في الأنظمة الديمقراطية، التي تسود فيها العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وتُصان فيها كرامة الإنسان وحريته، ينشغل الناس في المجتمع، من أعلى قمة الهرم السياسي، ومسئولي الدولة وأفراد السلطات، ينشغلون بتعزيز الخدمات للمواطنين، وتطوير التشريعات بما يقربها من الكمال الإنساني بما يدعم حقوق الإنسان، وينشغل عامة الناس، سواءً أفراداً أو مؤسسات مجتمع مدني، بعلاقات تكاملية وتعاضدية أو تنافسية لتقديم الأفضل فيما بينهم، لا تلهيهم الفرقة على أساس أي مذهب أو دين، فالكل يحترم معتقدات الآخر، في مواطنة متساوية الحقوق والواجبات،
تصونها الحقوق السياسية المتساوية، التي يدعمها التطبيق العادل للنص الدستوري والقانوني والإجرائي، بما يطور هذه الحقوق، فيتطور تبعاً لذلك النص والتطبيق بعلاقة ديالكتيكية عبر تأثر واحدها بالآخر، الأمر الذي يحكم تشكيل السلطات، وأنظمة عملها القانوني والمؤسساتي، بحيث لا يَفْرِق من يتولى المسئولية إن كان عمرو أو زيد؛ فالمعيار هو المواطنة والكفاءة، محكومَة ومراقبَة ومحاسبَة، من قبل الشعب مصدر السلطات، بالدعم أو التقويم أو الإبدال، فلا يفرط متجنٍ أو متجاوزٌ سياسياً ولا مالياً ولا إدارياً من العقاب، ولا نفوذ لفرد مهما علا شأنه، فتسود الثقة والمساندة من الشعب لسلطاته، ويتفرغ الجيش الوطني لتطوير قدراته التسليحية والتعبوية، باضطراد لتحقيق جاهزيته لصد أي اعتداء خارجي.
ورجال الأمن المواطنون، يحوزون احترام المجتمع، نتيجة للتطبيق العملي لشعار «الشرطة في خدمة الشعب»، من خلال البرامج والخدمات المجتمعية التي يؤدونها، من التوعية ومعالجة مسببات الانحراف السلوكي للأفراد، والمشاركة في الخدمات الاجتماعية، وحل المشاكل بين الأفراد من المواطنين، وواجب الحراسات، وتسهيل انسيابية الشوارع، وخصوصاً أثناء التجمعات السياسية والاجتماعية، وأمور أخرى كثيرة، كل ذلك حسب النظام والقانون.
وكذلك أجهزة الاستخبارات، يسهرون على أمن الوطن والمواطنين، في التقصي باستباق الانحرافات، وتتبع ما يثير الشبهة للوصول إلى حقيقة من تسوِّل له نفسه المس بالوطن والمواطن، ثم تُحوِّل الجناة المفترضين إلى أجهزة الأمن المختصة، لإجراءات القبض لاستكمال التحقيق والتثبت، وتحريز الأدلة المادية والأدوات، المنوطة بالنيابة العامة لتكييفها القانوني لتقديمها للقضاء، عبر المُدَد القانونية في أدناها وليس أقصاها. فلكل جهاز مهامه المؤسسية والقانونية، دون تداخل وتكرار لمهام الأخرى، وكل سلطات الدولة وأجهزتها، لا يتولاها إلا المواطنون، دون أي تمييز بينهم، إلا بمعيار الكفاءة، فليس غير المواطنين من يَلبَسهم الوطن ما بين ثناياهم.
أما في الأنظمة الاستبدادية، أياً كانت، فينشئ النظام سلطاته وأجهزته، بافتراق عن الشعب، عبر الاستعانة بالغرباء من غير المواطنين، أوعبر التمييز والمال السياسي، لفئة من المواطنين، من أقلهم كفاءةً وإيماناً بالوطن والشعب، همهم الأساسي، التقاط الأموال، ولا وفاء لهم لغيره، ولكن السلطات لا تريد منهم وفاءً لها بالانتماء، وتعلم علم اليقين، أن من يبيع وطنه وشعبه، لا أمان له، وأنهم رهن إشارتها طالما ضمنت رمي المال لهم، وهي تستمر في ذلك طالما احتاجتهم، لتنفيذ سياساتها بطريقة «الريموت كونترول»، مثل الرجل الآلي، لا يعنيه ما يعمل ولكنه مطيع ورهن الإشارة.
