كما يقال, المعرفة تبدأ بالأسئلة, ومهما كان الموضوع, من الاقتصاد إلى السياسة ومن علم الاجتماع إلى علم الفيزياء, كل أمر نعرفه اليوم بدأ بسؤال. وعلى هذا النمط, دعنا نسأل بعض الأسئلة اليوم. أسئلة من هنا وهناك, ولكنها كلها أسئلة تتطلب أجوبة صريحة. ودعنا من الغموض والدبلوماسية وكل التفاهات التي تؤدي إلى لا شيء, ولنثبت أقدامنا بشفافية تامة من دون مجاملات ولا غمزات. ولكن من يمكنه الرد تحت المجهر, ومن دون لف ولا دوران؟ الله يعلم, ولكن دعنا فقط الآن نسأل, فهذا أبسط تعبير للحرية الذي يمكننا القيام به.
لماذا القمامة تتطاير في شوارع المنطقة الدبلوماسية بين المباني الجذابة بعد خصخصة خدمات التنظيف العامة؟ لماذا يوجد المتسولون في الشوارع بينما الدخل القومي ارتفع 5.9 في المئة في 2005 إلى 15.9 مليار دولار؟ لماذا يوجد عدد ملحوظ من الذين يعيشون في فقر مدقع في حين معدل الدخل القومي الفردي 23.100 دولارا؟ لماذا تعيش بعض العوائل في منازل آيلة للسقوط؟ لماذا يدفن البحر ولدينا مساحات شاسعة من البر؟ لماذا لا يشكل مجلس للشفافية بتعاون مع جهاز معلومات مستقل لتوثيق وتعقب كل معاملات الدولة ومن بينها صفقات الخصخصة؟ لماذا معظم مشروعات المصارف الإسلامية ما زالت حبرا على ورق؟
طبعاً, هذه أسئلة متفرقة, لكنها مترابطة أيضاً بما أنها تعني الاقتصاد, ومن دون شك تتطرق إلى سياسة الدولة وحوكمة الشركات الخاصة. ولا عجب إن كنا نكرر ما ذكر في هذا العمود من قبل, فالأسئلة المطروحة بسيطة, لكنها مهمة لتفعيل مستقبل يقظ بدلاً من مخدر. فمن السهل أن نسلك الطريق الآمن, ونهز الرؤوس كلما وجدنا رافعات البناء شامخة في السماء دون السؤال «لماذا؟ وكيف؟ ومن المستفيد؟» ولا وقت أفضل من الآن لنسأل المترشحين الأسئلة أعلاه, وما رأيهم, وإن كانوا واثقين من صلابة تفكيرهم في الموضوعات السياسية - الاقتصادية.
من السهل أن نسخر من التغييرات السياسية والاقتصادية في السنين القليلة التي مضت, والقول انها مجرد رتوش أو سطحية. لكن كل ما في الأمر هو أن نلعب اللعبة السياسية من الجانب الاقتصادي, ونحاول أن نبرهن للمترشحين والمخضرمين في الدولة أننا كأفراد مجتمع رأس مالي, تلزمنا حرية الحوار وحرية تدفق المعلومات بشفافية تامة. وخصوصا تلك المعلومات التي تبنى عليها قرارات صرف أموال الدولة في شتى المجالات.
على رغم البيروقراطية و التحجر الوارد في الكثير من أجهزة الدولة, نحن نعلم ألا يمكننا أن نيسر الاقتصاد ما دام هناك تعتيم أو تردد في توفير البيانات وغيرها من المعطيات. فالتعتيم يشطر الاقتصاد إلى نصفين, نصف مملوك لذوي المصالح الشخصية من دون الاهتمام بالمصلحة العامة, ونصف مهمل يبان فيه الوجه المعدم الحقيقي للدولة
العدد 1529 - الأحد 12 نوفمبر 2006م الموافق 20 شوال 1427هـ