العدد 1529 - الأحد 12 نوفمبر 2006م الموافق 20 شوال 1427هـ

«مركز سلمان» الذي أصبح في خبر كان...

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

كأنها من قصص الخيال أو الحكايات التي يرويها الربان سندباد، لكنها للأسف قصة حقيقية أبطالها يعيشون بيننا، يتحركون كأنهم لم يفعلوا إلا جميلا، على رغم أنهم أجهزوا على واحدة من أجمل حالات الاهتمام بأطفال البحرين، وأطفأوا أجمل بقعة ضوء في تجربة العمل الثقافي للأطفال، إنهم أولئك الذين ساهموا بشكل أو بآخر في حرف مسيرة مركز سلمان الثقافي للأطفال وحرموا أطفالنا من ساحة الإبداع وموعد اللقاء وملتقى اكتشاف المواهب الصغيرة.

أنشئ مركز سلمان الثقافي للأطفال في العام 1980، وتطورت برامجه الثقافية والرياضية والاجتماعية الموجهة للطفل حتى صارت تغطي عموم الوطن، ليس من خلال اجتذاب أعداد من أطفال مختلف مناطق البحرين للانتماء إليه فحسب، بل إن المركز كسر الروتين والتقليد فصار هو الذي يذهب للأطفال في مختلف المناسبات، وهكذا أصبحت أشعة شمسه تشرق على كل البلاد.

اليوم وبعد أكثر من ربع قرن من العطاء يعود مركز سلمان الثقافي للأطفال إلى الظل ويقبع في زوايا الظلمة والنسيان، لا ليفتح المجال لمؤسسات أخرى تشغل مكانه وتقدم خدمات أكثر تطوراً للأطفال، بل ليكسر قلوب أطفال البحرين الأحبة ويغلق أبوابه في وجوههم من دون وجه حق ومن دون أي مبرر.

خلال الأعوام الماضية وتحديداً خلال السنوات الخمس الممتدة من 2000 إلى 2005 كان المركز شعلة من النشاط على جميع المستويات، يقدم البرامج الترفيهية إلى جانب البرامج الثقافية... يشارك في احتفالات البلاد بالأعياد الوطنية إلى جانب إقامة المهرجانات الخاصة به... يشارك في المسابقات الدولية والعربية المختصة بالطفل ممثلاً عن البحرين ويحصد الجوائز والمراكز المتفوقة إلى جانب احتضانه المسابقات الوطنية التي تقام للطفل على مستوى البحرين.

كل الشواهد وكل العارفين ببواطن الأمور يعلمون أن مركز سلمان الثقافي للأطفال هو الذي أنشأ مسرح العرائس في البحرين، وهو الذي ساهم في تعزيز الحركة المسرحية الموجهة للطفل البحريني وقاد عملية تطورها بعيداً عن إسفاف المسرح التجاري، إلى جانب اهتمامه بإنشاء لجنة أصدقاء أطفال السكر بالتنسيق مع جمعية السكري البحرينية، رافداً مخيمها السنوي للأطفال الذين يعانون من السكري والمسمى «شروق»، وهو الذي شجع المواهب الصغيرة حتى صارت نجوماً في الموسيقى والمسرح والرسم والتمثيل والتقديم التلفزيوني.

تابِعوا بعض برامج تلفزيون البحرين، وستجدون أطفال المركز الذين كبروا يتقلدون مسئوليات مهمة على الشاشة، يديرون برامج حوارية مهمة، يقدمون برامج اجتماعية ويقرأون نشرات الأخبار بكل براعة واقتدار، تفرسوا في وجوه بعض الفنانين المسرحيين والموسيقيين واسألوهم عن بداياتهم الأولى وكيف اكتشفت مواهبهم، سيكون الجواب واحداً يشير إلى «مركز سلمان»، فتشوا بين من ينقشون أحلامهم فوق اللوحات الجدارية بالألوان الزاهية وستعرفون أن كثيراً منهم مسكوا فرشاة الرسم أول مرة في المركز، وتابعوا البحث بين عدد من الكتاب والصحافيين فستجدون جذورهم تمتد إلى مركز سلمان الثقافي للأطفال.

ابحثوا عن الرعيل الأول من الفنانين والمخرجين والمسرحيين والموسيقيين الذين تعج بهم الساحة الفنية والأدبية اليوم، وستجدونهم جميعاً مروا إلى عالم الشهرة من بوابة مركز سلمان الثقافي للأطفال، بعضهم أصبح موجهاً تربوياً، فناناً عالمياً، عازفاً ماهراً، مديراً لفرقة مسرحية، مخرجاً مسرحياً مرموقاً، مديراً لمهرجان فني ناجح، مسئولاً عن مهرجان موسيقي، منتجاً فنياً متميزاً، كلهم كانت خطوات إبداعهم الأكثر أهمية في مركز سلمان الثقافي للأطفال.