في الأنظمة الاستبدادية، تُنشأ المؤسسات وتُسن القوانين والإجراءات لغرضين، لرسم صورة مزيفة بتقديم الخدمات للشعب، وتلميع صورتها لدى المنظمات الدولية، عبر إقامة المشاريع الخدمية بما يسهل لها مراكمة الثروات، والاستفراد بالسلطة، من جهة، ومن جهة أخرى للبطش بالشعب والتضييق عليه إن بدا منه ما تخشاه من مطالبةٍ بالحقوق، في أي مجال، حتى أصغرها، فهذا بالنسبة لها إن بدأ الشعب رفع رأسه، وهي تريد له الخنوع والتبعثر في أفراد لا حول لهم ولا قوة، وحين يبادر الشعب في تكوين مؤسسات المجتمع المدني، تمنيه السلطات بالعطايا مقابل الخدون في عباءتها، وإلا أنشأت مقابلها ما يتبعها بمصلحة أو بأفراد أجهزتها، وتغدق التسهيلات لهذه مقابل القيد والتضييق على تلك للشعب.
السلطات هنا، باختصار، ترى أنها السيد والشعب عبيد، تُطعمه ولا تشبعه، وإن نزع لحريته وسيادته، ناله منها كرابيج أجهزتها الأمنية وغيرها، ومتى ما أعادته إلى حظيرة الصمت والصبر، تتلوه بتعييشه في الضنك من العيش، إلا ما استطاع نيله بجرأته.
أما الشعوب، فقد تصبّر دهراً، كما الشعب السوري، وقد تنتظر الوفاء بالوعود من بعد القبول بمجملها، مقابل احتوائها على ما يلبي إنسانيتها في حدها الأدنى، مثل الشعب البحريني، ولكن لا تنتهي السيناريوهات السلطوية، فتبدأ بعد حين، في إما زيادة التضييق ببناء المزيد من الأجهزة القمعية، لتتجسس بعضها على بعض، خشية السلطات من ميل بعضها إلى جانب الشعوب، فتخلق في أجهزتها الخوف والرعب من بعضها البعض، لتتبارى جميعها في مواجهة الشعوب، وإما بالإضافة، تغريب الأجهزة الأمنية وما شاكَلَها، بإخلائها من المواطنين، والنكوص بالوعود وتشويه مفاهيمها، عند التطبيق، ولا يضع الحد الفاصل بين حقيقة النوايا وزخرفها لدى السلطات، إلا معاودة الشعوب للمطالبة بذات المطالب الموعود بتحقيقها، فتجابهها السلطات بالعنف والقسوة، وقد عايشنا ما عايشناه في بحريننا العزيزة، وشاهدنا ما شاهدناه في سورية.
وتخطئ السلطات في حق الوطن والمواطنين، من حيث لا يعنيها الندم، طالما سعت لتثبيت أقدام تفردها بالسلطة والثروة، فلا تبالي بتفريق الشعوب إلى طوائفها الدينية والمذهبية واستعداء بعضها ضد البعض، باستخدام أجهزتها الإعلامية الرسمية، وصحفها الصفراء وصحافييها، وأبواقها الدينية والمدنية، وشركات العلاقات العامة محلياً وإقليمياً ودولياً، لقاء المال والتمييز، لتشغل الشعوب بصراع مذهبي وفقهي، إن كان لها ذلك، أو إشغالهم بإثبات ما ينفي طائفيتهم، من بعد التشكيك في وطنية بعضهم وتخوينهم، عبر إجراءات أجهزتها الحكومية، ونفوذها لدى بعض الأطراف في السلطات الأخرى. ولكن في كلتا الحالتين، تسعى السلطات، لتبقى الشعوب منشغلة عنها حيناً من الزمن، فتسترد أنفاسها، وتخطط للتالي من وسائل وأدوات لقمع شعوبها.
وفي آخر المطاف، حين تعاود الشعوب حراكها، لنيل حقوقها المشروعة، والتي نصت عليها المواثيق والعهود الدولية، التي وقعت عليها الدولة، ونَصّ عليها الدستور، ولم يتم تنفيذها، تستخدم السلطات أقوى ما لديها من بطش، وباستخدام جميع أجهزتها، دون استثناء، لتنال كسر إرادة شعبها، وهنا يبقى صمود الشعوب الأقرب للسلمي، في حدود رد تعاظم ضحايا بطش السلطات، في القتل والتعذيب والاعتقال والتهجير والفصل من الأعمال، وإصرارها على المطالب، وإنشاء وتطوير عمل مؤسسات المجتمع المدني، السياسية وذات الرعاية المجتمعية، واستمرار الحراك، هو الفيصل في انتقال المجتمع إلى رحاب الديمقراطية.
وإلا فإن زاد تمادي السلطات في البطش بالحراكات الشعبية، وإفلات منتهكي الحقوق من العقاب، لقاء تجاوزاتهم لمهامهم الأمنية وغيرها، والسياسية والإدارية والمالية، بما نص عليه الدستور، المرجع الأساس لشرعية القوانين، فالقادم ربما يكون أسوأ مما يجري اليوم في التصدي للنظام السوري، مع اختلاف تدخل الأطراف الخارجية المباشر.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 3851 - السبت 23 مارس 2013م الموافق 11 جمادى الأولى 1434هـ
شكرا لك
لكن لساني تعب و عجز عن التعليق و عقلي أصبح لا يستوعب مايحدث في البحرين ...يارب ساعدني على نفسي
اليوتوبيا أو الدولة الفاضلة لمايكل أنجلو.
هي حلم. من ينتهك حقوق البشر لا يحق له أن يكون وصيا عليه. التخلف فينا لنعي بأنه في هذا الزمان لا يمكن لهذا المتسلط أن يفرق بيننا بأية ذريعة للتمكن منا.
بارك الله فيك أخي أ. يعقوب
العدل أساس الملك واذكر ماذا قال النصراني عندما رأى عمر بن الخطاب (ر) نائما فقال:( حكم عمر فعدل فنام) وبالتالي العدل هو أساس الإستقرار السياسي في المجتمعات. الشكر موصول لكادر الوسط على مهنيته وخصوصا أ. يعقوب الذي أذهل القراء بحسن منطقه.
ختم الله على سمعهم وابصارهم غشاوة
إن من حرض وشارك في إرهاب المواطنين وهدم المساجد وقتل الأبرياء المسالمين لا لشئ بل لحقد يغلي أو لكعكةيلعقها لا يرتجى منه خير. إنه ميأوس منه. ولكن يقول الحق تعالى يوم يعض الظالم على يديه .... إن الله مع الصابرين. وهو خير الحاكمين.
صح لسانك
كل ماتقوله صحيح لان مصيبتنا في البحرين هي مع المتنفدين والمتمصلحين وهاهم يرفضون كل شئ يعيد كرامة الواطن,وكما صرح جمعه المطالبه بحومه من او استفتاء الشعب هو افراغ مؤسسات الدوله ولن يتنازلوا ولو استمر الحوار 100سنه.
الى زائر 6
الإجابة يسيطه:
لأنهم يدورون في فلك السلطه حيث يقتاتون على الفتات الذي يُرمى لهم في جيوبهم وكل ذلك على حساب شركائهم في الوطن
إن كانوا هم يعتقدون أصلاً أن لهم شركاء في الوطن
شركاء من خونوهم؟؟؟ من صوفنوهم؟؟ من مجسوهم؟؟ من كفروهم؟؟ والقائمه تطول لكثرة النعوت المقيته؟؟
وكل ذلك لأجل ماذا وفقط؟؟
لأنك اختلفت معهم في السياسه التي كشفت زيفهم الفكري والثقافي المزعوم والمغلف بغلاف الوطنيه البريئه هي منهم ومن أشكالهم الباليه وما مصيرهم إلاَ "مزبلة التاريخ"
>>فالحقُ يعلو ولا يُعلى عليه>>
مقالاتك مقالات عظيمة ومفيدة ولكن لا صدى لها في هذه الديرة
العجب في هذه الديرة انك انت وامثالك لا يوجد من يسمع ويستمع لهم بينما الآخرين من ينعقون بالخراب والدمار والتهديد بتدمير البلد بالقاعدة وغيرها لهم من يسمع ويستمع لهم بل ويجدون لهم منبرا في الاعلام لكي يبثوا سمومهم وفتنهم في المجتمع.
لماذا لا يعطى امثالك برامج في الاعلام المحلي؟ الست من الاخوة السنة؟
هل اولئك هم فقط السنة؟ لماذا انت وسيار وجناحي وشريف وفخروا وغيركم من الاخوة السنة الشرفاء مبعدون عن الاعلام الرسمي ويقرّب فقط عقارب الرمل؟
من المقالات لا المقاولات
يقال سال دمعه وسولت له نفسه وخالف القانون أو خرج عن الدستور وقد ثبت عليه مخالفة. فهل الشرعة من المخالفات القانونية؟ قد يكون لا وقد يكون نعم، فمعادلة لورانس وميزانها يساوي واحد، وتجدها في ثلث الثلوث وليس في يوم الثلاثاء وإنما ثلاثة تساوي واحد والكل واحد!! وهذا صحيح للقانون والدستور والشريعة، فلا تختلف الشرعة عن القانون ولا يخرج الدستور عن أي منهما.
فهل يوجد في دستور البحرين ما يشبه هذا؟
أبن البحرين أستاذ يعقوب....
ملكت الكلام ولكن لاحياة لمن تنادي , ياصمام الامان ولسان حال الشعب, شكرا من الأعماق ياسيادي.
أحلام وردية
أول أربع فقرات وردية. هل ممكن أن نعرف أية دولة تمتاز بهذه الصفات؟ فشل الإنسان فى خلق أصول إجتماعية و إقتصادية تسعده و تطوره. الإنسان هو السبب فى تخلفه و تخلف تطوره.