العدد 3853 - الإثنين 25 مارس 2013م الموافق 13 جمادى الأولى 1434هـ

لسورية الحب

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

«نحن هنا تجاوزنا كل شيئ بقيت إرادة الحياة التي بها نعيش»، منذ أشهر أرسل صديق من سورية هذه العبارة في محاولة لتأكيد أنهم بخير.

ربما أنه بخير، بقدر ما تريد أن تبعث تلك الجملة الأمل، بالقدر الذي تأخذنا إلى ما آلت إليه الأمور هناك، حيث الموت يرمي خطافاته بين الآمنين، وحيث تتضاءل القدرة على الحزن أمام الرغبة في الهرب من أجل الحياة، وحيث بقايا الدماء تروي الياسمين الدمشقي، الذي كان شاهداً على الحب فأصبح شاهداً على الموت الوفير.

سورية التي كانت مهد الحضارة وبلد الشعر والحب أضحت اليوم ملعباً لهواة لعق الدماء والتيمم بها. أصبح الذبح عبادةً، والتدمير قرباناً لوجه الله، والموت عنوان سورية الأكبر. اختفى الإنسان، والشعر، والثقافة، وتسرّب الفرح مع بقايا الأمان الذي غادر الشوارع خلسةًً، بقيت إرادة الحياة وحدها تصارع من أجل سورية.

أمام الزخم الإعلامي المحيط بأحداث سورية، أمام التقارير التي تستند على مصادر خاصة دون أسماء جهات، وأمام ابتذال الفضائيات بين مهوّل لما يحدث، وناسفٍ له، تقف عاجزاً حد الدهشة، أتصدق كل هذه الأخبار بيقينٍ تام، أم تستمع لصوت خطوات الإنسان في سورية. الإنسان الهارب من الموت إلى موتٍ آخر. في كل منعطف هناك خطبٌ يتربص به، وقناصٌ يترصده ببندقيته، لا يعرف المواطن السوري البسيط على أي مقصلةٍ سيُذبح ووفق أي عذر، وأمام أية تهمة، وكيف سيميّز المتقاتلون إن كان هذا الرجل -الذي وجد نفسه فجأةً بين طرفين يتقاتلان ولا اختيار له في ذلك- إن كان مع الجيش الحر أو الجيش السوري. لا يعرف أكثر من أنه ذات الرجل الذي كان قبل أشهر يعبر بعربته الخشبية أزقة دمشق يبيع الخضار من مزرعته الصغيرة، ويعود إلى بيته المتواضع راضياً بفرحٍ على ما أهدته الحياة.

نعم ستنتصر إرادة الحياة، هكذا يعلمنا التاريخ. هكذا تخبرنا الحكايا، أن الإنسان يجيد استنساخ نفسه، تماماً كما يتقن تكرار أخطائه. ربما دمّرت آلة القتل كل جميلٍ بسورية، وألغت عادة الحب فيها، لكن وحدهم السوريون قادرون على إعادة بعثه، وقادرون على إحياء الحب، وتتويج الجمال. قادرون وحدهم على استدعاء الحياة متى ما أوقف الموت عجلاته عن العبور فوق أجسادهم.

تُعلمنا تجربة اليابان العريقة بعد هيروشيما ونجازاكي كيف تنتصر إرادة الحياة، وأن كل شيء قادر على البعث من جديد في تحدٍ مذهل للموت المتربص بنا في كل حين.

يعلّمنا اليابانيون أن بقايا الإنسان يمكنها أن تخلق حضارة، أن تتجاوز الألم نحو الأمل، أن تترك الموت فوق قارعة الطريق وتواصل مشوار الحياة بعزم. يخبرنا اليابانيون عبر أعينهم الصغيرة الواثقة أنها غريزة البقاء لا أكثر، وغريزة البقاء هنا تعني أكثر من مجرد التمسك البدائي بأسباب الحياة، عابرين نحو خلق الحياة وتطويعها.

إن كانت اليابان استطاعت بعد جريمةٍ مروّعةٍ أن تناطح قتلتها في التطور والتقدم العلمي، فإن سورية قادرةٌ أن تعلو بجمالها فوق الأيدي الملطخة بدماء الأبرياء، فانهضي يا سورية، فبقايا الجمال تستطيع إحياء الحب في أزقتك الضيقة وبعث الأمل من جديد.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3853 - الإثنين 25 مارس 2013م الموافق 13 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:56 ص

      ما فهمنا !!

      ما فهمنا ؟؟ انت مع الثورة السورية ضد نظام بشارام مع من ؟؟

    • زائر 1 | 2:03 ص

      يارب

      ببركة الله وأهل البيت بترجع سوريا نفس ماكانت وأحسن
      الله ينصرهم على الأعداء

اقرأ ايضاً