أسئلة تدور في فلك الطفولة والإبداع، لماذا غيب «مركز سلمان» عن الساحة الثقافية والفنية؟ لماذا تمت إحالته للتقاعد البطيء بعد كل هذا العطاء؟ لماذا صار كرة يتلاعب بها بين المؤسسة العامة للشباب والرياضة من جهة ووزارة التنمية الاجتماعية من جهة أخرى؟ ولماذا لا يهب أولئك الذين ساروا خطواتهم العملية الأولى بين جدرانه لنجدته وإنقاذه من الضياع والانزواء في العتمة؟

جرس نعلقه لكل من يريد أن يعلم ويشارك في عملية الإنقاذ، هذا المركز الذي كان يستوعب أكثر من 700 طفل خلال موسم الإجازة المدرسية الصيفية على شكل عضويات مؤقتة، وأكثر من 350 طفلاً على شكل عضويات دائمة يمارسون من خلاله كل الهوايات وينمون عن طريقه كل المواهب، لا يستوعب اليوم إلا عدداً قليلاً من الأطفال، على شكل دورات متفرقة لا تسمن ولا تغني من جوع!

لقد خفت صوته، وغابت صورته عن الذاكرة واختفى اسمه عن صفحات الصحف والمجلات، وانتهى حضوره فوق منصات التتويج في المهرجانات والمسابقات العربية والعالمية، ولم يبقَ منه إلا الشكل الذي تمت إضافة القليل من التحسينات والديكورات وأصباغ الماكياج على واجهته من دون أي روح ومن دون أي رؤى.

بالنسبة إلي كنت قريباً من هذا المركز طوال أكثر من 15 عاماً، وأعرف كل دهاليزه وكواليس مسرحه وقاعاته المتعددة الأغراض والتي طالما تنقلت فيها مع المشرفين والأطفال، الذين عملت معهم على تقديم عدد من الأعمال المسرحية للأطفال أو كتبت أناشيد لمسرحياتهم أو مهرجاناتهم الموسيقية والفنية، وبكل ثقة أقول إن ما جرى بحق هذا المركز هو أمر لا يجب السكوت عليه.

أعتقد أن كل من تعامل مع مركز سلمان الثقافي للأطفال، خلال العشرين سنة الماضية قد تعرف عليه من خلال الكثير من العلامات المضيئة بين جدرانه، ولاسيما دينامو المركز وقلبه النابض الأستاذة نبيهة الخياط مشرفة المركز خلال السنوات الأخيرة ورئيسة المراكز الثقافية للأطفال قبل أن يتم تجريدها من كل مسئولياتها في أعقاب قيام الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني باستعارة قاعة مسرح المركز لعرض مسرحية عرائس الأطفال الفلسطينية «القدس والصندوق» التي قدمها مسرح الطنطورة الفلسطيني بقيادة الفنان نضال الخطيب. تلك المسرحية التي تم عرضها بالتنسيق مع كل من وزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم وإدارة الطفولة وأنشطة الفتيات في المؤسسة.

وبدل أن يكافأ المشرفون والمشرفات في مركز سلمان الثقافي للأطفال على جهودهم الكبيرة تم تشتيتهم في كل حدب وصوب، في الوقت الذي جمدت ونقلت فيه الأستاذة نبيهة الخياط مع سبق الإصرار والترصد إلى زاوية بعيدة مهجورة في غياهب مركز العلوم للشباب بأم الحصم والذي بدأت التداعيات تصله هو الآخر بدءاً باسمه الذي تغير إلى مركز الإبداع الشبابي، من دون أن يعرف الناس عن أي إبداع نتكلم، وسنفرد له مقالاً خاصاً.

أعتقد أن ساعة مراجعة هذه القرارات المستعجلة قد حانت، ولابد من أن تشكل الجهات المسئولة لجان تحقيق للنظر فيما يجري في مركز سلمان الثقافي للأطفال، على أن تقدم هذه اللجنة كشفاً بنتائج التحقيق مشفوعاً بالبرامج والاستراتيجيات التي يتم اعتمادها لإعادة المركز للحياة إن كان هناك شيء من ذلك.

نحن اليوم في عالم الانفتاح والشفافية ولابد أن يعرف الناس لماذا اختفت أنشطة المركز من على الخريطة، فلقد كنا ننتظر أن تمتد تجربة مركز سلمان الثقافي للأطفال وتعمم إلى كل محافظات المملكة، فإذا بصورته تعيب عن الشاشة تماماً، من دون إعلان وفاة؟

السؤال برسم الجهات المسئولة في المؤسسة العامة للشباب والرياضة المسئول السابق والحالي عن المركز، كما هو برسم وزارة التنمية الاجتماعية التي من المقرر أن تتسلم ملف الطفولة ... نرجو أن نستمع إلى إجابة مقنعة قبل أن يصبح مركز سلمان الثقافي للأطفال في خبر كان...

وختاماً، فإنني أسجل اعتذار الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني لكل أطفال البحرين عموماً ولنبيهة الخياط خصوصاً باسمي كرئيس للجمعية ونيابة عن كل أعضاء مجلس الإدارة والمنتمين لهذه الجمعية كافة، إن كان لاستضافة مسرحية «القدس والصندوق» على مسرح المركز أي علاقة بعملية إقصائها عن مسئولياتها وحرمان أطفال البحرين من جهودها الكبيرة، على رغم أن الجمعية حصلت على الترخيص بالعرض من قبل الجهات الرسمية المسئولة في المؤسسة بعيداً عن تدخل الأستاذة نبيهة

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1529 - الأحد 12 نوفمبر 2006م الموافق 20 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً