت حرة وعادلة نسبيًا مع القصور النموذجي الذي تشهده الدول النامية: فقد برزت مخالفات في التصويت وفي وجود ناخبين تحت السن القانوني، وفي عدد من الأخطاء في مكتب التسجيل الانتخابي. بدا المسئولون في الحكومة الأميركية متفائلين تمامًا إثر الانتخابات الهادئة نسبيًا، مُدركين أهمية العملية بالرغم من بعض العيوب.
تكمن المسألة السياسية الأساسية حاليًا في ما إذا كانت الحكومة اليمنية ستحصل على امتيازات فعلية إثر إجرائها للانتخابات. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، علّقت جمعية التحدّي للألفية (Millenium Challenge Corporation MCC) أهلية اليمن لتلقّي الدّعم تحت برنامج التقييم (Threshold Program) الخاص بها، زاعمة أنه بعد تسمية اليمن البلد المرشّح لتلقّي الدعم في سنة 2004 المالية، ازداد الفساد في البلد. يمكن لليمن أن تتقدّم من جديد في نوفمبر من هذه السنة.
على رغم من قرار (MCC) المنتظر، لايزال اليمن غائباً تماماً عن النقاشات السياسية الأميركية العامة في ما يتعلّق بإخضاعها للنظام الديمقراطي. لا يشكّل الإصلاح السياسي للنظام المُحتكر إلاّ واحدة من قائمة مطوّلة من المشكلات الاجتماعية الاقتصادية في اليمن. لايزال البلد في إطار استعادة عافيته من حرب أهلية وإعادة توحيد، وهو يواجه تحدّيات اجتماعية هائلة بما فيها انتشار الفقر، ومعدّلات مرتفعة من الأمية ونضوب المياه. مع ذلك، ومن ناحية ما، إنّ قلّة الاهتمام االأميركي عموماً في اليمن تخلق بحدّ ذاتها الفرص. فخلافًا للعلاقات الأميركية مع دول ذات أهمية إستراتيجية أكبر على غرار مصر، لا تخضع العلاقات اليمنية الأميركية للرقابة الشديدة، مانحة بذلك صانعي السياسة حرية إجراء الاختبارات على أرض الواقع.
جيريمي م. شارب
محلل سياسي في قسم الأبحاث بالكونغرس
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1530 - الإثنين 13 نوفمبر 2006م الموافق 21 شوال 1427هـ