العدد 3850 - الجمعة 22 مارس 2013م الموافق 10 جمادى الأولى 1434هـ

غادة خنجي... تستنطق اللحظات وتمسك الزمن

تصوير: احمد آل حيدر
تصوير: احمد آل حيدر

في معرض الفوتوغرافية غادة خنجي تأخذك الصور إلى لحظات عميقة تقف عندها طويلاً، حيث استطاعت خنجي أن تقتنصها قبل أن تتلاشى وتذوب مع الذاكرة المتهالكة، ولعل إحساسنا بوطأة الزمن وتعاقب الصور في سرعة أخّاذة هو ما جعل الذات تحاول ما استطاعت أن تمسك ولو شيئاً يسيراً أو سانحة عابرة للقبض على اللحظات المتلاشية، ولعله هكذا تحاول خنجي على طريقتها أن تمسك بالزمن الذي لا يعود؛ فتجعلك تستنطق اللحظات التي تستوقفك فيها الصورة.

يتراءى لك معرض «داخل الظلال» في عمارة بن مطر كمن يحاول الإمساك بالزمن وذلك لخصوصية اللحظات التي تقتنصها عين الفنانة عبر الكاميرا؛ إذ تستوقفك في التفاتاتها من الصور والتقاطاتها اللحظات البسيطة والتلقائية، وكأنها حين تلتقط هذه اللحظات تستدعيك لتسائلها فتقف في بداهة لتستفهم عن سر الانشداد للصورة بين حسِّ الانبهار أو بين حس التشبّث بالماضي، فيا ترى ما سر الألق في الصور.

في الصورة الأولى التي تواجهك مباشرة على جدران عمارة بن مطر يستوقفك وجه طفل بريء وتلقائي ككل وجوه الأطفال حين يرمقك من خلف الشباك، هكذا تأخذنا التقاطات خنجي إلى عوالم الطفولة حيث كنا نرى الأشياء من خلف الشباك أو الظلال أو الزجاج كما هي فكرة مجموعة من الصور الأخرى، حين كنا نتفحّص الآخرين من خلف المرايا فنقف مأخوذين من الصورة التي تعكسها المرايا سواء حين تعكس صورنا أو صور الآخرين، لعله هكذا كنا نرى الآخرين ونرى أنفسنا أجمل من وراء المرايا، وربما لذلك كنا نقف مأخوذين ومدهوشين خلف المرايا أو أمامها متأملين ذواتنا وهي تعبر أمامنا خلف المرآة، فإذا كانت وجوهنا من خلف المرآة تبدو أجمل فهي كذلك من خلف الشباك.

وتستوقفك صورة أخرى للحظة هي أشد لحظات الصراحة والبوح على رغم اختزالها وربما هذه هي لحظة (ضيق العبارة واتساع المعنى) حيث تُختصر الصورة في حائط من الألمنيوم مكتوب عليه كلمة واحدة، فقط كلمة تختصر المشهد كله هذه الأيام هي كلمة (الشعب) فلا قبلها شيء ولا بعدها شيء.

وثمة لوحة أخرى لا تقل بوحاً عما سبقها في التنديد بالواقع الجاثم هي صورة كان لها من الحضور الكثير هي بقية من رسم على الجدار لجندي يطلق النار، ومما تحمل الذاكرة أن طفلة مرت من هذا الرسم فالتقطتها عدسة أحد المصورين وحصل بها على وسام وإشادة وتقدير، فكانت الصورة والجدار شاهداً على مرحلة عابرة، فكأن الصورة تبوح باللحظات المسكوت عنها وهي حين يطلق الجدار النار.

وثمة مجموعة من صور أخرى إحداها لفتيان يلعبون وسط الركام ولعله هكذا يتسع المكان للحلم والأمل واللعب واللهو لقليل من الوقت على رغم الركام الذي صنعه العبث والإهمال، وقريب منها التقاطة للحظة جميلة حيث تصعد الكرة للسماء فلا ترى ولا تبقى في الذاكرة إلا تلك القفزة برجل واحدة في الأرض ورجل أخرى إلى الأعلى.

ويحضر البحر في مجموعة من الصور كمكان للبوح حيث الأفق المفتوح الذي يبتلع كل الحكايات والقصص، فثمة جلسة لمجموعة من الأصدقاء حيث يعطي أحدهم نظرة إلى البحر وآخر يشيح بوجهه عنهم لليابسة حيث الحياة بعيداً عن عيونهم التي تقول الكثير، لكن الصدود عنهم يعمق الصورة ويعطي المشهد كله معنىً آخر، وثمة لحظة أخرى تقتنصها خنجي لأسرة تجلس أمام البحر تكون فيها المجاميع صغيرة أمام سعة الأفق وكأنها تقول كم نحن صغار أمامك أيها البحر، وها أنت تسمع حكاياتنا فضمها إلى حكاياتك الكثيرة التي لا تنتهي.

وثمة لحظة أخرى تلتقطها خنجي بولع وإصرار في أكثر من صورة كمن يبدو مأخوذاً بالأماكن القديمة، الأماكن التي يخلقها الناس للكلام فتكون فسحة واسعة لتحتوي الكثير من المسامرات والكثير من المغامرات إنها لحظة تساوي الكثير حين تستطيع التقاطها، هكذا تبدو الصورة حين تختصر حكاياتنا تحت ظلال الشجر، أو بالقرب من البحر.

وثمة ولع لدى خنجي في مجموعة التقاطاتها بالوجوه حين يقف أصحابها أمام الكاميرا متماهين مع المشهد تماماً، فمرة يبدو الناظر غير عابئ بالكاميرا فتأخذه على حين غرة لتلتقط له لحظة أثيرة لديه، ومرة تراه يقف أمام الكاميرا متجمداً كمن يساعد الكاميرا في تجميد اللحظة لتلتقطه فيبدو كمن يحدق في البعيد على رغم مباشرة النظرة، ولعل هذه أحد أسرار التقاطات خنجي حين تحاول الإمساك بالزمن.

ولعل لمحةً أخرى في الصور التي تلتقطها خنجي للوجوه إذ تبدو كمن يحاول أن يعكس ما تعبّر عنه الوجوه في تنوعها عن التعدد الثقافي الذي تعكسه سحنتهم وملابسهم وأماكنهم حين يقفون أمام الصورة، أو خلف المرايا والظلال.

وفي تجربة أخرى تحاول خنجي أن تجعل الصور تقول لوحدها مجموعة من المقولات المختلفة، وذلك عبر توزيع مجموعة من الصور داخل إطار واحد في كل مرة بترتيب مختلف، ووضع في أسفل الصور في اللوحة نشيد السلام الملكي، ولعل كل ترتيب يعكس معنى قد يكون مغايرًا لما سبقه من معنى تبوح به الصورة أو تخفيه، فتجعل المتلقي لوحده يبحث عن المعنى كون الصورة احتوت على مجموعة من اللقطات المختلفة وفي كل مرة ترتبت بشكل مختلف لتقول كلامًا مختلفًا.

العدد 3850 - الجمعة 22 مارس 2013م الموافق 10 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً