في عدد السبت، من «الوسط»، سمعنا أصواتاً متنوعةً، تدلُّ على وجود «رأي آخر»، فيما يجري في الساحة السياسية، الشيعية تحديداً، على عكس الظاهر من سيادة الرأي الواحد. وهي علامةٌ صحيةٌ تماماً، بوجود نقدٍ حرٍ للممارسات والسياسات، إذ ظهرت أصواتٌ تنتقد استخدام المجلس الإسلامي العلمائي في التحشيد لأفراد معينين، وهي أصواتٌ خجولةٌ الآن، تجاهُلُها قد يسهم في نجاح تمرير «القائمة الواحدة المتجانسة» كما تهوى «الوفاق»، لكنه لن يجنِّب الكتلة، مساءلة الجمهور العريض بعد 18 شهراً من دخول البرلمان، كما لن يجنِّب العلماء أنفسهم الكثير من اللوم والحرج في حال حدوث أي إخفاقات أو إحباطات.
قائمة «الوفاق»، كأيّة قائمةٍ انتخابيةٍ أخرى، قابلةٌ للتقييم والتمحيص والنقد، وليس هناك حتى الآن، فيما نعلم، من يدّعي العصمة لأفرادها، ومن حقّ الجمهور أن يتحدّث في المعايير التي اعتمدت في الاختيار. ولا شك في أن الكثير من الأسماء تستحق مثل هذه الثقة، لكن هناك أسماءً أخرى ليست كذلك، بدليل أن «شورى الوفاق» أسقطها، ولكن عادت الأمانة العامة لتثبيتها على مسئوليتها الشخصية، على خلاف التقاليد الديمقراطية كما هو معروف.
والدليل الآخر أن بعض الأسماء لم تحظَ بقبول الأهالي في عددٍ من المناطق، وإنزالها (من فوق) لن يقنع الناس باختيارها يوم 25 الجاري، حتى لو تمت الاستعانة بالفتوى أو النصائح الأبوية أو كتابة التعهدات.
منذ البداية كان الكثيرون يتناولون أهمية معايير الكفاءة والقدرات السياسية والعلمية لنجاح المترشّح في وظيفته بالبرلمان، ولكن تمّ «تدوير» فكرة الولاء «الحزبي» و«المرجعي» بصورةٍ قطعت الطريق على أي حوارٍ منتجٍ. واليوم، يتم تدوير فكرة «الكتلة الإيمانية الواحدة المنسجمة»، وهي محاولة للقفز على أية عودةٍ لمناقشة موضوع الكفاءة، التي يفتقر إليها عددٌ من المترشّحين الذين لم تحسن «الوفاق» اختيارهم، لسببٍ أو لآخر.
خطورة الأمر هي أن مثل هذا الطرح يوحي باحتكار مسألة الإيمان، ويخلعه على «المحظوظين» فقط ممن حصلوا على تزكية «الوفاق». وهي تكرارٌ لأخطاء التيارات الدينية والسياسية التي تحتكر لأصحابها الحقيقة في الدنيا، والجنة في الآخرة. والمحزن أن هذه التجربة تولد مرةً أخرى في رحم «الوفاق»، بعد عامين من ولادة «قائمة المتقين» إثر خلافات داخلية، وكأن «الوفاق» لم تتعلم الدرس.
ليس من مسئولية الكاتب أو غيره أن يشكّك في إيمان أحدٍ أو يزكّي على الله أحداً؛ لأن ذلك ليس من اختصاص أيّ فردٍ أو جهةٍ دينيةٍ أو سياسيةٍ؛ لأن الإيمان والتقوى قضيتان قلبيتان لا يطّلع عليهما غير علاّم الغيوب. ولكن من حق الجمهور أن يقيّم السياسيين بلغة السياسة، وأن يقيّم كفاءات وقدرات المترشحين، ويضع المعايير، التي قد لا تكون من بينها بالضرورة كثرة الصلاة والصيام، فهي أمورٌ قد يأتيها الإنسان ويستوحش بتركها كما في حديث للإمام الصادق (ع).
ولأن التقوى من أصعب ما يمكن إثباته في هذا الزمن المادي الجشع، أو صرف صكوكِ تزكيةٍ مسبقةٍ، فإن الامتحان الأكبر هو التقوى «المالية»، التي ستكون المحك الأشد للمترشّحين الجدد، وخصوصاً بالنسبة لشعبٍ لديه تجارب طويلةٌ مع كثرةٍ من النواب المنتهية صلاحيتهم، والكثيرين من طبقة «النخبة»، إسلامية وقومية ويسارية، سقطوا في هذا الامتحان عبر عشرات السنين. السيدعبدالله الغريفي قال قبل أسابيع رداً على إشكال مماثل: من أين آتي لكم بمترشّحين معصومين؟ والسؤال: ألم يكن من الأحوط -سياسياً- التريّث عن تزكية أشخاصٍ أسقطتهم «شورى الوفاق» دون أن نسأل عن السبب؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1529 - الأحد 12 نوفمبر 2006م الموافق 20 شوال 1427هـ