العدد 1529 - الأحد 12 نوفمبر 2006م الموافق 20 شوال 1427هـ

على هامش الانتخابات... إلى متى تظل المرأة الحلقة الأضعف؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

لعله من المؤسف حقاً أن نضطر إلى تناول موضوع المرأة كحلقة أضعف، بلحاظ المعجزة السماوية القرآنية والسنة النبوية التي لا تفتأ تردد أصداءها كاشفة المجتمع النموذجي التي كانت تعيش في كنفه المرأة المسلمة، ولكن يحاول أعداء الإسلام النيل منه بشكل عام، واتهامه في كثير من الأحيان بأنه من أشد أعداء المرأة، وهو اتهام لا أساس له من الصحة، مستعينين بأناس غير واعين ولا يفهمون النصوص الدينية التي جاءت لترفع من قدر المرأة ومكانتها الكبيرة، متناسين أن الإسلام هو من أعطى المرأة حقوقها كافة، وجعلها شريكاً للرجل وساوى بينهما في التكاليف الدينية منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، ويبدو هؤلاء أنهم يأخذون موقفاً سلبياً من الإسلام لكونه أعطى المرأة المكانة العالية ويريدون أن يطمسوا الحقائق ويزيفوها تبعاً لمصالحهم الشخصية الدنيوية.

أحاول تصحيح هذا الفهم الخاطئ من خلال الرجوع إلى مصادر قوية تعزز من مكانة المرأة وتقويها، وتنفض غبار الاتهامات التي طالما تحملتها المرأة المسلمة، كما تبين المراحل التي مرت بها المرأة طوال حياتها وكيف كان ينظر إليها، وكيف حصلت على حقوقها وكرامتها في ظل الشريعة السمحاء، فقد جعل الإسلام المرأة من نفس الرجل، فهي إنسان مساو له في الإنسانية، يقول تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة» (النساء:1)، «هو الذي خلقكم من نفس واحدة» (الأعراف: 189).

ومن هنا نستطيع أن نفهم أن الإسلام ارتقى بالبشرية من النظرة الدونية للمرأة، بعكس ما هو شائع أن المرأة مخلوق دون الرجل، من هنا نفهم أن الإسلام أسدى أكبر الخدمات للمرأة، ولم تنحصر خدمته في حدود رفع السيطرة المطلقة للآباء، بل حررها بشكل كامل وأعطاها اعتبارها، واستقلالها الفكري، واعترف لها بحقوقها الطبيعية، وسمح لها بـأن تشارك في أنشطة المجتمع حتى تشتهر منهن من تشتهر بالشعر وأخرى تشتهر بالعلم ويشاركن في المعارك ويروين الحديث ويفتين في مسائل العلم والحياة العامة، فالسيدة عائشة تفتي والسيدة أسماء بنت عميس فقيهة والسيدة سكينة بنت الحسين تنقد الشعر والسيدة نفيسة تعلم الأئمة وكان الشافعي يتتلمذ عليها، ومن بعد هؤلاء ظهرت نساء مسلمات شهيرات كالسيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد، ومن هؤلاء من لعبت دوراً تاريخياً كالسيدة شجرة الدر التي قادت الحروب الصليبية في معركتها الأخيرة الفاصلة وأسرت الملك لويس التاسع في المنصورة بمصر.

ففكرة مشاركة المرأة في العمل السياسي فكرة ليست بجديدة حتى ترتعد لها فرائص هؤلاء الذين يتطلعون للمناصب والمقاعد ويرغبون في الحصول عليها بكل سهولة ويسر، فالمرأة في عهد الرسول (ص) كانت تعيش عصراً ذهبياً، فقد مارست الكثير من الأدوار السياسية، مصداقاً لقول الله عز وجل «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (التوبة: 71) والحديث النبوي المشهور: «من أصبح وأمسى ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم»، وغير ذلك من النصوص العامة الشاملة للرجل والمرأة على حد سواء، فلا احد يتنكر للدور السياسي البارز لأمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد وأم سلمة وعائشة وحفصة والدور الطليعي لنساء أهل البيت وفي المقدمة السيدة فاطمة الزهراء (ع)، كما أنه روي بأن عمر بن الخطاب (رض) قد ولى الشفاء وهي امرأة من قومه السوق، كما انه من المعروف أن النبي (ص) قد ترك النساء يحضرن معه الجمعة والجماعة والجهاد، ولم ينقل في حديث مقطوع بصحته أنه نصحهن بالبقاء في البيوت وترك المشاركة في الأمور الدينية والدنيوية، وكذلك مشاركة النساء في الهجرتين وهي أسماء بنت عميس، إذ هاجرت مع زوجها إلى الحبشة ثم إلى المدينة، ولقد دخلت على حفصة أم المؤمنين زائرة فدخل عمر بن الخطاب على ابنته حفصة وعندها أسماء فسأل من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه البحرية، قالت أسماء: نعم، قال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم، وجاء النبي (ص) فقالت له أسماء: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا فسألها رسول الله: «وما قلت له ؟» قالت: قلت له كذا وكذا، قال: «ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان»، قالت أسماء بعد ذلك: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني إرسالاً «أفواجاً» يسألوني عن الحديث (رواه الشيخان).

ومما لا يغيب عن الملاحظة هنا أن نرى على رأس النساء اللاتي شاركن في هذا العمل السياسي السيدة رقية بنت رسول الله (ص) إذ كانت مع زوجها عثمان بن عفان (رض)، ومن بين الأسماء الأخرى المشاركة في تاريخ الإسلام ولها نشاطها الديني والسياسي السيدة أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب مع زوجها عبيد الله بن جحش والسيدة أم سلمة بنت أبي أمية مع زوجها أبو سلمة بن عبد الأسد.

ولكن التوزان بين الإسلام والتقاليد وهيمنة الإسلام على العادات كما كان الأمر في عهد الرسول (ص) وصحابته سرعان ما مال به الميزان بعد أن دخل الإسلام إلى شعوب عدة لها تقاليدها هي الأخرى في مجال المرأة، ما أدى إلى تقليص دور المرأة ورسالتها في الحياة حتى أصبحت في بلاد إسلامية مجرد خادمة لزوجها تهيئ له الطعام.

من هنا نعرف أن الإسلام كفل للمرأة حقوقها المدنية والشخصية كافة، فلها حق حيازة الأموال والتصرف في البيع والشراء والوصية والهبة، والأمثلة قد تطول ولكن من باب عدم الحديث في المطلق، وللمشككين نورد بعض نشاطات المرأة وكيف يولون أنفسهم اليوم أوصياء عليها ويرغبون في تقليص أدوارها للحد من إنسانيتها، فقد شاركت المرأة في الهجرة إلى الحبشة جنباً إلى جنب مع الرجل وبلغ عدد اللواتي هاجرن إلى الحبشة 19 امرأة، كما قد احتجت بعض النسوة على خلافة معاوية عند بيعته، كأروى بنت الحارث بن عبد المطلب، كما كانت بعض النساء في المجتمعات الإسلامية رائدات في بعض المهن. كالمرأة التي صنعت المنبر من خلال غلامها النجار، والرُّبيع بنت معوذ كانت تبيع العطر وتتاجر به. وكذلك أم شريك الصحابية كان لها دار ضيافة.

بعد تلك الحقائق الدامغة فهل لعصابة حرب الفتاوى أن توقف قرصنتها على المرأة، أم أن للفتاوى بقية؟

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1529 - الأحد 12 نوفمبر 2006م الموافق 20 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً